يعيش التونسيون أجواء رمضان هذه السنة مع برنامج الكاميرا الخفية "ألو جدّة" الذي يعرض على قناة "التاسعة" لصاحبها معز بن غربية، أحد المقربين من النظام السابق في المنظومة الإعلامية القديمة، والذي قد صرّح في الأشهر الماضية من سويسرا محل إقامته لأسابيع هربًا من محاولة اغتيال كما ادعى، بامتلاكه لمعلومات حول اغتيال الشهيد شكري بلعيد، قبل أن يعود إلى تونس بملف طبي يعرض أنّه تعرض إلى لوثة جنون مؤقتة، سرعان ما شفي منها وعاد إلى العمل في قناته الخاصة.
تقوم فكرة "ألو جدة" على مفاجأة ضيف الحلقة أن زين العابدين بن علي سيتحدث معه من خلال السكايب
تقوم فكرة البرنامج على استضافة الإعلامي المكي هلال، المذيع السابق في قناة "بي بي سي عربي"، لشخصية سياسية للحديث في الشأن العام قبل عرض مفاجأة عليه، وهي أن الرئيس الأسبق أو المخلوع أو الهارب حسب ما يسميه الضيف، سيتحدث من خلال السكايب، وهو دور يمثله الممثل الكوميدي المعروف باسم ميغالو.
أثارت الحلقتان الأُوُل جدلًا كبيًرا، حلقة النائب السابق إبراهيم القصاص وحلقة الإعلامي والروائي حسن بن عثمان، الذي عرف بتصريحه أن بن علي قد مات في آخر أيّام الثورة التونسية، خاصة وأنّ بن عثمان قد طلب من بن علي العودة والمساعدة في إدارة البلاد بالمشورة والرأي، واصفًا إيّاه بصاحب الأيادي البيضاء، أمر انزعج منه أغلب التونسيين الذين كالوا الشتائم لبن عثمان الذي تنكر للثورة والشهداء، حسب ما جاء على لسان البعض من الشباب المشارك في الثورة.
جاءت الحلقة الموالية لحسن بن عثمان، والتي كان ضيفها عماد دغيج أحد أعضاء لجان حماية الثورة، والمقرّب من حكومة الترويكا السابقة لتعيد الاعتبار للثورة والشهداء، خاصة وأنّ دغيج لم يتملق الرئيس السابق الموهوم طبعًا، بل تحادث معه ندًّا لندّ ودعاه إلى السكوت، ووصف عهده بالفاسد والدكتاتوري وطلب منه العودة فهو سيترحم على داعش، الشماعة التي يلقي بن علي الموهوم عليها فشل تونس بعد الثورة، خاصة بعد انهيار الاقتصاد وصعوبة العيش رغم مناخ الحرية والديمقراطية التي تعيشها البلاد. نجحت حلقة دغيج في رصّ صفوف الثوريين من جديد، رغم محاولات البرنامج في تسويق إنجازات بن علي، وكأنّه يحضر لمصالحة بينه وبين النظام الحالي للعودة والاستقرار بتونس.
لم يصرّح بن علي بأي تصريح إعلامي طيلة خمس سنوات، أي منذ لجوئه إلى المملكة السعودية بعد سقوط نظامه، مكتفيًا بالضيافة هناك، والابتعاد نهائيًا عن الخوض في الشأن العام، فيصبح اليوم حديث العامة والخاصة حول ظروف إقامته وسرّ صمته وتداول أسئلة متى سيعود بن علي إلى تونس، خاصة وأن أقنعة الكثيرين قد سقطت حول مقاطعتهم للمنظومة القديمة، وأنّ رموز النظام القديم أصبحوا ضيوفًا في قصر قرطاج، كما عرض صهر بن علي سليم شيبوب ملف المصالحة على هيئة الحقيقة والكرامة، كذلك ظهر على شاشة إحدى القنوات التونسية الخاصة في حوار مطول.
فكرة برنامج "ألو جدة" تمهد لعودة بن علي بعد تبييض فترة حكمه وتمرير المصالحة الشاملة مع المنظومة القديمة
هل يسعى البرنامج حقًّا في تمرير فكرة المصالحة مع رأس النظام السابق؟ أليس إعطاء بن علي الحق في الحديث هو فضيحة سياسية وأخلاقية، لا سيما أنه متهم محكوم عليه بعشرات السنوات في قضايا فساد وسرقة وتعذيب وغيرها؟
ربما نجد الإجابة في كلمات الباحث والإعلامي عادل بن عبد الله، الذي يقول: "إن استراتيجيات الدولة العميقة قد توظف أكبر أعدائها -مهما كانت نواياهم- لخدمة أهدافها، وذلك بأن تحقق لهم مكاسب جزئية وهشة لا تغير في الواقع شيئًا، أي لا تغير في مسار الانقلاب على استحقاقات الثورة والردة عن أهدافها شيئًا. ظهور عماد دغيج في تلك الترضيات الجزئية التي قد تضطر إليها الدولة العميقة لتمرير أهدافها وضمان أقل مقاومة ممكنة لها".