ألغت قناة حنّبعل التونسية الخاصّة بث البرنامج السياسي "Rendez vous"، والذي كان من المفترض عرضه مساء الأحد 9 نيسان/أبريل الجاري، وذلك بسبب ضغوطات من رئاسة الجمهورية التي نفت بدورها ذلك. وقد استضافت الحلقة الملغاة رضا بلحاج، مدير الديوان الرئاسي السابق والقيادي في الجناح "المتمرّد" داخل حزب نداء تونس الحاكم، والذي اتهم تحديدًا نور الدين بن تيشة، المستشار السياسي لرئيس الجمهورية وسليم العزابي مدير الديوان الرئاسي، بالضغط من أجل منع بث حواره، الذي قال إنه كشف فيه معلومات خطيرة حول تورّط هذه المجموعة في انتدابات مشبوهة بالحكومة ووقوفها وراء إقالة رئيس الحكومة السابق الحبيب الصّيد، وكل هذا يثير تساؤلات جدية حول وضع حريّة الإعلام في تونس.
قناة حنبعل تلغي حلقة الأحد من برنامجها السياسي بسبب ضغط من رئاسة الجمهورية وهو ما اعتبر انتهاكًا جديدًا للإعلام في تونس
وهذه ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها توجيه أصابع الاتهام للمجموعة المحيطة برئيس الجمهورية بالضغط على القنوات لمنع بث برنامج وانتهاك حريّة الإعلام في تونس. حيث وجّه مدير قناة التاسعة الخاصّة في أيلول/سبتمبر 2016 اتهامًا لرئاسة الجمهورية بالضغط عليه لمنع بث حوار مع رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي. واتهم عدنان منصر، أمين عام حراك تونس الإرادة، الذي يترأسه المرزوقي، وزراء من الحكومة والمستشار السياسي نورالدين بن تيشة بالوقوف وراء هذه الضغوطات. وقد قامت القناة لاحقًا ببث البرنامج بعد أيام من الموعد الأول المحدّد لعرضه.
اقرأ/ي أيضًا: الإعلام التونسي ونظرية "المؤامرة" العربية
ولم يكن إلغاء بث برنامج حواري هو الانتهاك الوحيد لحرية الإعلام في تونس مؤخرًا، فقد سبقه بيومين قرار وزير الداخلية بمنع صدور جريدة "الثورة نيوز" باعتماد قانون الطوارئ، وهي المرّة الأولى التي يُمنع فيها صدور جريدة بعد الثورة بقرار وزاري. وهو ما يزيد من رفع ناقوس الخطر بخصوص حرية الإعلام في تونس، مهما كان الموقف من المحتوى الإعلامي المقدّم، ذلك أن الجريدة الأسبوعية المُصادرة هي من الصحف الصفراء في تونس، ويملكها رجل أعمال سبق واتهمه نقيب الصحافيين ناجي البغوري بأنه يعمل عبر جريدته على "ابتزاز رجال الأعمال".
بيد أن الاتجاه نحو مصادرتها بتجاوز لقوانين الصحافة الجارية واعتمادًا على قانون الطوارئ يمثل منحى خطيرًا تجاه تكميم الأفواه والاعتداء على حرية الإعلام في تونس. وهو ما جعل نقابة الصحفيين تعتبر أن إجراء المصادرة جاء في "سياق سياسي يتصف بمحاولات السطو على مؤسسات الإعلام العمومي لتحويلها إلى أبواق دعاية لأحزاب التحالف الحكومي". وقد اتهم مالك الجريدة مجدّدًا المستشار الرئاسي نور الدين بن تيشة بالوقوف وراء هذا القرار، كما ذكر مالكها أنه تعرّض سابقًا لضغوطات من قيادات الحزب الحاكم لعدم نشر التسريبات الأخيرة للحزب، فيما يكشف مجدّدًا عن اتجاه المجموعات النافذة في السلطة لتوجيه الإعلام لمصالحها والتضييق عليه.
تعددت المناسبات التي تدخلت فيها الرئاسة في تونس لمنع بث برامج تلفزيونية وهو ما أدى إلى تهديد نقابة الصحفيين بالإضراب العام
وتظلّ الخشية من تصاعد انتهاكات حرية الإعلام والعودة لمربّع ما قبل الثورة خاصة وأن الحادثة الأخيرة بلغت مجدّدًا مستوى منع بث حلقة لبرنامج سياسي استضاف مسؤولًا رفيعًا سابقًا في الدولة كان مديرًا للديوان الرئاسي للرئيس الحالي قبل استقالته. وقد أعلن معدّ البرنامج ومقدّمه ناجي الزعيري عن استقالته بعد ساعات من رضوخ القناة للسلطات وعدم بثّ الحلقة في موعدها المحدّد.
اقرأ/ي أيضًا: "أمور جدية" في تونس.. هشاشة الإعلام الهجين
ما يميّز واقع المشهد الإعلامي الحالي وحرية الإعلام في تونس هو التداخل بين النشاط الإعلامي والمصالح السياسية في ظلّ ارتهان عديد الصحف والإذاعات والقنوات للوبيات مالية وسياسية. وفي هذا الإطار، كشفت التسريبات الأخيرة لمالك ومدير قناة نسمة الخاصة نبيل القروي عن تجنيد قناته لبناء صورة إيجابية للرئيس الباجي قايد السبسي قبل صعوده لقرطاج. وقد سبق واستقال القروي صوريًا من إدارة قناته بعد صعود السبسي لقصر قرطاج لينضمّ لحزب نداء تونس قبل أن يستقيل منه مؤخرًا لخلافات داخلية.
وفي نفس الإطار، تأتي قناة الحوار التونسي، وهي القناة الخاصة الأكثر مشاهدة في تونس، والتي يملكها سامي الفهري المتورّط في ملفات فساد مالي مع النظام السابق لم يقع بعد البتّ فيها. ويتمتّع الفهري بحماية سياسية من السلطة الحالية مقابل خط تحريري للقناة يعتبره مراقبون مهادنًا للسلطة، خاصة وأن القناة قد تجنّدت سابقًا لحساب السبسي إبان حملته الرئاسية سنة 2014، ثم تورّط برنامجها السياسي الرئيسي في فبركة فيديو للرئيس السابق المنصف المرزوقي. وقد تبيّن لاحقًا أن مصدر الفيديو المفبرك يعود للصحيفة الإلكترونية "الجريدة"، التي أنشأها بعد الثورة نور الدين بن تيشة الذي يمثّل الاسم الأكثر تداولًا حين الحديث عن انتهاك السلطة لحرية الإعلام اليوم في تونس.
وقد ساهم عدم تركيز الهيئة الدستورية المكلّفة بالاتصال السمعي البصري في وجود مناخ مساعد لانتهاك حرية الإعلام في تونس. حيث من المفترض أن تتولى هذه الهيئة، التي لا تزال الطبقة السياسية تعطّل تركيزها على غرار بقية الهيئات الدستورية، السهر على ضمان حرية التعبير وحرية الإعلام في تونس وعلى ضمان إعلام تعددي ونزيه وذلك وفق نص الدستور. وتوجد حاليًا هيئة مؤقتة للاتصال السمعي تعاني من صعوبات في القيام بأعمالها وإهمال من السلطة حيث دعت مؤخرًا الحكومة إلى ضرورة استشارتها في القرارات التي تهم الاتصال السمعي والبصري وذلك وفق ما يلزمه القانون.
اقرأ/ي أيضًا: