06-فبراير-2017

مسيرة تحمل صورة الشهيد شكري بلعبد بشارع بورقيبة (Getty)

مقال رأي 

 

تمرّ اليوم أربع سنوات على اغتيال الشّهيد شكري بلعيد على يد إرهابيين من أمام منزله، في حادثة اغتيال مثلت منعرجًا في الحياة السياسية في تونس بعد الثورة. ولكن لا يزال الشّهيد، بعد أربع سنوات، يبدو كشهيد طائفة سياسية لا كل السياسيين والتونسيين إجمالًا. بلعيد هو قطعًا شهيد الوطن والانتقال الديمقراطي في تونس، غير أن هذا البعد لا نلحظه بعد في الحقل السياسي التونسي.

ما زالت التجاذبات السياسية في زمن الاغتيال هي ذاتها اليوم، بل تعمّقت أكثر حينما تمّ تحميل طرف سياسي، وهم الإسلاميون وحلفاؤهم، بأنهم شركاء في جريمة الاغتيال، بل هم القتلة أنفسهم، وهو ما قالته صراحة قيادات سياسية معارضة لهم. لا تتعلّق الصورة بالمسؤولية السياسية فقط، وهو المقبول، لتتجاوز نحو اتهام بالمسؤولية الجنائية.

بلعيد هو شهيد الانتقال الديمقراطي في تونس، كما كان لاحقًا الشهيد البراهمي كذلك، وهو ما يجب أن يعيه الجميع

اُغتيل بلعيد في أوجّ الاحتقان السياسي بين حكومة الترويكا والمعارضة في ملفات منها التعامل مع التطرّف والإرهاب وإدارة الدولة، فمثلت لحظة الاغتيال انفجارًا أدّى لتأزّم الوضع السياسي وهو ما أدى لاستقالة رئيس الحكومة حينها. كان السؤال عن الحقيقة الغائبة والتي وإن ادّعى الجميع الحرص على كشفها فإنهم في الواقع لكلّ حقيقته.

الحقيقة السياسية قبل الحقيقة الجنائية حُسم فيها لدى طيف واسع من الفاعلين بعد ساعات من اغتيال بلعيد، وهي ليست حقيقة بصفتها بل اتّهام كان يجب توجيهه. لا تتعلّق الصّورة باستثمار سياسي والحاجة لتوجيه اتهام لطرف ما، بل بتأكيد عدم تجاوز الطبقة السياسية لصراعات عقود وعدم تصالحها على الحدّ الأدنى من الفعل السياسي النّزيه.

 

 

 

تحقيق هذا الحدّ لا يزال يحتاج لممارسات ومراكمات، وهي مسألة ثقة اختصارًا. أن يثق كل فصيل سياسي بأن الآخر لا يراه عدوًا يجب استئصاله أو يجب قتله.

يمكن أن يختلف التقدير السياسي مع بلعيد، أو الجبهة الشعبية التي ينتمي إليها، ولكن هذا الاختلاف لا يجبّ أن يجرّ نحو تركين الشهيد بلعيد كشهيد فصيل سياسي في صراعه مع آخر، أو كشهيد حزب لا وطن.

بلعيد هو شهيد الانتقال الديمقراطي في تونس، كما كان لاحقًا الشهيد البراهمي كذلك، وهو ما يجب أن يعيه الجميع، وهو ما يحتاج لجهد من هذا الطرف أو ذاك.

بلعيد هو الشهيد الأيقونة، والذي مهد بدمائه الطاهرة لمسيرة استكمال البناء الديمقراطي بكلّ الصراعات السياسية التقليدية المصاحبة له

يجب أن تعلم الجبهة الشعبية بأن بلعيد ليس شهيدًا خاصًا بها، بل هو شهيد مشاع بين كل التونسيين الذين يرفضون ببساطة القتل. كل التونسيين دون استثناء. حيث يجب الارتقاء ببلعيد من وسخ الصراع السياسي بكل انقساماته لرحاب الاصطفاف الوطني.

كما يجب أن يعلم من اختلفوا بشدّة مع بلعيد وتياره السياسي، بأن صفة الشهادة، التي تتثاقل على ألسن البعض منهم، هي مؤشر استعداء لا مدّ يدّ. بلعيد هو الشهيد الأيقونة، والذي مهّد بدمائه الطّاهرة لمسيرة استكمال البناء الديمقراطي بكلّ الصراعات السياسية التقليدية المصاحبة له.

لا يزال مسار كشف الحقيقة متواصلًا وإن تجلّت بوضوح خيوط الجريمة التي يقف وراءها إرهابيون. غير أن الأمل الدائم هو أن يحتفي الجميع بذكرى اغتيال الشهيد في المستقبل، لتكون ذكراه عنوان وحدة لا فرقة.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"