17-يوليو-2019

تحذير من تصاعد أزمة المياه في الفترة المقبلة (يسرى الشيخاوي/ألترا تونس)

 

تواترت، خلال السنوات الأخيرة، الحركات الاحتجاجية المندّدة بانقطاع المياه في جهات مختلفة من الجمهورية التونسية، وسط حديث عن أزمة عطش قد تهدّد تونس أمام غياب حوكمة استراتيجية للموارد المائية. وقد نبّهت مكوّنات المجتمع المدني، ومن بينها المرصد التونسي للمياه، من "ثورة العطش" التي قد تنتج عن الانقطاعات المتكرّرة للمياه والمعاناة التي تطال المواطنين جرّاءها.

وللحديث عن أزمة العطش الذي ضربت جهات مختلفة وحرمت المواطنين حقّهم الدستوري في الماء، وعن مجلّة المياه التي مازالت طي النقاش والإشكاليات المتعلقة بها، التقى "ألترا تونس" منسّق المرصد التونسي للمياه علاء المرزوقي وكان الحوار التالي:


  • أعدّ المرصد تقريرًا بخصوص الحركات الاحتجاجية المطالبة بالماء الصالح للشراب، ماهي أبرز الإحصائيات الواردة فيه؟

في الحقيقة تشهد تونس منذ صائفة 2016 إلى اليوم ارتفاعًا غير مسبوق للانقطاعات الفجئية للمياه بجهات مختلفة من الجمهورية بلغت خلال سنتي 2016 و2017، 347 تحركًا احتجاجيًا على خلفية انقطاع للماء الصالح للشراب.

علاء المرزوقي: تشهد تونس منذ صائفة 2016 إلى اليوم ارتفاعًا غير مسبوق للانقطاعات الفجئية للمياه بجهات مختلفة من الجمهورية 

وتفاقمت أزمة العطش كما ازدادت حدّة مقارنة بالسنوات الماضية، بحيث شهدت صائفة 2018 ارتفاعًا في عدد التحركات الاحتجاجية إذ بلغت 104 تحركًا احتجاجيًا في شهري ماي وجوان كما توسعت رقعتها جغرافيًا، مع العلم أنّها  في السنوات الماضية تركّزت بالأساس بين مدن الحوض المنجمي والقيروان لتشمل فيما بعد جل مناطق الجمهورية التي تضررت من موجة الانقطاعات الفجئية والمتعددة للماء الصالح للشرب.

  • هل هذه التحرّكات المتواترة ظاهرة صحّية؟

أجل هي كذلك، فهي نابعة عن وعي مواطني وجمعياتي بأزمة المياه التي قد تهدد تونس بالعطش، وهذا الوعي نلمسه من خلال بروز حركات اجتماعية جديدة للدفاع عن الحق في الماء تراوحت بين التنسيقيات والائتلافات المدنية على غرار الحراك المائي بالرديف (الحوض المنجمي) والتنسيقية الجهوية للمنظمات الوطنية في باجة والائتلاف المدني ببرقو (سليانة) وتنسيقية تحرير المياه بقفصة.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. هل تتحقق انتفاضة العطشى؟

ونذكر أيضًا الجمعيات والمبادرات المواطنية في مجال المياه على غرار الائتلاف المدني حول مشروع مجلة المياه سنة 2015 وإطلاق المرصد التونسي للمياه في إطار مشروع لجمعية "نوماد 08" الرديف في 2016 والتنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية حول الحق في الماء في 2018 وحملة المناظرة الوطنية حول الإطار التشريعي والقانوني للمياه في تونس وفيلم "عطاشى تونس" إلى جانب حملتي "عطشتونا" بكل من تطاوين وقفصة في نفس السنة.

  • كيف يتفاعل المرصد مع انقطاعات المياه والحركات الاحتجاجية التي تعقبها؟

المرصد التونسي للمياه يتنقل إلى الجهات التي تعاني العطش، بل أكثر من ذلك هو يؤطّر التحرّكات الاحتجاجية كي لا يكون المحتجون عرضة للملاحقات الأمنية، ونحن متمسكون بدعم كل التحركات من أجل الحق في الماء ونساند كل الناشطين الاجتماعيين الذين يصرخون في في وجه الإقصاء والتهميش ومصادرة الحقوق.

ومن خلال مواكبتنا لمختلف التحرّكات الاحتجاجية التي شهدتها عدّة مناطق حرمت حقّها في الماء، نحذّر من تصاعد وتيرة الاحتجاجات، خاصة وأن بعض المناطق التي تعاني العطش بها ثروات مائية.

  • هنا نتحدّث عن التناقضات بين الحديث عن كمّيات الأمطار الوافرة وامتلاء السدود من جهة والحديث عن أزمة "عطش" من جهة أخرى؟

هذا التناقض مرده سوء التصرف في الموارد المالية وعدم التمكن من التحكم في مياه الأمطار وتجميعها، كما أنه من الضروري أن يفهم الرأي العام أنّ مياه السدود ليست موجّهة للشرب فحسب وإنما تستعمل أيضًا في القطاع الفلاحي، وهي النقطة التي لا توضّحها سلطة الإشراف.

علاء المرزوقي: نحذّر من تصاعد وتيرة الاحتجاجات في تونس خاصة وأن بعض المناطق التي تعاني العطش بها ثروات مائية

وعوض أن تبحث الدولة عن حلول استراتيجية لأزمة المياه في تونس تلجأ إلى حلول سهلة، في نظرها، تتمثل في تركيز محطّات لتحلية المياه لتفادي ّأزمة الجفاف والعطش وهي مسألة مكلفة وسينجرّ عنها الترفيع في تسعيرة المتر مكعب من الماء بأضعاف الحالية ولن تعود بالنفع على المواطن في شيء، في ظل غياب الإرادة لمعالجة هذه الأزمة.

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ هذه الصائفة لن تختلف عن سابقاتها بخصوص أزمة العطش في ظل غياب الجدّية والإرادة من وزارة الإشراف والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه للحيلولة دون تفاقم الأزمة، إلى جانب ارتفاع مديونية الجمعيات المائية التي تزود التجمعات الريفية بالماء بعيدا عن "الصوناد"، وهو ما يحول دون القيام بالمهمة المنوطة إليها، وهو ما يتوجّب القطع مع مركزية قرار التحكم في الماء الذي يحرم مواطنين في جهات مختلفة من حقّهم الدستوري.

اقرأ/ي أيضًا: "عطشتونا" .. هل تنطلق انتفاضة الماء من تطاوين؟

  • المركزية هي أحد النقاط التي كانت محل انتقاد في مشروع مجّلة المياه الجديدة، ماهي المؤاخذات الأخرى على هذا المشروع؟

 بخلاف تعزيز المركزية، فإنّ المشروع الجديد لمجلّة المياه يغيب عنه البعد الاستراتيجي الشامل ويعيد إنتاج نفس المشاكل التي أنتجتها مجلة 1975، من خلال استنساخ نفس التصورات والرؤى، إلى جانب التوجّه نحو خوصصة المياه من خلال فتح الباب على مصراعيه للاستثمار في الموارد المائية للقطاع الخاص في صور وأشكال متعددة في فصول المجلة مما سيجعل الحق في الماء للمواطنين صعب المنال.

والحديث عن خوصصة المياه ليس محض تكهنات إنما هو خيار مركزي من السلطة يتجلّى في مشروع المجلّة الجديدة الذي انفردت به وزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية إعدادًا ونقاشًا.

علاء المرزوقي: الحديث عن خوصصة المياه ليس محض تكهنات إنما هو خيار مركزي من السلطة يتجلّى في مشروع مجلة المياه الجديدة

  • ألم تشرّك الوزارة مكونات المجتمع المدني في النقاش وتستأنس بمقترحاتهم؟

نحن كمجتمع مدني فاعل وفي إطار دورنا التعديلي قدّمنا جملة من المقترحات وطالبنا بتوضيح الفصول الواردة في مشروع المجلة الجديدة كي لا تكون مفرغة من محتواها ومليئة بالثغرات.

ولكن وزارة الفلاحة تتعامل مع مجتمع مدني موال لها وليس مع الناشطين الفاعلين الذين يواكبون أزمة الماء والاحتجاجات وخبروا الأوضاع في الجهات التي تعاني انقطاعًا متكررًا للمياه عن كثب، هذا لم يمنعنا من تنظيم دورات تكوينية في كامل الجمهورية في علاقة بمجلة المياه حضرتها مكونات حزبية وممثلون عن وزارة الفلاحة وعن الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وناشطون في المجتمع المدني ومختصون.

علاء المرزوقي: نحن بصدد إعداد صياغة مشروع مجلّة للمياه ستكون جاهزة في موفى شهر أكتوبر القادم وسنعرضها على مجلس النواب المقبل

ونحن بصدد إعداد صياغة مشروع مجلّة للمياه ستكون جاهزة في موفى شهر أكتوبر القادم وسنعرضها على مجلس النواب المقبل، وستتجاوز هذه المجلة كل الإشكالات الموجودة في مشروع وزارة الفلاحة.

  • ماهي أبرز ملامح هذه المجلّة؟

سينصص مشروع مجلة المياه على علاقة الماء بمنوال التنمية وعلى تجريم تصدير الماء بأشكال متعدّدة على غرار تصدير المنتجات الفلاحية المستنزفة للمياه، وسيشمل البعد الاجتماعي من خلال التمييز الإيجابي بين الجهات وسن تعريفة خاصة ببعض الفئات الاجتماعية إلى جانب إعادة النظر في الخارطة الفلاحية وتوزيع المنتوجات حسب خصوصية الجهات المائية.

وستضمن المجلة مقترحات المجتمع المدني الفاعل، والمختصين في المجال وستنصص على ضبط التقسيم العقاري المائي وتحدّد مسؤوليات الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع الماء في حال انقطاع الماء، إضافة إلى التنصيص على لامركزية قرار التحكم في الماء، وتنظيم المجامع المائية وضمان حق المواطنين في مقاضاة الدولة في حال حرمته حقه من الماء.

  • في انتظار إيجاد إطار تشريعي وقانوني يحلّ أزمة المياه، ماهي الحلول الاستراتيجية الراهنة التي يمكنها مجابهة هذه الأزمة؟

مما لا شكّ فيه أن وضعية المياه بكل استعمالاتها ستكون أصعب في الفترة القادمة في ظل ضغط اللوبيات من أجل تهميش قطاع المياه من أجل الدفع نحو خوصصته في إطار صفقات تنتفع منها ويتضرر منها المواطن.

علاء المرزوقي: لا نبالغ حينما نقول إن أزمة المياه ستحتدّ وستشمل مختلف مناطق الجمهورية نظرًا لغياب الإرادة السياسية لحل المشاكل 

ونحن لا نبالغ حينما نقول إن أزمة المياه ستحتدّ وستشمل مختلف مناطق الجمهورية نظرًا لغياب الإرادة السياسية لحل المشاكل وعدم تقدّم المشاريع المتعلّقة بالمياه، إلى جانب الحالة الكارثية للسدود وهو ما يستوجب وضع استراتيجية وطنية لحماية الثروة المائية.

وفي الواقع هناك عدّة حلول استراتيجية لتجنّب الوصول إلى يوم دون ماء وذلك من خلال التحكم في التسريبات المائية عبر صيانة شبكة المياه التي باتت مهترئة وتجميع مياه الأمطار، ولكن في ظل غياب الإرادة السياسة وعدم التعامل بجدّية مع الأزمة فإنها قد تتفاقم في الفترة القادمة.

مراسلة "ألترا تونس" مع منسق المرصد التونسي للمياه خلال إجراء المقابلة

 

اقرأ/ي أيضًا:

وثائقي "عطاشى تونس".. عن المواطن والدولة وكذبة العدالة

تونسيون دون ماء والجمعيات المائية في قفص الاتهام