الترا تونس - فريق التحرير
لا حديث هذه الأيام إلا عن فيروس "كورونا" الذي يجتاح العالم منذ أسابيع وبلغ درجة انتشار بوتيرة متسارعة بالخصوص في الجارة الشمالية إيطاليا، ليصل تونس تباعًا عبر حالات مستوردة، ما دفع السلطات الرسمية لتعزيز الإجراءات الوقائية لكبح جماح انتشار هذا الفيروس الذي بات يهدّد العالم.
وعرفت تونس على مدى تاريخها انتشارًا للأوبئة، وبالخصوص الطاعون والكوليرا، سواء ما انتشر منها في جهات محددة أو ما شمل كل مناطق البلاد، حاصدة هذه الأمراض الوبائية أرواح أعداد كبيرة من التونسيين.
فيما يلي عرض للأوبئة الأكثر فتكًا بحياة التونسيين طيلة القرنين 18 و19:
اقرأ/ي أيضًا: فيضانات نابل آخرها.. أكثر 10 فيضانات دمارًا في تاريخ تونس منذ القرن العشرين
طاعون 1702-1705
كانت تونس مهددة بانتشار وباء الطاعون عام 1701 من السفن التركية القادمة إلى غار الملح وأيضًا انطلاقًا من طرابلس الليبية، ولكن ظلت البلاد آمنة إلى غاية بدء انتشار الوباء في جزيرة جربة من ماي/آيار إلى سبتمبر/أيلول 1702، ليضرب مدنًا أخرى مثل صفاقس من ماي/آيار إلى جويلية/يوليو 1703، ثم اجتاح شمال البلاد ومنطقة الساحل عام 1704. ودام الوباء في العاصمة تونس مدة 6 أشهر.
عرفت تونس على مدى تاريخها انتشارًا للأوبئة، وبالخصوص الطاعون والكوليرا، سواء ما انتشر منها في جهات محددة أو ما شمل كل مناطق البلاد
إذ كانت تونس بين 1702 و1705 آخر محطة لانتشار وباء الطاعون الذي دام 6 سنوات في مدينة طرابلس الليبية، كما انتشر في مصر حيث كان يظهر بقوة كل عام خلال تلك الفترة. لا يوجد تحديد لعدد الوفيات بسبب موجة الطاعون ولكنه حصد أرواح عديد التونسيين طيلة تلك الثلاث سنوات.
طاعون 1784 - 1785
شهدت مدينة الإسكندرية وباء الطاعون عام 1783 الذي وصل إلى تونس في أفريل/نيسان 1784 حينما قدمت سفينة فرنسية من ميناء المدينة المصرية حاملة 150 حاجًا تونسيًا مات منهم 10 في السفينة التي حطت في ميناء تونس ومنها انتشر الوباء القاتل في البلاد.
حصد الوباء أرواح التونسيين بداية بمعدّل 90 حالة وفاة يوميًا في العاصمة، وارتفع المعدل لـ300 حالة وفاة في سوسة والمنستير وجمّال، وأغلقت البعثات الديبلوماسية أبوابها.
لم تنخفض موجة انتشار الوباء إلا في فصل الصيف بتسجيل معدل بين 12 و18 وفاة يوميًا في شهر جويلية/يوليو 1784 ثم لم تُسجّل أي حالة وفاة في جميع جهات البلاد في شهر أوت/أغسطس الموالي.
انخفض انتشار الوباء بشكل كبير في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول في تونس العاصمة ولكن سرعان ما عاد للانتشار في الكاف الذي حصد أرواح ثلث سكانها وأيضًا في الساحل، ولم ينتهي شهر أكتوبر حتى عاد الوباء للانتشار بقوة مجددًا بما في ذلك في تونس العاصمة حاصدًا أرواح 18 ألف من سكانها منذ بدء انتشاره.
عانت تونس من وباء الطاعون 17 شهرًا سنتي 1784 و1785 حاصدًا أرواح جموع كبيرة من التونسيين، إذ تتحدث إحصائيات أن الوباء حصد أرواح ثلث سكان تونس وأخرى تقول سدس السكان
حلت سنة 1785 والطاعون انتشر بقوة خاصة في الشمال الغربي والعاصمة التي سجلت معدل وفيات بين 200 و250 حالة يوميًا طيلة شهري جانفي/كانون الثاني وفيفري/شباط 1785 وواصل الوباء اجتياحه بشكل مهول في فصل الربيع ليصل لمعدل 500 حالة وفاة يوميًا في شهر ماي/آيار من نفس السنة.
لم تنخفض وتيرة انتشار الوباء إلا انطلاقًا من شهر جوان/يونيو وانخفض معدل الوفيات في الشهر الموالي إلى 10 حالات يوميًا، واندثر الوباء أخيرًا في شهر أوت/أغسطس 1785.
عانت تونس من وباء الطاعون بالنهاية 17 شهرًا بالتمام والكمال حاصدًا أرواح جموع كبيرة من التونسيين، إذ تتحدث إحصائيات أن الوباء حصد أرواح ثلث سكان تونس، وأخرى تقول سدس السكان، ومثلًا من أصل 450 شخص في قصر طبرقة، بقى 30 منهم فقط على قيد الحياة بحلول شهر أفريل/نيسان 1785.
وحول وتيرة انتشار الوباء، كتب باحثون أوروبيون وقتها أن عدد الوفيات يرتفع حسب الشهر القمري، إذ يموت بين 200 و250 شخص يوميًا في النصف الأول من الشهر، ثم يتضاعف عدد الموتى في النصف الثاني، فيما لاحظ آخرون أن وباء الطاعون ينخفض انتشاره في حالة الحرارة الشديدة أو البرد الشديد.
طاعون 1794- 1800
بعد نحو عشر سنوات، عاد وباء الطاعون ليجتاح تونس لكن هذه المرة دام فقط 6 أشهر ولم يكن قاتلًا كما كان قبل عقد من الزمن. انتقل الوباء من الجزائر هذه المرة ليصل تونس في مارس/آذار 1794، ولكن ظلت مناطق شرق البلاد وجنوبها آمنة مقابل انتشار الوباء في العاصمة وقيل أنه لا توجد عائلة في شهر جويلية/يوليو من ذلك العام لم تذرف الدموع على أحد أفراد عائلتها، قبل أن يتراجع انتشاره في شهر أوت/أغسطس.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تفاعل التونسيون مع فيروس كورونا؟.. قراءة سوسيولوجية ونفسية
وواصل الوباء يظهر كل عام ويضرب في كل مرة جهة من جهات الإيالة التونسية، كما كانت تُسمى وقتها، حتى عام 1798 ثم عاد بشكل محدود عام 1799 وتكرر انتشار الطاعون عام 1800 دون أن يصل المدى الذي بلغ إليه في وباء 1784 – 1785.
طاعون 1818 - 1820
شهدت تونس موجة جديدة لوباء الطاعون عام 1818 تحديدًا انطلاقًا من شهر أكتوبر/تشرين الأول ليستمر انتشاره طيلة عام كامل إلى غاية سبتمبر/أيلول 1819 ولكن دون اندثاره، لننتظر عام آخر حتى أعلن الأطباء بصفة رسمية من قصر باردو في سبتمبر/أيلول 1820 خمود وباء الطاعون الذي اجتاح البلاد طيلة سنتين بعد عدم تسجيل أي حالة وفاة منذ أوت/أغسطس 1820.
حصد الطاعون بين سنتي 1818 و1820 حياة 30 ألف شخص في تونس العاصمة فقط أي ربع سكان المدينة وقتها
وخلف الوباء خلال هذه السنتين آثارًا موجعة على التونسيين لأنه انتشر في كامل أنحاء البلاد وتزامن مع ضعف المحاصيل الفلاحية.
فحسب إحصائيات لقنصلية توسكانا الإيطالية في تونس، وإحصائيات لجدول الوفيات اليهود، حصد الوباء مثلًا في ظرف 40 يومًا فقط بين 11 نوفمبر/تشرين الثاني و21 ديسمبر/كانون الأول 1818 حياة نحو 9 آلاف شخص في تونس العاصمة فقط. وإن كانت العاصمة تضم 120 ألف ساكن قبل الوباء حسب إحصائيات عامة وقتها، فقد حصد الطاعون في ظرف سنتين حياة ربع السكان، 30 ألف حالة وفاة في واحدة من أكبر الكوارث البشرية في تاريخ تونس.
كوليرا 1849 - 1850
شهدت تونس نهاية عام 1849 انتشارًا للكوليرا في جهة باجة ما أدى لمئات حالات الوفاة في المدينة، وهرب الناس للأرياف في الجهة هربًا من الوباء الذي واصل انتشاره عام 1850 في تونس العاصمة وارتفعت حالات الوفاة بمعدل 100 وفاة كل يوم.
اضطر الباي لعزل نفسه في قرطاج ثم في قصر المحمدية، وهربت أفواج من الجالية اليهودية إلى الجزائر وفرنسا، وتواصل انتشار الوباء في الربيع ثم بداية الصيف لينتهي في أوت/أغسطس 1850.
كوليرا 1856
عاد وباء الكوليرا بعد 6 سنوات لكن هذه المرة بدأ من طرابلس في صيف 1856 ليجتاح جزيرة جربة ثم منطقة الساحل ووصل في منتصف شهر جويلية/يوليو تونس العاصمة. وحسب الديبلوماسي الفرنسي ليون روش، ضرب الوباء في البداية يهود تونس ثم انتقل للمسلمين والمسيحيين، وقد بلغ أشد درجات انتشاره في نهاية أوت/أغسطس ليندثر تباعًا بعدما حصد أرواح 6 آلاف تونسي.
المصدر: الكوارث الديموغرافية في تونس وشرق البحر المتوسط في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لوسيتي فالنسي، الحوليات، عدد خاص "التاريخ البيولوجي والمجتمع"، 1969.
(Calamités démographiques en Tunisie et en Méditerranée orientale aux XVIIIe et XIXe siècle, Lucette Valensi, Annales ,Fait partie d'un numéro thématique: Histoire biologique et société, 1969)
اقرأ/ي أيضًا:
الرسم العقاري 6648.. هنشير النفيضة غنيمة الدولة عبر العصور
قصور منوبة البديعة: عزلتها الجمهورية الأولى.. فهل تنصفها الجمهورية الثانية؟