09-يونيو-2019

تنتظر الديبلوماسية التونسية مهام عديدة وتحديات جدية في مجلس الأمن في ظل المناخ الإقليمي المتقلب على صفيح ساخن (Getty)

 

لم يكن مفاجئًا انتخاب تونس عضوًا غير قار في مجلس الأمن بأغلبية 191 صوتًا، في الانتخابات الدورية في منظمة الأمم المتحدة خلال شهر جوان/يونيو الجاري، على اعتبار دعمها من المجموعة الإفريقية التي تصعد باسمها عدا عن المجموعة العربية. تحجز بذلك الديبلوماسية التونسية مقعدًا في مجلس الأمن لمدة سنتين، 2020 و2021، للمرة الرابعة في تاريخها بعد 3 عهدات سابقة (1960/1959 – 1981/1980 – 2001/2000) في عرف ديبلوماسي بدورية كل عقدين.

وتنتظرها في هذه الدورة مهام عديدة وتحديات جدية بالخصوص في ظل المناخ الإقليمي المتقلب على صفيح ساخن، فتونس ستكون الممثل الوحيد للمجموعة العربية في مجلس الأمن، وهو ما يتزامن مع رئاستها أيضًا للدورة العادية الثلاثين للجامعة العربية. فيما تتزايد أهمية الدور الموكل للديبلوماسية التونسية في المجلس الأممي وذلك خلال سنتين مقبلتين لا غرو أنهما ستعكسان مرحلة حرجة وربما حاسمة في عديد القضايا العربية سواء القضية الفلسطينية من جهة أولى أو ملفات البلدان التي تشهد نزاعات مسلحة وبالخصوص سوريا وليبيا واليمن من جهة ثانية، وذلك في ظل انقسام المجموعة العربية في المنتظم الأممي حول مجمل هذه القضايا.

اقرأ/ي أيضًا: انتخابات 2019.. ماذا لو لم يحكم أحد؟

القضية الفلسطينية.. النصرة والتصدي لمخططات التصفية

تعد القضية الفلسطينية من أقدم وأكثر القضايا المطروحة على طاولة مجلس الأمن بصفة دورية، وهي تشهد، بالخصوص في السنوات الأخيرة، خذلانًا مستمرًا من المجموعة الدولية خاصة بالنظر لخروج الولايات المتحدة الأمريكية، العضو الدائم في مجلس الأمن والوسيط في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عن المواثيق الأممية مع اعترافها بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني، والذي لحقه اعتراف آخر بالسيادة الصهيونية على هضبة الجولان المحتلة.

وتشهد القضية الفلسطينية، الذي دائمًا ما توصف بأنها أم القضايا العربية، محاولات للتصفية مؤخرًا في ظل ما تُعرف بـ"صفقة قرن" وهي مبادرة سلام أمريكية مدعومة إسرائيليًا وعربيًا من المحور السعودي والإماراتي والمصري، والمرفوضة إلى حد الآن فلسطينيًا، من سلطة رام الله وحركات المقاومة، والأردن على وجه الخصوص. وهي مبادرة مطروحة خارج قنوات الوساطة الدولية والخارقة للمواثيق والقرارات الأممية وتحديدًا بتجاوز حل الدولتين وتحديدًا قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

تتزايد أهمية الدور الموكل للديبلوماسية التونسية في مجلس الأمن في ظل مرحلة حرجة وربما حاسمة في عديد القضايا العربية وتحديدًا القضية الفلسطينية أمام مخطط تصفيتها عبر "صفقة القرن" وملفات سوريا وليبيا واليمن

بذلك، تمثل المرحلة المقبلة فترة حرجة للقضية الفلسطينية، في ظل محاولات تصفيتها عبر التخلي عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وبالخصوص حق العودة وحقه في دولة كاملة السيادة. وعليه، تكون المهمة مضاعفة على الديبلوماسية التونسية داخل مجلس الأمن طيلة السنتين المقبلتين بضرورة تجندها المطلق للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ورفض مبادرات هدرها، وهو ما يستوجب حيوية ديبلوماسية عبر التحشيد المستمر مع بقية أعضاء المجلس خاصة عبر تقديم مبادرات لمشاريع قرارات أو التصدي للقرارات التي تهدف لإدانة الفلسطينيين لحساب الإسرائيليين، على غرار مشروع قرار واشنطن نهاية العام الماضي لإدانة المقاومة الفلسطينية، وذلك عدا لزوم تقديم مداخلات صارمة في المداولات بعيدًا عن اللهجة الديبلوماسية الباردة.

وفي هذا الجانب، نشطت الديبلوماسية الكويتية، منذ بداية 2018 إلى حد الآن، بشكل لافت في مجلس الأمن دعمًا للقضية الفلسطينية، مع العلم أن العضوية غير الدائمة للكويت تنتهي بنهاية العام الجاري ليوكل مشعل "الدفاع عن القضايا العربية" إلى تونس. فالكويت استطاعت طيلة سنة ونصف داخل المجلس الأممي أن تحقق اختراقات ملموسة دفاعًا عن القضية الفلسطينية عبر التحشيد من أجل إبطال مشاريع قرارات أمريكية على غرار مشروع قرار لإصدار إعلان يندد بإطلاق صواريخ من قطاع غزة على إسرائيل في ماي/آيار 2018، وبالخصوص نجاحها في تمرير قرار إجرائي ينص على وجوب حصول مشروع قرار أمريكي لإدانة المقاومة الفلسطينية على أكثرية الثلثين لاعتماده، وهو ما تعذر على واشنطن تحقيقه في ديسمبر/كانون الأول من العام الفارط.

كما قدمت البعثة الكويتية مشروع قرار لإنشاء بعثة دولية لحماية الفلسطينيين بعد استشهاد عشرات الفلسطينيين في مسيرات العودة الكبرى في غلاف قطاع غزة، وأيضًا لرفع الحصار الصهيوني عن القطاع واستئناف عمل المعابر الحدودية، وقد لقي هذا المشروع دعمًا من 10 دول في مجلس الأمن من بينها فرنسا وروسيا والصين لتضطر واشنطن لإسقاطه باستعمال حق النقض "الفيتو" ليمثل مناسبة جديدة على الأقل لفضح الانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني. وقد نشطت الكويت أيضًا نصرة للقضية الفلسطينية من خلال دعواتها لانعقاد مجالس طارئة لمجلس الأمن على خلفية التطورات في مسيرات العودة الكبرى، وأمنت حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس في جلسة خاصة حول الشأن الفلسطيني، عدا عن تميّز مداخلات سفيرها في نيويورك بالإدانة المستمرة للعجرفة الإسرائيلية وفضحها أمام الرأي العام الدولي.

تمثل المرحلة المقبلة فترة حرجة للقضية الفلسطينية في ظل محاولات تصفيتها عبر التخلي عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني ومنها حق العودة وحقه في دولة كاملة السيادة

بكل ذلك، تجد الديبلوماسية التونسية نفسها أمام واجب مواصلة المهمة بنفس حيوية ونشاط الديبلوماسية الكويتية. وإجمالًا سيكون السفير التونسي في نيويورك مطالبًا بالتنسيق المستمر مع المندوب الفلسطيني وبقية أعضاء المجموعة العربية لاستمرار التحشيد لنصرة القضية الفلسطينية وبالخصوص لإسقاط مخطط تصفيتها وذلك بالعمل على مواجهة "صفقة القرن" عبر قنوات الأمم المتحدة والتأكيد على الالتزام بالمقررات الأممية. ولكن تُطرح، في هذا الجانب، مسألة وحدة المجموعة العربية على اعتبار أن دول السعودية ومصر والإمارات والبحرين متواطئة بل مشاركة بصفة فعلية في إعداد "صفقة القرن" وخطوات تنفيذها. وفي هذا السياق، يأتي التحدي الجدي للديبلوماسية التونسية.

اقرأ/ي أيضًا: قراءة في كتاب "تطوّر الخطاب السياسي في تونس تجاه القضية الفلسطينية"

الديبلوماسية التونسية بين الاستقلالية والمحور السعودي الإماراتي

تمثل العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن امتحانًا جديًا للديبلوماسية التونسية في علاقة باستقلاليتها وسياديتها والثبات في الدفاع عن القضايا العربية وتحديدًا القضية الفلسطينية إضافة لبقية الملفات المطروحة على طاولة المجلس الأممي وبالخصوص ملفات ليبيا واليمن وسوريا. ومردّ جديّة هذا الامتحان هو الانقسام العربي غير المستجدّ واقعًا، ولكن بالخصوص أمام تكتّل المحور السعودي الإماراتي الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر "صفقة القرن"، وهو المتورط أيضًا في تأجيج الحرب والحيلولة دون التوصل لحل سياسي للأزمتين اليمنية والليبية على قاعدة قرارات مجلس الأمن.

وإن تقييم أداء الديبلوماسية التونسية طيلة السنوات الخمس الأخيرة منذ صعود الرئيس الباجي قايد السبسي ينتهي لتقارب تونسي/سعودي بالخصوص، وتؤكد مؤشرات عديدة هذه الخلاصة منها امتناع تونس في مجلس حقوق الإنسان الأممي على التصويت لفائدة التمديد للجنة التحقيق في جرائم الحرب في اليمن اصطفافًا منها مع السعودية والإمارات اللتان تقودان الحرب وقد كان الامتناع مصوّبًا للمفارقة تجاه اللجنة التي يترأسها الحقوقي التونسي كمال الجندوبي. كما استقبلت تونس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أول زيارة له في خضم عزلته الدولية بعد قضية اغتيال جمال خاشقجي، عدا عن تنظيم مناورات عسكرية جوية بين الجيشين التونسي والسعودي لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين. بل بلغ الانحياز نحو السعودية إلى درجة إصدار الخارجية التونسية بيانًا حول الأزمة السعودية الكندية التي اندلعت، خلال صيف 2018، على خلفية انتقادات كندا لأوضاع حقوق الإنسان في المملكة السعودية.

تمثل العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن امتحانًا جديًا للديبلوماسية التونسية في علاقة باستقلاليتها وسياديتها والثبات في الدفاع عن القضايا العربية أمام مخططات المحور السعودي الإماراتي لتصفية القضية الفلسطينية عبر "صفقة القرن" وعرقلة التسوية السياسية في اليمن وليبيا

لم ينتهي، في المقابل، هذا التقارب الذي يبلغ درجة الانحياز من الديبلوماسية التونسية إلى الانخراط الكلي في مخططات المحور السعودي، خاصة في علاقة بالمسألة الليبية حينما حافظت تونس على موقفها الداعم لتسوية الأزمة السياسية في البلد الجار، وذلك على خلاف المحور السعودي خاصة مع المغامرة الأخيرة للواء المتقاعد خليفة حفتر لاجتياح العاصمة طرابلس التي بدأها في أفريل/نيسان الفارط بتغطية مالية وسياسية من ولي العهد السعودي وفق ما أكدته تقارير صحفية أمريكية (واشنطن بوست - 15 أفريل/نيسان 2019). كما حافظت تونس على موقف محايد من الأزمة الخليجية وعلى علاقة متميزة مع الدوحة.

ولكن وفي ظل المخططات الجامحة للثنائي السعودي الإماراتي لتصفية القضية الفلسطينية والحيلولة دون إنهاء الحربين في اليمن وليبيا إلى غاية تنفيذ أهدافهما، تجد الديبلوماسية التونسية نفسها، التي تتبنى علنًا مواقف داعمة للحقوق التاريخية للفلسطينيين من جهة وللتوصل لحل سياسي بعيدًا عن الحل العسكري في اليمن وليبيا، أمام تحدي مواجهة هذه المخططات داخل مجلس الأمن، والتي تلقى دعمًا معلنًا ومستترًا من البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: الأطفال التونسيون العالقون في ليبيا.. مواطنون مع وقف التنفيذ

وتوجد خشية أن التقارب التونسي السعودي خلال السنوات الخمس الأخيرة قد يؤدي إلى انكفاء تونسي داخل مجلس الأمن في القضايا التي تتعارض فيها مخططات المحور السعودي مع المواقف التونسية أو المقررات الأممية، وهو انكفاء قد ينعكس عبر برود في اللهجة الديبلوماسية أو عدم المبادرة لتقديم مشاريع قرارات أو التصدي لقرارات أخرى، وذلك على خلاف الديبلوماسية الكويتية التي لم تكن تلقى حيويتها ونشاطها احتفاءً في أروقة الديبلوماسية السعودية والإماراتية.

وواقعًا، سيظل جواب هذه الخشية مرهونًا، في جانب محوري منه، برئيس الجمهورية المقبل المنتظر انتخابه نهاية العام الجاري، الذي سيبدأ ولايته الرئاسية ببدء عضوية تونس في مجلس الأمن بداية من العام الجديد 2020. لكن لا يُنتظر إجمالًا أن تشهد الثوابت والخيارات التاريخية للديبلوماسية التونسية تغييرات جذرية مع الساكن الجديد لقصر قرطاج (أعلن الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي نيته عدم الترشح للانتخابات الرئاسية) وتحديدًا في علاقة بدعم حل القضية الفلسطينية في إطار المقررات الأممية، وعدم التورط في سياسة المحاور العربية، ودعم التسوية السلمية على قاعدة التوافق الوطني في البلدان التي تشهد تحولات سياسية مرفوقة بنزاعات مسلحة.

ولكن سيحدد الرئيس الجديد، في نهاية المطاف، مدى المسافة الفاصلة عن المحور السعودي والإماراتي وكذلك تحديد مدى حيوية الديبلوماسية التونسية ونشاطها وجديتها في الدفاع عن القضايا العربية المطروحة على مجلس الأمن وتحديدًا القضية الفلسطينية وملفات اليمن وليبيا وسوريا.

إصلاح مجلس الأمن.. المهمة التقليدية

لازال إصلاح مجلس الأمن، في الأثناء، ملفًا مفتوحًا للنقاش بين أعضاء الأمم المتحدة منذ ما يزيد عن عقدين، ولم يحرز أي تقدم جدي خاصة في علاقة بالترفيع في عدد مقاعد المجلس وبالخصوص على مستوى المقاعد الدائمة التي تتمتع بحق النقض "الفيتو". وفي هذا الجانب، تدافع المجموعة العربية عن تمثيل عربي ضمن فئة هذه المقاعد، وهو ما عملت الديبلوماسية الكويتية على تأكيده بصفة متكررة خلال عضويتها الحالية (2018-2019). ويشمل الإصلاح، المطروح عربيًا، تعزيز تمثيلية الدول العربية في فئة المقاعد غير الدائمة خاصة بالنظر للثقل الديمغرافي للمنطقة العربية وأيضًا بالنظر أن القضايا المطروحة على أنظار المجلس تتعلق في جانب كبير بها.

لازال إصلاح مجلس الأمن ملفًا مفتوحًا للنقاش بين أعضاء الأمم المتحدة منذ ما يزيد عن عقدين، ولم يحرز أي تقدم جدي خاصة في علاقة بالترفيع في عدد مقاعد المجلس

تتمثل بذلك مهمة الديبلوماسية التونسية في مواصلة الدفع نحو إصلاح مجلس الأمن والدفاع عن مقترحات المجموعة العربية، وإن كانت هذه المهمة من الطبيعة بما كان، فهي تستلزم جدية بما يفترض أن تتصدر أولويات السفير التونسي في الأمم المتحدة. لا يُنتظر أن تحقق تونس واقعًا أي اختراق في هكذا ملف، مرهون منذ عقدين لتوافقات الدول الكبرى ذات العضوية الدائمة وهو ما يصعب تحقيقه على المدى القريب خاصة في السياق الدولي الحالي، ولكن من المهمّ أن تعمل الديبلوماسية التونسية للتحشيد نحو عدم ركن هذا الملف ضمن رفوف المنظمة الأممية وذلك بالتنسيق الحثيث مع الدول الإفريقية والأسيوية والقوى الإقليمية والدولية من غير خماسي العضوية الدائمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحلة الموت من البحّار أوس إلى الداعشي حمزة الحمزة (2/1)

رحلة الموت من البحّار أوس إلى الداعشي حمزة الحمزة (2/2)