21-يناير-2019

الزواج هو رابط مودة ورحمة وصبر بين الزوجين على بعضهما البعض (Getty)

 

الترا تونس - فريق التحرير

 

تداولت مؤخرًا مواقع التواصل الاجتماعي خبرًا مفاده أن زوجًا طلب الطلاق ضررًا من زوجته لأنها مريضة بسرطان الثدي، وهو ما أثار حالة استهجان بين رواد هذه المواقع لما اعتبروه سوء معاشرة من الزوج بالتخلي عن زوجته زمن مرضها بدل مساعدتها والوقوف إلى جانبها.

كما أثارت هذه الحادثة تساؤلات بخصوص مدى إمكانية طلب القرين الطلاق للضرر بسبب مرض القرين الآخر.

وقد عرف القضاء التونسي عديد القضايا من هذا القبيل وانتهى لفقه قضاء بات ثابتًا في مجمله يؤسس الطلاق للضرر على أساس الخطأ. إذ يجب على القرين الذي يريد الطلاق بهذه الطريقة أن يثبت أولًا وجود ضرر له، وثانيًا، وهو الأهم، وجود خطأ من طرف القرين الآخر.

عبر ناشطون على مواقع التواصل عن استهجانهم بعد انتشار خبر مفاده أن زوجًا طلب الطلاق ضررًا من زوجته لأنها مريضة بسرطان الثدي

لكن يظلّ السؤال ماذا في حالة المرض؟ هل يمكن اعتبار المرض خطأ يحاسب عليه المريض؟

اقرأ/ي أيضًا: خاصّ: حقيقة الجدل حول "أول قرار قضائي في تونس يقبل الخيانة الإلكترونية"

جرى القضاء على التمييز بين علم المريض بمرضه قبل الزواج أو بعده، فإن كان عالمًا به قبل عقد الزواج ولم يعلم الطرف الآخر، يكون القرين المريض خاطئًا ويمكن القضاء بالطلاق للضرر لصالح القرين المدعي. أما في حالة المرض بعد الزواج، فالصورة أكثر تعقيدًا، وذلك نظر لتقابل واجبات زوجية فيما بينها.

لا يبيح مرض الزوج أو الزوجة وبصفة مبدئية طلب الطلاق للضرر، فإن كان الضرر حاصل للقرين المعافى، فالقرين المريض لا يُمكن أن يُجابه بمرض لم يختره. بل والأكثر، يجب على الزوج المعافى مساعدة زوجته المريضة على أساس الواجبات الزوجية التي أقرها الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية وبالخصوص واجبي المعاملة بالمعروف وحسن المعاشرة.

ويؤكد شراح القانون أن واجب المعاملة بالمعروف وهو واجب أخلاقي أكثر منه قانوني، فيما يستلزم واجب حسن المعاشرة بين الزّوجين بل تُعتبر حسن المعاشرة هي المرجعية الأخلاقية للواجبات غير المالية بين الزّوجين.

وفي حالة المرض، دائمًا ما تؤكد المحاكم التونسية على واجبي المؤازرة والصبر كأوكد الواجبات الزّوجية، وقد رفضت مثلًا محكمة التعقيب في قرار غير منشور بتاريخ 25 أفريل/نيسان 2018 طلب الزّوج للطّلاق بعد إصابة زوجته بجلطة دماغية ممّا حرمه من الاستمتاع الجنسي وإن أثبت التقرير الطبي أنّ حالتها يمكن أن تستغرق سنتين للتحسّن وذلك باعتبار أنّ "واجب المؤازرة يقتضي من الزّوج مساندة زوجته".

 دائمًا ما تؤكد المحاكم التونسية على واجبي المؤازرة والصبر المحمولين على الزوج المعافى كأوكد الواجبات الزّوجية تجاه قرينه المريض

كما يؤكد شراح القانون أيضًا على واجب المساعدة الطبيّة ويعني تطبيب القرين المريض والتّطبيب لا يعني دفع مصاريف العلاج لأنها من مشمولات النفقة بل يعني قيام القرين بنفسه بالعناية والسّهر على تطبيب قرينه ورعايته، بل ويرى أستاذ القانون عمار عبد الواحد عمار الداودي في أطروحته أن القرين الذي لا يبادر بعرض قرينه على الفحص الطبّي رغم ملاحظته لوجود تدهور مستمر في حالته الصّحيّة مرتكبًا لخطأ فادح في حقّ قرينه ومخلّا بواجب زوجي.

وقد وصف شراح للقانون الفرنسي واجب المساعدة الطبيّة بأنه واجب مقيت DEVOIR ARDU، وذلك بسبب ثقله على القرين غير المريض الذي يُحمل عليه ثقل تحمل قرينه المريض لأطول مدى، ومن ذلك مثلًا كان ينصّ الفصل 238 من المجلة المدنية الفرنسية على أن اختلال المدارك العقلية للقرين يبيح لقرينه طلب الطلاق إذا تواصل المرض لمدة ست سنوات وكانت التوقعات لا ترى إمكانية لشفائه مستقبلًا، وهي مدة طويلة واقعا تعكس نزعة مثالية للزواج يصعب قبولها لما تثقله على كاهل من القرين السليم من معاناة.

ليكون السؤال، في هذا الجانب، ألا يمكن للقرين المعافى طلب الطلاق للضرر من قرينه المريض ليبقى سجين حياة زوجية مريرة؟

إن واجب الزوج غير المريض على معاملة قرينه المريض بالمعروف وحسن معاشرته والصبر عليه ومساعدته على الشفاء من مرضه لا يؤدي بالنهاية لقبر حق هذا الزوج في إنهاء الحياة الزوجية بطريق الطلاق للضرر، وذلك في موازنة بين حق المريض في تلقي عناية من قرينه من جهة أولى، وحق هذا القرين في إنهاء العلاقة الزوجية بطريق الطلاق الضرر من جهة ثانية.

وهذه الموازنة يقدّرها القاضي حسب سلطته التقديرية أخذًا بعدة عوامل منها إن كان مرض يسبب العدوى أم لا، ومدى قابلية الشفاء من عدمه، ومدى تأثير المرض على قيام المريض بواجباته الزوجية وبالخصوص واجب المعاشرة الجنسية، إضافة إلى عامل الزمن، فلا يُعقل مثلًا أن يقدم زوج بعد مرض زوجته بشهرين على طلب الطلاق للضرر، إذ يجب عليه البرهنة على أنه قام بواجباته وبالخصوص واجب الصبر، وهو ما يعني مرور مدة زمنية محترمة يقدّرها القاضي حسب وقائع القضية الماثلة أمامه، وغالبًا ما تتشدد المحاكم التونسية في هذا العنصر على اعتبار أن العلاقة الزوجية هي علاقة مودة ورحمة وصبر وتحمل بين الزوجين.

وإن قدّرت المحكمة بالنهاية أن مرض القرين هو ضرر يبيح طلب الطلاق للضرر، فهي تقضي بانحلال العقدة الزوجية أي الطلاق لكن دون جبر الضرر أو التعويض لفائدة المدعي على نحو ما درج عليه فقه القضاء التونسي باشتراط الخطأ للتعويض، وذلك بما أن المرض ليس خطأ بنهاية المطاف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل التونسية ملزمة بالنفقة على أبنائها بعد الطلاق؟

طلاق التونسية سهل أم صعب؟ 5 أمور يجب أن تعرفها