15-يونيو-2024
عيد الأضحى pexels

يحافظ عدد من التونسيين على موروث لامادّي تركه الأجداد وهو تقسيم أجزاء الأضحية حسب أفراد العائلة (pexels)

 

يحتفل العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك كل سنة وتصدح الأصوات من داخل مكة المكرمة ومن خارجها في كل أصقاع البلدان الإسلامية  "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك".

تنحر الأضاحي وسط شعائر دينية ومشاعر روحانية لكن أيضًا وسط تمسك ومحافظة على العادات والتقاليد في كثير من الأسر التونسية التي مازالت تصر على ممارسة طقوس اجتماعية لا تخلو من الرمزية الثقافية.

فإن كانت عملية الذبح يسبقها "وضوء الشاة" وتبخيرها ورفع الأذان في أذنها والتكبير قبل ذبحها، فإن طقوسًا أخرى ترافق الأضحية بعد نحرها.

إلى جانب تعليق مرارة الخروف على حائط البيت من أجل سنة مليئة بالخير ومسح الوجه بجلد الخروف طلبًا لتعجيل الزواج ووضع القدمين في الروث الساخن بعد تفريغ أحشاء الخروف لعلاج الصدفية، فإنّ لحظة "تقطيع" الذبيحة لها طقوسها أيضًا

فإلى جانب تعليق مرارة الخروف على حائط البيت من أجل سنة خضراء مليئة بالخير ومسح الوجه بجلد خروف العيد طلبًا لتعجيل الزواج ووضع القدمين أو اليدين في الروث الساخن بعد تفريغ أحشاء الخروف لعلاج الصدفية وتحجيج الأضحية بتركها دون أن تلمس أو تؤكل 24 ساعة، فإنّ لحظة "تقطيع" الذبيحة لها طقوسها.

 

صورة
لحظة "تقطيع" الذبيحة لها طقوسها في تونس (pexels)

 

"تقطع الذبيحة بعد صلاة الفجر وسط البسملة والتكبير والدعاء بقبولها عند رب العالمين ويتم إشعال كانون الشواء، ويسمى هذا اليوم بيوم "التقطيع" لتنطلق بعده الأطباق التونسية المتنوعة على غرار "الكسكسي " و"المصلي" و"الفتات".. إلخ.

يحافظ عدد من التونسيين على موروث لامادّي تركه الأجداد وهو تقسيم أجزاء الأضحية حسب أفراد العائلة، فلكل جزء منها حكاية وهو موجه لفرد معين من العائلة وله رمزيته

لكن التونسيين لا يتميزون بهذه الأطباق فقط بل إن لعددٍ منهم ممن لا يزالون يحافظون على موروثهم اللامادي الذي تركه الأجداد وهو تقسيم أجزاء الأضحية، فلكل جزء منها حكاية وهو موجه لفرد معين من العائلة وله رمزيته.

"منذ أن بدأنا ندرك فإن أوّل ما يقطع من الذبيحة هو الكتف الأيمن وهو معد للصدقة، يُلفّ جيدًا ويتم تقديمه في كنف السرية التامة لمستحقيه" يقول العم صالح أصيل الجنوب التونسي لـ"الترا تونس".

صورة
تقطع الذبيحة بعد صلاة الفجر وسط البسملة والتكبير والدعاء بقبولها عند رب العالمين (صورة أرشيفية/فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

 

ويضيف: "أما الكتف الأيسر، فإنّ جزءه العلوي أو ما يسمى بالعامية "لوحة الكتف" فتُطبخ  في الكسكسي لرب الأسرة في غداء يوم التقطيع ولها طقوسها الخاصة بها، فبعد طهيها توضع في طبق كبير أمام رب الأسرة فيتذوقها ويقسمها على كل أبنائه وزوجته".

ويرمز الكتف الأيسر إلى الأب، فهو "الكتف" أي السند الذي تتكئ عليه الأم وأبناؤها. 

العم صالح (أصيل الجنوب) لـ"الترا تونس": "لوحة الكتف" تُطبخ  في الكسكسي لرب الأسرة في غداء يوم التقطيع ولها طقوسها الخاصة، فبعد طهيها توضع أمام رب الأسرة فيتذوقها ويقسمها على أبنائه وزوجته، وبعد الأكل يخضّب اللوح بالحناء ويعلق على سطح المنزل للبركة

ويقول العم صالح: "بعد أكل اللحم يتم وضع الحناء على لوح الكتف ويتم تعليقها في سطح المنزل من أجل البركة والخير وطول عمر صاحب البيت، فهو رب العائلة وسندها".

"أمّا ذراع الأضحية فهي للابن الأكبر، فهذا الجزء مخصص له، أمّا رمزيته فهي أنّ الابن الأكبر خصوصًا هو ذراع والده، فعندما يكبر الوالد وتخونه صحته فإنّ مصدر قوته هو ابنه، هكذا يقول الأجداد" يواصل العم صالح حديثه.

ولخصيتي الأضحية قصة أخرى، فأكلها حكر على الذكور ويتم شواؤهما أو قليهما بعد عملية الذبح مباشرة، وهي رمز للخصوبة ويعتقد الرجال أنها مصدر مهم للذكورة وتحتوي على معادن وفيتامينات مفيدة للصحة الإنجابية بالنسبة للذكور.

العم صالح لـ"الترا تونس": تخصص ذراع الأضحية للابن الأكبر، ورمزية ذلك تكمن في كون الابن الأكبر ذراع والده.. أما البنات فنصيبهن من الذبيحة الضلوع لأنهن مسكن القلب ويحتمين بضلوع أبيهن وإخوتهن من الذكور

أما الإناث، يقول محدثنا، فإن نصيبهن من الذبيحة الضلوع لأنهن مسكن القلب وهن الأكثر حنانًا ودفئًا ويحتمين بضلوع الأب وإخوتهن من الذكور، ولهذا يخصص هذا الجزء إليهن".

صورة
لا بدّ أن تطبخ الكنة طبقًا لحماتها بلحكم الفخذ لأنه الأقل دسامة والأكثر طراوة (pexels)

 

أما "الحماة"، وهي والدة الزوج، فلا بدّ أن تطبخ لها كنتها طبقًا تحبه بلحم الفخذ لأنه الأقل دسامة والأكثر طراوة، ويقدم لها خصيصًا في اليوم الثاني من عيد الأضحى، ويشترط أن تطبخه كنتها"، تقول الخالة خديجة لـ"الترا تونس".

وأضافت "كنت أطبخه لحماتي وأصبحت تطبخه لي كنتي، وكانت أمي رحمها الله تقول لي: المتسلفة مردودة أي أنه سلف ودين أطبخيه جيدًا لحماتك كل عيد وستفعل كنتك يومًا ما ذلك، وهو ما حدث فعلًا".

الخالة خديجة لـ"الترا تونس": نحن نحافظ على هذه العادات والتقاليد ونتمسك بها لأنها تؤسس الرحمة والتماسك والتحابب بيننا، ففي كل قطعة حكاية ودرس، فعندما نخصص الكتف للزوج فإننا بذلك نشكره ونذكّره بأنّه سندنا وكتفنا

وتابعت محدثة "الترا تونس" حديثها: "نحن نحافظ على هذه العادات والتقاليد ونتمسك بها لأنها تؤسس الرحمة والتماسك والتحابب بيننا، ففي كل قطعة حكاية ودرس، فعندما نخصص الكتف للزوج فإننا بذلك نشكره ونذكّره بأنّه سندنا وكتفنا في هذه الحياة".

وتردف: "وعندما نقدم الذراع للابن، فإننا نقول له إنه ساعدنا في المستقبل وذراعنا التي تشدنا عند عجزنا، أما الضلوع فهي للبنات فهن مسكن قلبنا وراحته، وكذلك خطيبة الابن فلها الفخذ، يتم لفه وتزيينه وتقديمه لها هدية في عيد الأضحى لأنّه ألذّ جزء في الشاة".

وتواصل وصوتها يرتجف تأثرًا: "الأضحية قدمها الله رحمة وفدية لسيدنا إبراهيم وفي ذلك دروس وعبر، ولهذا فإنّ أجدادنا علّمونا دروسًا كثيرة في كل جزء من أجزاء الأضحية".

عادات وتقاليد  تكشف هوية وثراء التراث اللامادي للتونسيين الذين تختلف طقوسهم من جهة إلى أخرى، وتكشف الهوية الأصيلة لهذا الشعب والتي تحتاج للجمع والتدوين في كتب ودراسات تحفظ هذا التراث الخصوصي وتفكك رموزه.