تستور قلعة الأندلسيين التي تحتفي بشهر رمضان محافظة على عادات وتقاليد حملها الموريسكيون الفارّون من محاكم التفتيش ليستقرّوا بها في القرن 17. وفي هذه المدينة التي تقع شمال غربي تونس العاصمة (76 كلم عن العاصمة) صاغوا حكاياتهم ومعتقداتهم وتقاليدهم التي ظلّت تتوارثها الأجيال.
ولعلّ أبرز ما يميّز هذه المدينة، الجامع الكبير الذي يُعدّ تحفة أندلسيّة فريدة ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1630م، ومؤسسه محمد تغرينو. وقد استُعمل في بنائه الحجر الجيري والجليز والرخام الإسباني إضافة إلى الخزف الملوّن والقرمود، كما استُعمل في بناء محرابه الآجر البارز.
ساعة الجامع الكبير بتستور.. مازالت تدور عكس الزمن، متّجهةً عقاربها نحو الأندلس
وحين تدخل مدينة تستور، تظهر صومعة الجامع الشاهقة البالغ ارتفاعها 23 مترًا مثمّنة الشكل، فتمثّل مشهدًا من العمارة الأندلسية.
أمّا ساعة هذا الجامع فهي مصدر حكايات الأهالي وقصصهم بل ومصدر فخرهم. فهذه الساعة مازالت تدور عكس الزمن متّجهة عقاربها نحو الأندلس، هكذا يقول التستوريون الذين يتزيّنون بلباسهم التقليديّ ويقصدون المسجد في ليالي رمضان لأداء صلاة التراويح.
وإن كانت الصلاة فرضًا على كلّ المسلمين، وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة، فإن التستوريين يقيمون صلاة أخرى في النصف الثاني من شهر شعبان تتمثّل في إقامة صلاة بـ 100 ركعة في ليلة واحدة وتتمّ في الجامع أو البيت بحسب ما أكده رئيس جمعية صيانة مدينة تستور رشيد السويسي لـ"الترا تونس".
ويبيّن محدّثنا أنّ الهدف منها التقرّب من الله تعالى واستعدادًا لصيام رمضان ولأداء صلاة التراويح وقد توارثوها عن أسلافهم الموريسكيين، وهي ميزة خاصة في تستور لا توجد في أيّ مكان آخر، ويتنافس فيها الأهل والأصدقاء على تلاوة أطول سور القرآن الكريم وعلى أدائها.
رئيس جمعية صيانة مدينة تستور لـ"الترا تونس": صلاة بـ 100 ركعة في ليلة واحدة لاستقبال رمضان عادة دأب عليها أهل تستور وهي ميزة خاصة لا توجد في أيّ مكان آخر
ومنذ ليلة القرش أي الليلة التي تسبق أول يوم للصيام يُعدّ سكّان مدينة تستور أطباق الحلويات الأندلسية على غرار المسمّنات وهي نوع من الفطائر الحلوة والعجّة الحلوة ومن الخبز المقليّ الصغير، يجمع طعمه بين الملوحة والحلاوة بما فيها من زبيب وماء العطرشية وكذلك كعك الورقة الذي يؤكد محدّثنا أنّ أصوله أندلسيّة وأنّ خاصيّة "النِسري" الموجودة فيه اعتمدها الأندلسيون كعلاج ووقاية من الإصابة بمرض القلب.
ومن يذكر تستور يستذكر أيضًا أنواع الجبن المُعدَّة بالطريقة التقليدية على خطى الموريسكيين بأنواع مختلفة.
أما يوم رمضان فيقضّيه التستوريون بين الجامع والأسواق فيما تُعدّ النسوة الأطباق الأندلسية على غرار المقرونة بالإبر ويُطلق عليها هذا الاسم لأن عجينتها تُصنع اعتمادًا على إبر خياطة الصوف، ويختلف حجمها بحسب الرغبة ويتم طهيها دون طماطم بل بالزعفران ولحم الخروف، بالإضافة إلى بعض الأكلات الأخرى مثل البناضج والنواصر وشربة الفريك.
المرقة الحلوة طبق آخر كانت الأندلسيّات يطبخنه من بواقي الفواكه المجفّفة على غرار المشماش والشريحة والزبيب، وهو شكل من أشكال حسن التدبير، "لكن هذا الطبق أصبح لمن استطاع إليه سبيلًا بسبب غلاء الفواكه المجفّفة في بلادنا" وفق تعبير رئيس جمعية صيانة مدينة تستور.
ويحلو السهر بعد أداء صلاة التراويح في المساجد وكذلك في المنازل، فإلى جانب المقاهي تتحوّل محلّات الحرف كصناعة الجبّة إلى فضاءات للسمر يجتمع فيها الأهالي يروون القصص ويستذكرون الأسلاف والأجداد ويتبادلون أطباق البوظة والكريمة ويتنافسون أيّها أطيب.
فيعود الرجل إلى بيته إمًا شاكرًا طبق زوجته مادحًا إيّاها، فقد رفعت رأسه أمام أترابه، أو مادحًا طبق صديق له فاز في جولة الأطباق الرمضانية الحلوة، وهو ما يدعو المرأة للغيرة والسعي لإعداد ما لذّ وطاب وحمله إلى أصدقائه في الليلة الموالية. إنها أيضًا من عادات الموريسكيين.. هكذا تحدّث رشيد السويسي لـ"الترا تونس" مضيفًا: "فمازلنا نعيش على وقعهم ونعتزّ بهم وبما تركوه لنا".
رئيس جمعية صيانة مدينة تستور لـ"الترا تونس": مازلنا نعيش على وقع عادات الموريسكيين ونعتزّ بهم وبما تركوه لنا
ويضيف محدّثنا أنّ التستوريين يحييون حفلات الخطبة في ليلة النصف من شهر رمضان لأنهم يفضّلون تخصيص ليلة السابع والعشرين من الشهر الفضيل للعبادة والتهجّد، فليلة القدر خير من ألف شهر وفق قوله.
وتُحمل الهدايا إلى بيت العروس كلٌ حسب إمكانياته المادية، وتُجهّز الملابس التقليدية وأطباق الحلويات وأواني النحاس إلخ.. وتزيّن هذه الليالي موسيقى "المالوف" الأندلسية التي تحفظها الأجيال وتردّدها وتطرب لسماعها النفوس.