25-أبريل-2017

الناقد والباحث توفيق بكّار (1927 - 2017)

كلّ مشهد أدبي لا يقوم على التراكم الصّحي بين أجياله ومقولاته الثقافية، يفقد روح المشهد الثري والمولّد للأسئلة الدافعة إلى الإبداع والتجاوز، كما أن خلوّه من وجوه تحقق الإجماع حولها، بالنظر إلى نزاهتها وعمقها ونظافة مسارها ورصيدها، يجعله محطّ صراعات تؤجل الولادات الجديدة وتشوّه المشاريع الجيّدة القائمة.

كلّ مشهد أدبي لا يقوم على التراكم بين أجياله ومقولاته الثقافية، يفقد الروح المولّدة للأسئلة

كان الناقد والباحث توفيق بكّار (1927 - 2017) يحظى بهذا المقام في المشهد الأدبي والنقدي التونسي المتميّز، بكونه يتوفر على كتّاب بالعربية والفرنسية وذوي ميولات عربية وآخرين يميلون إلى الثقافة الغربية، بالنظر إلى كونه جمع في تكوينه الثقافي بين الوجهتين معًا، ولم يورّط لسانه وقلمه في الصراعات الشخصية والشللية النائية عن الاعتبارات الثقافية، مسخرًا جهده ووقته في إضاءة النص التونسي، وهذا ما ركز عليه بيان وزارة الثقافة التونسية في نعيها للراحل توفيق بكار أمس الإثنين.

اقرأ/ي أيضًا: بحثًا عن جذور الجهاد في الغرب

يقول البيان: "لقد ساهم توفيق بكار خلال مسيرته علاوة على تكوين الأجيال في إشعاع النقد الأدبي في تونس حيث انكبّ على التعريف بالمؤلف التونسي، كما ترك الراحل بزخم زاده العلمي والمعرفي مساهمة فريدة في المشهد الأدبي والنقدي على مدار أكثر من نصف قرن".

تجلّى هذا المسعى لتوفيق بكار، في العديد من الإصدارات منها "مقدّمات" و"قصصيات عربية" و"شعريات"، وكان دوره حاسمًا في التعريف بتجربة محمود المسعدي، الذي يعدّه التونسيون رائد السردية التونسية في النصف الأول من القرن العشرين، ولايزال تأثيره، في الكتابة والتفكير، ذلك أنه تولى وزارة التعليم في عهد الرئيس لحبيب بورقيبة، ساري المفعول حتى اليوم. بالموازاة مع ذلك، قارب توفيق بكار بأدوات حديثة، العمق الإبداعي والمعرفي لجملة من النصوص التراثية العربية، خاصّة تلك شكّلت خلفية لتجربة محمود المسعدي، وبيّن قدرتها على الامتداد في حاضرنا، وإمكانية أن تكون الخلفية الأم للحداثة العربية، عوض التماهي مع المرجعيات الغربية في الحداثة، لأنها وليدة سياقات حضارية مفصولة، وفق جدلتي القدم والحداثة، والشرق والغرب.

لم يورّط توفيق بكار نفسه في الصراعات الشخصية والشللية النائية عن الاعتبارات الثقافية

اقرأ/ي أيضًا: غياث المدهون.. الشعر في مواجهة الفيزياء

لم يكن توفيق بكّار، بحسب الباحث محمد البشير ماركسيًا ولا بنيويًا  بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن جمع بين البنيوية والتحليل الاجتماعي للنصوص، "إنه متأصلٌ في حداثته حديثٌ في تأصله، صاحب تحليل جدلي في قراءته للواقع المتحرك، إنشائيٌ في انتمائه إلى النصوص العليا منفتحٌ على الآخَرِ مؤمنٌ بذاته وحضارته".

ولا يزال التونسيون يذكرون وصية توفيق بكار الذي عرف بمقدّماته العميقة لإصدارات سلسلة "عيون المعاصرة" التي أشرفت عليها "دار الجنوب"، لهم بأن يحافظوا على اللغة العربية، في حفل تكريمه الذي أقامته وزارة الثقافة بالتعاون مع الجمعية التونسية للآداب ودار الثقافة بن رشيق ودار الجنوب للنشر ومعابر للتثاقف المغاربي والمتوسطي يوم 24 أيار/مايو من عام 2014. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

كتاب "أمهات سوريات"..المأساة السورية في حكايا الأمهات

بعد عام من السجن.. أحمد ناجي يتحدث