05-أبريل-2016

فقدت تونس اليوم أولاد حمد الذي تصوّف في عشقها

بالأمس احتفل بعيد ميلاده الحادي والستّين بالمستشفى، واليوم يغادر الحياة بعد صراع طويل مع المرض، إنه الشاعر التونسي الصغيّر أولاد أحمد، الذي بقي ولازال مطلع قصيدة "أحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد" أيقونة متلازمة في حبّ الوطن. وإن كان الشّاعر بصفته متمرّدًا، فإن أولاد حمد، كان رمزا في تونس في تجاوز السّائد، فكان مشاكسًا يأبى الرّتابة في شعر يتوقّد بروحه، وبمواقف منفلتة عن قوالب دائمًا ما كان يهرع دونها.

لا يزال مطلع قصيدة "أحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد" لأولاد احمد أيقونة متلازمة في حبّ الوطن

وربما لم يعتنق شاعرًا في تونس مذهب حبّ الوطن طيلة حياته وفي شعره، كما اعتنق أولاد حمد الذي سخّر قلمه في حبّ تونس والابتهاج بها، وهو الذي قال عنها بأنها "موضوع كتابته الوحيد منذ الانخراط في الكتابة". وقد واصل أولاد حمد في الرسم بالحروف لتونس حتى ليلة وفاته فكتب آخر كلماته "تونس، سلّمتُ في الدُّنيا... وقلتُ: أ كونُها: شعرًا، ونثرًا، ناقدًا، ومُبشّرًا، طولَ الفصولِ الأربعة...".

اقرأ/ي أيضًا: غطفان غنوم: أفضل وثائقي في هوليود للأفلام المستقلة

وبقدر تطرّفه في حبّ تونس وهي التي على اسم أمّه كذلك، بقدر ما كان أولاد حمد جازم القول لحدّ "التطرّف" في بسط الشأن العام، حتى كان صديقا مقرّبًا لهذا، وعدوًّا لدودًا لذاك، وهي عداوة لما اصطبغت بصفته كشاعر، بدت كعنوان طريف في باب المشاكسة. ولذلك حينما لازمه المرض، زاره الجميع، من اليسار ومن اليمين، فتأكّد بذلك بأن الشعراء، مهما تطرّفوا، لا يمكن أن يجيئوا إلا كعنوان جامع.

ولم يصمت أولاد حمد عن الشّعر منذ أن داهمه المرض، حيث كان ينشر ما يكتب بصفة متواترة على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي، فكان دائمًا ما يبغي أن يؤكد بأن رحلة الكتابة مستمرّة مادام لم يُقعده الألم عن مسك الورقة والقلم.

لم يصمت أولاد حمد عن الشّعر منذ أن داهمه المرض، حيث كان ينشر ما يكتب بصفة متواترة على فيسبوك

وأثناء فترة وعكته الصحيّة قبل ستةّ أشهر، بادرت وزارة الثقافة لتكريمه في حفل بالمسرح بالبلدي بالعاصمة في تكريم وصفه أولاد حمد بأنه يتجاوز شخصه بما هو تكريم للخطاب الشعري ذاته. وفي هذا الحفل وإضافة إلى ما تخلّله من قراءات شعرية لشعراء تونسيين وعرب، صدح فيه الشّاعر المكرّم بنفسه بقراءات شعرية ونثرية، قد لا تُقرأ الآن إلا كنصوص يرثي بها الشاعر نفسه قبل أن يُرثى، وإن كانت متوقّدة بحبّ الحياة والتحدّي، وهو الذي كتب ليلتها "وأما الذي هو أتْفهُ من مرض تافهِ، فاني أداويه يومًا، وأكتب يومًا، وأصرخ يومًا، وأمزحُ يومًا".

فقدت تونس اليوم أولاد حمد الذي تصوّف في عشقها، مغادرًا إياها، عائدًا لترابها، في قبر قد لم يتشوّفه يومًا إلا كبيته الصّغير الموعود وعلى أرض لم يشئ أبدًا إلا أن يحيا بحبّها ويموت فيها، وهو الذي ودّعها ليلة وفاته. في زاوية الجدل في الشأن العام، تنتصر صورة الفارس العاشق على التفاصيل، وفي رحاب الشعر، لا تنتصر، بحكم الطبيعة، إلا الكلمات التي ستبقى شواهدًا سيحفظها التاريخ وستتناقلها الأجيال، في باب عشق الوطن.

اقرأ/ي أيضًا:

رحيل نبيل المالح.. العين التي رأت الكابوس

عمر حمدي "مالفا".. ميراث من وهج الألوان