24-أبريل-2018

طريقة سخرية وتهكّم تلقى انتشارًا في مواقع التواصل الاجتماعي

من منّا لا يتلقّى كلّ يوم عشرات الرّسائل على الـ"ميسنجر" لصور مرفقة بعبارات ساخرة؟ إنّها "الميمز"، تلك "العدوى الفيروسية" التي انتشرت في السنوات الأخيرة لتسخر من كلّ شيء.

لا أحد يجعل تلك الصور السّاخرة تتوقّف عنده، الكلّ يعيد إرسالها إلى الكلّ لكي تعمّ الفائدة ويناله أجر من اجتهد في إضحاك مواطن أتعسه بؤس الواقع. يكفي أن يقوم مستخدم واحد بمشاركة "ميمز" وجدها على إحدى الصفحات المخصّصة لذلك، كي تنتشر عدوى الضّحك التي لا يسلم منها سياسيّ ولا فنّان ولا حتّى رجل دين.

"الميمز" هي عبارة عن صور مركّبة مرفقة بتعليق ساخر قصير وتشهد رواجًا واسعًا لدى روّاد مواقع التواصل الاجتماعي

تعني "الميمز" (Memes) الفكرة التي تنتقل من شخص إلى آخر ضمن إطار ثقافي واحد، أمّا في مفهومها الالكتروني فهي عبارة عن صور مركّبة مرفقة بتعليق ساخر قصير يمكّن المتلقّي من فهم الفكرة المراد إيصالها. غير أنّه لا يمكن حصر "الميمز" في الصّور، فهي بشكل أساسي تقوم على فكرة، قد تنفّذ بالصوت والصورة أحياناً، وبالكتابة أحيانًا أخرى. لكن الصور المرفقة بتعليق تبقى الشكل الأكثر انتشارًا والأسهل في عملية التنفيذ والتأويل والفهم.

اقرأ/ي أيضًا: لعبة "البلانات".. الإدمان الخفيّ من أجل الربح السريع

وقد مثّل موقع فيسبوك الساحة الأولى لانتشار "الميمز" عالميًا عبر تبادل النكات المتعلّقة بالشأن الفنّي أو السياسي وغيرهما، لكنّ اندلاع الثورات شكّل منعرجًا هامّا في استخدامات الـ"ميمز" خاصّة في مصر وتونس، باعتبارها أضحت إحدى وسائل التعبير البديلة للإعلام التقليدي. ولأنّ السّحر ينقلب دائمًا على السّاحر، فإنّ تيّار الـ"ميمز" قد جرف مؤّسس فيسبوك نفسه مارك زوكربرغ في مناسبات عدّة، لعلّ أبرزها ما تلى فضيحة "كامبريدج أناليتكا" وما رافقها من تسريب بيانات أكثر من 50 مليون مستخدم للموقع.

الـ"ميمز" التونسية.. السخرية من كلّ شيء ولا خطوط حمراء

صورة من فيلم كرتوني لأحد كفّار قريش، كتب عليها: "كي تسبّ بورقيبة قدّام مستيري" وذلك باعتبار شعبية أول رؤساء البلاد في مسقط رأسه في المنستير، وفي نسخة أخرى تتغيّر العبارة لتصبح "النّابلي كي يلقى حكّة هريسة مطيّشة في الشارع"، وذلك باعتبار كثرة استعمال الهريسة الحارة في مدينة نابل. في النسخة الأولى، يتساءل عابد الآلهة: "من الّذي شتم آلهتنا؟"، أمّا في الثانية فيكون التعليق "من الّذي فعل هذا بآلهتنا؟".

هل أصابتك هذه الصّورة والتعليق المرفق بالصّدمة؟ في الواقع، هي لا تعدّ شيئا يذكر مقارنة بـ "ميمات" ساخرة أخرى تنشرها صفحات الـ"ميمز" العالمية ومثيلاتها في تونس. صفحة "ميمز تونسية" مثلًا والّتي تضمّ أكثر من 67 ألف معجب خير مثال على تجاوز السخرية للخطوط الحمراء المتعارف عليها، فالصفحة تختصّ في نشر "ميمات" قد يراها البعض ضربًا من التحريض وبثّ النعرات الجهوية عبر تكريس صور نمطية بعينها عن الولايات التونسية المختلفة وطبائع سكّانها وعاداتهم الاجتماعية أو سلوكياتهم. لكنّ المشرف على "ميمز تونسية" لا يدع مجالاً للتشكيك في نيّته الإساءة إلى إحدى ولايات تونس دون البقيّة، فهو يوزّع السخرية بالقسطاس المستقيم بين شمال البلاد وجنوبها وشرقها وغربها.

أمّا صفحة "Tunisia Football Memes" فتختصّ في نشر "الميمات" المتعلّقة بالشّأن الكروي بالأساس، وهي تضمّ أكثر من 95 ألف معجب. إحدى منشورات الصفحة صورة لرئيس النّجم الرياضي الساحلي رضا شرف الدين وهو يشارك في الحملة الانتخابية لحزب نداء تونس، تظهره بصدد تقديم مطويات القائمة الانتخابية لمواطن في سيارة تاكسي. رافق الصورة تعليق ساخر جاء فيه "رسميًا رضا شرف الدين يسلّم الملف (ملفّ تظلّم) للفيفا".

"ميمز" أخرى ساخرة لم يسلم منها هذه المرّة مفتي الجمهورية نفسه، فقد نشرت صفحة "أقوال مدبلجة"، ولها أكثر من 523 ألف معجب، صورة تجمع وزير التجهيز والبيئة محمد صالح العرفاوي مرتديًا زيًّا إفرنجيًا وربطة عنق، بمفتي الجمهورية عثمان بطّيخ في لباسه التقليدي وكاتبة الدولة السابقة المكلّفة بالشباب فاتن قلاّل مرتدية تنّورة قصيرة. وجاء التعليق المرفق لوصف الشخصيات الثلاث الظاهرة في الصورة كالتالي: "الخميس...الجمعة...السّبت"، ولأنّ المقعد إلى يمين فاتن قلاّل كان فارغًا، فقد علّق عليه أحد معجبي الصفحة: "الأحد صبح راقد". أمّا عدد آخر من روّاد موقع "فايسبوك" وبعض المواقع الإلكترونية فقد تناقلوا الصورة معلّقين عليها أنّ "مفتي الجمهورية يروّج للإسلام المعتدل".

صانع للـ"ميمز" أو مستهلك لها.. المهمّ هو الضّحك

شكري اللّواتي، تلميذ ابن ال 18 ربيعًا، هو المشرف على صفحة "ميمات" تونسية لم يمض على بعثها أكثر من شهر. يقول شكري الّذي يعمل منذ مدّة طويلة محرّرًا بصفحة أخرى، إنّ ولعه بالـ"ميمز" قد بدأ منذ صائفة 2017 فهو يحبّ الصورة كثيرًا، لكنّه لا يمتلك آلة تصوير ولذلك يكتفي حاليًا بتعديل الصور المتاحة فعلًا على الإنترنت وتوظيفها لتبليغ رسائل بعينها. في شهر مارس الماضي، قرّر شكري خوض مغامرة "الميمز" للحساب الخاصّ، ببعث صفحة أرادها أن تختصّ في نشر "ميمات" ذات طابع عالميّ، لكنّه لاحظ ميل التونسيين إلى الـ"ميمز" المحليّة أكثر فأصبحت منشورات صفحته"ميمز قرطاجية" تركّز على الشأن التونسي والأحداث أو الظواهر الاجتماعية بالأساس. ويؤكّد شكري لـ"الترا تونس" أنّ المواطن التونسي "همّه الوحيد هو الضّحك سواء من الوضع العامّ للبلاد أو الشخصيات الوطنية أو الأفكار وغيرها".

أمّا منى، طالبة الطبّ ذات الـ 23 عامًا، فهي تصف علاقتها بالـ"ميمز" بـ"الهوس"، وتضيف شارحة "أوّلا تلك الصور تضحكني كثيرًا سواء عندما تتعلّق بمواضيع تونسية أو عربية أو غيرها، وثانيًا هي أفضل من قراءة نشرية طويلة على فيسبوك".

لا تنشر منى كثيرا من الميمات على حسابها الشخصي بموقع فيسبوك خشية ردود فعل عائلتها وأساتذتها، لكنّها ترسل كلّ "ميمز" تجدها إلى أصدقائها وصديقاتها ليضحكوا معًا. وتؤكّد طالبة الطبّ أنّ "الجميع يحبّون الميمز لأنّها طريفة وساخرة بطريقة ذكية"، قبل أن تضيف ضاحكة "الكلّ طبعًا إلاّ العاقّ وليد الشريف".

تشير محدّثتنا في عبارتها الأخيرة إلى إحدى أشهر المنشورات في الساحة الافتراضية العربية والعالمية والتي انطلقت من مصر بمناسبة الانتخابات الرئاسية الأخيرة لتتحوّل إلى مئات "الميمات" حول مواضيع مختلفة تشترك جميعها في عبارة "العاقّ وليد الشريف".

الـ"ميمز" أداة مقاومة لكنّ تأثيرها يبقى محدودًا

"ليست السخرية باستخدام الـ"ميمز" مجّانية، إنّما هي سخرية موظّفة يعتمدها الناشطون عبر فيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي لتمرير مواقفهم من القضايا السياسية والاجتماعية"، يقول الباحث في علم الاجتماع فؤاد غربالي لـ"الترا تونس"، مضيفًا "الميمز إحدى تجلّيات تحوّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى فضاءات عمومية بديلة للفضاءات التقليدية كالأحزاب والساحات العامّة".

الباحث في علم الاجتماع فؤاد الغربالي لـ"الترا تونس": السخرية باستخدام الـ"ميمز" ليست مجانية بل هي موظّفة لتمرير المواقف من القضايا السياسية والاجتماعية

ودون أن ينكر أهمّية هذه الظاهرة من حيث تمظهراتها ودلالاتها الاجتماعية، يتساءل الغربالي عن "مدى قدرة الميمز، بما هي صورة ساخرة مركّبة، على التأثير الفعلي في السياسات والمواقف والعقليات، وبما يتجاوز المحاولات الاحتجاجية عبر فيسبوك وغيره من مواقع التواصل"، وفق تعبيره.

ويعتقد الباحث في علم الاجتماع أنّه "بقدر ما تتيح الميمات هامشًا واسعًا من حرية التعبير عبر آليات التشهير والفضح والمقاومة لبعض المجموعات المهيمنة، إلاّ أنّ تأثيرها يبقى محدودًا ونسبيّا"، ويضيف "وهذا في المجتمعات العربية على وجه الخصوص التي تنخرها آفات الفقر والجهل والديكتاتوريات والأصوليات الدينية"، خالصًا إلى أنّ "العولمة لا تؤثّر في الجميع بنفس الدّرجة".

الـ"ميمز".. فنّ اتّصالي ظاهره هزل وباطنه جدّ

تنزّل أستاذة الإعلام والاتّصال الرقمي نهى بلعيد ظاهرة انتشار "الميمز" في صفوف روّاد مواقع التواصل الاجتماعي التونسيين ضمن سياق تاريخي ومجتمعيّ مرتبط أساسًا بالتحوّلات التي رافقت الثورة التونسية، فجيل الثورة الّذي استخدم عبارات ومنشورات مكتوبة ساخرة للتعبير عن سخطه من النظام السابق هو نفسه الّذي أضحى يعبّر عن ذلك السخط باستخدام الصور بالأساس كفنّ اتّصالي، وذلك وفق تعبيرها.

أستاذة الإعلام والاتّصال الرقمي نهى بلعيد لـ"الترا تونس": ظاهرة انتشار "الميمز"  تأتي ضمن سياق تاريخي ومجتمعيّ مرتبط أساسًا بالتحوّلات التي رافقت الثورة

وتصف بلعيد، الّتي تشغل منصب رئيسة التحرير بالمرصد العربي للصحافة، "الميمز" بكونه "تعبيرًا ساخرًا عن سياق جادّ"، ضاربة مثلًا تهكّم التونسيين من محتوى اللافتات الانتخابية وسخريتهم من مضامين الرسائل السياسية للمترشحين في الانتخابات البلدية وآليات تبليغها.

وترى بلعيد أنّ هذا النّوع من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يقوم "المواطن الصحفي بصنع الميمات ونشرها وتداولها يمكن أن يندرج ضمن ما يعرف ب"الصحافة الساخرة"، موضّحة أنّها على خلاف الأجناس الصحفية الأخرى لا تخضع لرقابة الرقيب في المؤسسة الصحفية بل تكون مباشرة وآنية وتلقائية.

وكانت دراسة نشرها المرصد العربي للصّحافة للباحثين عزام ابو الحمام وحياة شرارة قد كشفت عن "نشأة نمط جديد من التعبير الساخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، تعود أساسًا إلى "انتشار فنّ السخرية الناقدة التي يمارسها المواطن العادي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تجاه قضايا الشأن العام والظواهر الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المجتمعات العربية".

المرصد العربي للصحافة يعتبر أن نمط "الميمز" يهدف للنقد والإصلاح وتشخيص المشكلات وذلك عبر السخرية والتهكّم

وخلصت نتائج الدّراسة إلى أنّ "هذا النمط من التعبير يختلف عن أنماط السخرية والتهكّم التقليدية في عدّة أبعاد: أولّها استثماره لكافة خصائص التقنية الحديثة في هذا المجال من النصوص اللغوية إلى الصور والفيديو والرموز الأيقونية إلى الصور المعالجة، وثانيها في الصور المعالجة التي يمكن أن يدخل عليها تعليقات بالنص أو الرموز الساخرة أو أحيانا عبر دبلجة الصور".

أمّا من حيث اللّغة، فقد بيّنت نتائج هذا البحث أيضًا أنّ من وصفته بـ"المواطن الساخر" يوظّف "ملكاته اللغوية الفصحى والدارجة في سبيل التعبير عن أهدافه"، موضّحة أنّه "لا يلتزم بجمالية اللغة أو بشاعريتها أو ببنائها الداخلي بقدر ما يرتبط بالهدف، وهو هدف النقد والإصلاح وتشخيص المشكلات".

 

اقرأ/ي أيضًا:

البيار".. تسلية شباب تونس لمواجهة بطالتهم"

الـ"بلوغينغ".. صيحة رياضية جديدة في تونس