24-أكتوبر-2021

أخصائي اجتماعي لـ"الترا تونس": تفشي الهجرة غير النظامية يعود أساسًا إلى أسباب اقتصادية (فيسبوك)

 

تعيش جهة الساحل في الفترة الأخيرة موجة غير مسبوقة من عمليات الهجرة غير النظامية تجاه السواحل الإيطالية انطلاقًا من الشواطئ التونسية، مئات المهاجرين وعشرات المفقودين من بين الشباب والنساء والقاصرين يركبون قوارب الموت، آخرها منذ ثمانية أيام، إذ غرق قارب انطلق من شاطئ "البغدادي" من ولاية المهدية على متنه 30 شخصًا تم فقدان 19 شابًا ووقع انتشال 4 جثث وإنقاذ 7 من الشباب.

أهالي منطقة "العميرات" أغلقوا الطريق الرئيسية التي تربط القرية بالمدن المجاورة في محاولة منهم للضغط على السلط الأمنية والإدارية لتسخير كافة الإمكانيات للبحث عن ذويهم المفقودين في الهجرة غير النظامية

"وجدي"، أحد الناجين من غرق المركب يروي قصته في تصريح صحفي قائلًا: "في الظلام الدامس عند فجر 16 أكتوبر، وعلى مسافة ساعتين من الإبحار، ارتطمت الأمواج الهائجة بالمركب الذي يقلّ أكثر من 30 شخصًا، كنت من بين الشباب الذين ارتموا في البحر وقد تشبث آخرون بالمركب الذي انقلب على جنبتيه. دقائق معدودات، حاول البعض التمسك بالخشب غير أن القارب قد ابتلعه الموج.. كان الصياح يعم المكان في الظلمة الحالكة وما هي إلا برهة حتى ابتعدت الأصوات وعمّ الصمت المكان، وكنت أصارع الموج سباحة على غير ذي وجهة.. أصارع الموت ساعات وساعات حتى انبلج الفجر وقد أنهكني التعب وبانت لي قوارب الصيادين فتم إنقاذي من موت محقق، وأقدّر فترة بقائي بين المياه قرابة السبع ساعات".

احتجاجات أهالي عميرة الفحول أمام مقر ولاية المهدية (الترا تونس/ ماهر جعيدان)

لم تكن قصة هذا الشاب أقل دراماتيكية من تلك العائلات التي فقدت أبناءها في رحلة الموت الأخير، وجلّ هؤلاء الشباب من جهة "عميرة الفحول" من معتمدية المكنين (ولاية المنستير)، وهي منطقة ريفية فلاحية تفتقد إلى الحد الأدنى من المرافق، أحد أولياء المفقودين أصرّ على أن ابنه (20 سنة) الذي لا يزال مفقودًا "قد تصرّف في بعض القطيع بالبيع حتى يوفر مبالغ الهجرة رغم أننا منعناه مرارًا عن تحقيق رغبته تلك، وتحدث عن ظروف البطالة التي يعيشها وفقدان كل أمل في العيش بين أهله وأبناء قريته".

إن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها أبناء منطقة "العميرات"، دفعت العشرات إلى الهجرة غير النظامية، ومن بين من هاجروا في قارب الموت، أب وثلاثة من أبنائه، كما هاجرت فتاة (18 سنة) رفقة أخيها.. وهذا الأمر دفع الجهة إلى التظاهر بعد يوم واحد من الإعلان عن فقدان أبنائهم، فقاموا بغلق الطريق الرئيسية التي تربط القرية بالمدن المجاورة في محاولة منهم للضغط على السلط الأمنية والإدارية لتسخير كافة الإمكانيات للبحث عن ذويهم.

بعض الأهالي بالمهدية ينتظرون أنباءً جديدة عن المفقودين (سوشيل ميديا)

ورغم مضي 8 أيام على غرق المركب، لا تزال عملية البحث متواصلة عن المفقودين من طرف وحدات الحرس البحري العائمة والجيش التونسي وغواصين من الحماية المدنية. ولا تزال تشاركهم في البحث عدد من مراكب صيد الأسماك بالجهة، اتصلنا بالناطق الرسمي لمحاكم المنستير والمهدية فريد بن جحا الذي أكد أن "عملية البحث متواصلة وقد تم فتح تحقيق من النيابة العمومية كما تم إيقاف 6 أشخاص ضالعين في تنظيم هذه الهجرة غير النظامية وإيداعهم بالسجن المدني في انتظار مثولهم أمام المحكمة".

وصرح مصدر أمني من الحرس البحري بالمهدية من جهته أنه تم تسخير خافرتين للبحث في البحر واثنين من القوارب السريعة، وقد تم تأكيد العثور على القارب الغريق على عمق 52 مترًا، كما تم التدخل بمروحية وكذلك وحدات للجيش الوطني، ولا يزال البحث مستمرًا".

الناطق الرسمي لمحاكم المنستير والمهدية لـ"الترا تونس": عملية البحث عن المفقودين متواصلة بعد فتح تحقيق من النيابة العمومية وإيقاف 6 أشخاص ضالعين في تنظيم هذه الهجرة غير النظامية وإيداعهم بالسجن المدني

وقد أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في النشرية الأخيرة لشهر سبتمبر/ أيلول 2021 إحصاءات قدم بموجبها أنه "تم خلال شھر سبتمبر/ أيلول منع 3199 مھاجرًا من الوصول بزیادة 57% مقارنة بالشهر نفسه من سنة 2020، كما تم إحباط 308 عملیات اجتیاز بزیادة 81%، في حین بلغ عدد الواصلین إلى السواحل الإیطالیة 1655 مھاجرًا بانخفاض 15% مقارنة بسبتمبر/ أيلول 2020. وبالتالي بلغ عدد الواصلین من ذوي الجنسیة التونسیة إلى السواحل الإیطالیة خلال تسعة أشھر 12697 أي بنسبة 28% من جملة الواصلین".

وأشار التقرير إلى أنه "بلغ عدد القصّر التونسیین الواصلین إلى السواحل الإیطالیة 2249 أي إنھم یمثلون حوالي 18% من جملة الواصلین التونسیین كما یمثل القصّر من الجنسیة التونسیة الثلث من مجموع القصّر من جمیع الجنسیات والواصلین إلى السواحل الإیطالیة. في حین یقدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة عدد العائلات بأكثر من 300 عائلة واصلة إلى السواحل الإیطالیة خلال تسعة أشھر".

وخلص تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن هذه "الأرقام تعكس مسألة "أمننة" الھجرة في سیاسة تونس خاصة بعد جائحة كورونا وتصاعد الضغوط الأوروبية على تونس بشكل لا یھدد فقط حقوق وكرامة المھاجرین، بل أصبح یھدد حق تنقل التونسیین في بلادھم من خلال التضییقات على تنقل المواطنین نحو المناطق الساحلیة وخصوصًا تلك التي تشھد عملیات انطلاق مكثف لمراكب الھجرة". 

اقرأ/ي أيضًا: منع مسافرين من صعود "لود قرقنة".. ناشطة حقوقية تكشف التفاصيل لـ"الترا تونس"

الأخصائي الاجتماعي رضوان الفارسي في تصريحه لـ"الترا تونس"، اعتبر أن "تفشي ظاهرة الهجرة غير النظامية، يعود فى المقام الأول إلى أسباب اقتصادية ما بين فقر أو ضيق اليد، إلى جانب البطالة التي تلقي بآثارها على نسبة ليست بالقليلة من الشباب، بالإضافة إلى العوامل النفسية والثقافية، كما تساهم العائلة بطرق مباشرة وغير مباشرة في التشجيع على انتشار هذه الظاهرة".

وأضاف الفارسي أن مسؤولية العائلة تكون "بشكل غير مباشر عبر عدم المتابعة والتأطير، وفي بعض الأحيان عدم توفير الحاجيات المادية للأبناء، وبشكل مباشر عبر تشجيعهم الشفوي على الهجرة بعد عدم تحصيل علمي أو تكويني يسمح لهم بالانخراط في سوق الشغل. وفي بعض الأحيان يتخطى التشجيع الشفوي ليصبح تشجيعًا ماديًا عبر مدّهم بالأموال للانخراط في حملات التسفير غير الشرعي بمقابل مادي".

رضوان الفارسي (أخصائي اجتماعي) لـ"الترا تونس": عرض تجارب عن فشل الحارقين في إيجاد الجنة الموعودة، والتشجيع على المشاريع الخاصة وتسهيل القروض من بين الحلول للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية

وقد طرح رضوان الفارسي مقاربة سوسيولوجية للحد من الظاهرة لإبراز العوامل المغذية للهجرة غير النظامية والأطفال غير المصاحبين منها "ما يتصل بالشعور بالإحباط وانسداد الآفاق، ومنها ما يتصل بضعف آليات الإدماج والمرافقة وغياب سياسات تنموية تخلق الثورة وتعزز من روح الانتماء" وفق قوله.

واقترح الأخصائي الاجتماعي طرقًا وحلولًا للمعالجة من بينها "تحسين مسالك التعليم وبالأخص للتكوين المهني، التنشيط الاقتصادي والحد من البطالة، التشجيع على المشاريع الخاصة وتسهيل القروض، دعم مستوى المعيشة والمقدرة الشرائية للعائلة التونسية والحملات التوعوية حول مخاطر الهجرة غير النظامية.. وعرض تجارب عن فشل الحارقين في إيجاد الجنة الموعودة" وفقه.

كما أشار إلى "أهمية الدراسات وضرورتها في التعريف بمخاطر الظاهرة وتداعياتها والتأكيد على أهمية التدخل الاجتماعي في تقييم حاجيات الفئات الهشة وتأمين المرافقة لإعادة الإدماج وهذا ما يتطلب دعم المتدخلين بجميع الوسائل".

صور المفقودين في غرق المركب من شباب عميرة الفحول (سوشيل ميديا)

 

اقرأ/ي أيضًا:

بن عمر: تعاون غير عادل في مسألة الهجرة غير النظامية ألقى كل العبء على تونس

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: تونس دولة غير آمنة للمهاجرين!