25-أكتوبر-2018

ترجمة رواية إلى اللغة العربية بعد 35 سنة من تاريخ إصدارها (دار الثقافة ابن رشيق)

قدّم الكاتب والمناضل الحقوقي واليساري التونسي جيلبار نقاش، مساء الأربعاء 24 أكتوبر/تشرين الأول 2018، روايته "كريستال" في حلتها العربية بعد أكثر من 35 سنة منذ إصدارها باللغة الفرنسية عن دار صلامبو للنشر، قدّمها بدار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة تونس بحضور جمع من العائلة اليسارية التونسية وبعض الوجوه السياسية التي زاملت جيلبار نقاش في السجن.

فجيلبار قبل أن يكون كاتبًا، هو مناضل يساري وأحد وجوه حركة "برسبكتيف" الشهيرة، وقد أقصته الجمهورية الأولى بشقّيها حيث سُجن في العهد البورقيبي لمواقفه السياسية والتزامه بقضايا الحريات، فيما حوصر في العهد النوفمبري إلى حد التهميش والإقصاء والدّفع به قسرًا إلى خانة النسيان.

قدم جيلبار نقاش شهادة عن الظروف السياسية والسجنية التي كتب فيها "كريستال" ممعنًا في ذكر التفاصيل الصغيرة والمجهرية للحياة داخل "الشمبري" (زنزانة السجن) حينها

وواكب حفل تقديم الرواية جمهور نوعي، وقد عرّبها اليوم بعد أكثر من ثلاثة عقود من إصدارها كل من السجين السياسي والمناضل اليساري محمد صالح فليس، والناصر الوسلاتي وهما صديقا جيلبار، وذلك بالإضافة للأستاذ الجامعي فتحي العطوي.

اقرأ/ي أيضًا: انبعاث أيّام قرطاج للإبداع المهجري.. نبل الفكرة وغياب التصوّر

قدم جيلبار نقاش، خلال هذا اللقاء الأدبي والفكري أيضًا، ما يشبه الشهادة عن الظروف السياسية والسجنية التي كتب فيها "كريستال"، ممعنًا في ذكر التفاصيل الصغيرة والمجهرية للحياة داخل "الشمبري" (زنزانة السجن)، وهو العالم الذي تحكمه قوانين أخرى في مستوى العلاقات الإنسانية والعادات والسلوكات، وذلك عبر حياة موازية تتلبس بالسجين ولا تفارقه حتى عودته للحياة الواسعة.

وهو تقريبًا ما حدث للكاتب، فبالرغم من تحويله لحياة السجن إلى كتابات فكرية ونصوص إبداعية إلا أنّ السّجن لم يفارقه أبدًا. إذ تنساب الكلمات الفرنسية من فمه كشريط مصور يحكي أيام السجن بكامل الدقة، وخاصة ظروف كتابة الرواية على أوراق علب سجائر "الكريستال" الرائجة آنذاك والتي وصلت لإحدى وسبعين ورقة كتبها سرًا بأقلام الرصاص التي كان يبريها على حافة إحدى علب السردين، وهربها فيما بعد إلى خارج السجن مع أحد السجناء المتمتعين بالعفو.

[[{"fid":"102030","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":333,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

تحدث جيلبار نقاش عن السياق السياسي لكتابته روايته "كريستال" (دار الثقافة ابن رشيق)

جيلبار نقاش تحدث بطريقة مستفيضة عن "كريستال" والحصار الذي تعرضت له من قبل السلطة أثناء محاولة نشرها في الثمانينيات، وهو ما دفعه إلى تأسيس دار نشر خصيصًا من أجل "كريستال. وأشار، في هذا الصدد، إلى التدخل الشخصي من قبل وزير الثقافة حينها البشير بن سلامة عبر إلغائه لقرار لجنة الاقتناء بشراء 300 نسخة بالاكتفاء بعشر نسخ فقط.

ذهب الكاتب عميقًا فيما يتعلق بمحتوى رواية "كريستال" مؤكدًا أنها نصيبه من الحقيقة كما رآها ولمسها وعايشها، وأنه لم يلزم أحدًا بتبني ما ورد في الكتاب من أيديولوجيا ومن أفكار وتصورات سياسية واجتماعية. الكاتب قال: "أنا أقف على أرض الحرية وحيدًا أسند نفسي بنفسي ... أنا حرّ".

جيلبار نقاش: أنا أقف على أرض الحرية وحيدًا أسند نفسي بنفسي ... أنا حرّ

يصرّح جيلبار نقاش في هذا اللقاء بأنه يبرز من خلال روايته "كريستال" إحساسه العالي بالحرية، ويرى أن ذلك هو المبدأ الأساسي للحياة، مشيرًا أن الإنسان دون هذا الإحساس بالحرية يُعتبر سجينًا حتى وإن كان متمتعًا بحياته في الفضاء الواسع، مضيفًا أن تجربة السجن رسخت لديه هذا الإحساس وهو خلاصة ما يحاول قوله في "كريستال".

وعن تعريب الرواية بعد 36 سنة من نشرها باللغة الفرنسية، يوضح جيلبار بأنها كانت حلمًا وتحقق بعد محاولات عديدة للترجمة لكنها لم ترق للمستوى الذي يريده. وذكر أنه اطلع على الترجمة الحالية قبل نشرها معتبرًا أن المترجمين تعاملوا مع النص بحب مفرط خاصة وأن صداقة عميقة تجمعه بهم.

 

مداخلة خلال لقاء تقديم رواية "كريستال"

تحدث فتحي العطوي، الجامعي بكلية الآداب بمنوبة وأحد معرّبي "الرواية"، لـ"الترا تونس" عن عسر عملية التعريب لأن هذا الكتاب تتداخل فيه عدّة أجناس مثل السيرة الذاتية واليوميات والكتابة التاريخية والخبر الصحفي والتحليل السياسي، وفق تأكيده.

وأشار العطوي أيضًا إلى خصوصية المصطلحات السجنية والمناخ المعنوي للزنازين التي لا نجد لها ما يقابلها في اللغة وهو ما تسبب في إحراجات معجمية بتعبيره، كما بيّن أنّ هذا العمل تطلب ما يقارب السنتين من العمل والمثابرة واللقاءات والنقاشات والوقوف عند التفاصيل الصغيرة وتقليبها على الأوجه اللغوية الممكنة.

فتحي العطوي (جامعي ومترجم لرواية "كريستال"):  العمل الأدبي يتميز باستعمال المصطلحات السجنية ووجود المناخ المعنوي للزنازين التي لا نجد لها ما يقابلها في اللغة وهو ما تسبب في إحراجات معجمية 

العطوي أكد أن هذا العمل الروائي هو استثنائي بالنظر لمكانة جيلبار النقاش في الساحة النضالية والسياسية والفكرية والثقافية التونسية، وبالتالي تطلب مجهودًا استثنائيًا خاصة في مستوى ما يريده عمق النص ودلالاته القصيّة وإشارات كتبها بفرنسية رشيقة تتطلب أحيانًا العودة لأحداث تاريخية أو أسماء شخصيات أو أمكنة.

وقد شهد لقاء تقديم رواية "كريستال" في حلتها العربية نقاشًا وتفاعلًا بين الكاتب وجمهوره النوعي حول مسائل عديدة تهم الحياة السياسية والكتابة الابداعية وخصوصية ترجمة هذه النوعية من الكتب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سفراء الثقافة التونسية: آمال مختار تمثّل الأدب التونسي في أسبانيا

اتحاد الكتّاب التونسيين.. هل بات إرث الماضي عبئًا نحو المنشود؟