انطلقت الشرطة البيئية في تونس في أشغالها رسميًا الثلاثاء 13 حزيران/ يونيو 2017، وهي التي كان من المفترض أن تبدأ العمل خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية، لكن أسبابًا تنظيمية ولوجستية، كانت وراء التأخير. و"الشرطة البيئية" عبارة مستحدثة بالنسبة للتونسيين، لا يعرفون عنها سوى بعض المعلومات المتفرقة وغير الدقيقة لا أكثر.
يومين فقط منذ انطلاق أعمالها، وفي ظل غياب أي حملات تحسيسية، لا تزال صورة الشرطة البيئية غير واضحة عند معظم التونسيين
قيل إن الشرطة البيئية هي الحل، اقتداءً بتجارب عربية وعالمية، لتكرّر الاعتداءات على البيئة وانتشار الفضلات والأوساخ في كامل البلاد، لكن مهامها وطريقة عملها، وسلطتها الردعية لا تزال مجهولة لدى معظم التونسيين، وزاد تعالي أصوات رافضة لها، خلال أقل من 24 ساعة منذ انطلاقها في مهامها، في تشتيت الصورة لدى التونسيين. في هذا التقرير، نغوص في عالم الشرطة البيئية التونسية ونحاول تقديم صورة واضحة عن ما أسماه بعض التونسيين، سخرية أو تندرًا، "هيئة الأمر بالنظافة والنهي عن التلوث".
اقرأ/ي أيضًا: البلفيدير في تونس.. تاريخ مهمل
ماهي مهام الشرطة البيئية؟ وفيما تتمثل سلطتها الردعية؟
يعمل أعوان الشرطة البيئية في تونس طبقًا للقانون عدد 6 المؤرخ في 30 نيسان/أبريل سنة 2016، ويتمثل عملهم في تحرير مخالفات ضد كل من يلقي بالفضلات في الطريق العام أو في غير الأماكن المخصصة لها أو من يقوم بحرقها، سواء كانوا أشخاصًا أم شركات. ويحدد ذات القانون غرامة مالية تتراوح قيمتها بين 300 و1000 دينار تونسي في حال انتهاك القواعد الخصوصية للصحة والنظافة العامة (الفصل 10 من القانون).
ويمنع هذا القانون "الإلقاء العشوائي للنفايات المنزلية أو المتأتية من المنشآت والمؤسسات والمحلات المخصصة لممارسة الأنشطة والحرفية والسياحية أو وضعها في حاويات غير مطابقة للمواصفات التي تحددها الجماعات المحلية المعنية أو في الأماكن غير المخصصة لها".
نشاط الشرطة البيئية في تونس انطلق في 38 بلدية تونسية، وسيشمل خلال شهر تموز/ يوليو القادم، حسب تصريحات المسؤولين، 36 بلدية أخرى، في انتظار تقييم للتجربة الأولى واستخلاص مدى نجاعتها وتعميمها على كل البلديات في البلاد انطلاقًا من سنة 2018.
وللقيام بمهامهم، تم تمكين أعوان الشرطة البيئية من التجهيزات الضرورية وسيارات مجهزة بأنظمة ''GPS''، كما أعلن عن اقتناء 30 ألف حاوية فضلات جديدة وعقدت وزارة الشؤون المحلية صفقات مع شركات خاصة لمساعدة البلديات في عملية تنظيف الشوارع. ومن المنتظر إحداث تطبيق خاص على الهواتف الجوالة، تحت مسمى "تونس نظيفة"، يرصد من خلالها المواطنون الإخلالات البيئية ومظاهر التلوث ويعلمون عبرها وحدات الشرطة البيئية لتسريع تدخلهم.
وسيعتبر الشهر الأول من عمل الشرطة البيئية شهرًا تحسيسيًا توعويًا، لا تطبق في أي عقوبات، لينطلق هذا الجهاز في رفع المخالفات فعليًا بداية من يوم 13 تموز/ يوليو المقبل.
لماذا تأخر انطلاق عمل الشرطة البيئية؟
منذ أن كان رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، وزيرًا للشؤون المحلية، أي تقريبًا منذ منتصف سنة 2016، كثر الحديث عن قرب انطلاق تجربة الشرطة البيئية، وذلك تزامنًا مع تمرير القانون المنظم لعملهم في نيسان/ أبريل من نفس السنة، والذي ينص على أن "أعوان الجماعات المحلية يتمتعون بمهام أعوان الضابطة العدلية وصلاحيات رفع المخالفات الخاصة بالمشاكل البيئية".
إثر ذلك، أعلن وزير الشؤون المحلية الحالي رياض الموخر أن سلك الشرطة البيئية سيبدأ في أعماله في الثلاثي الأول من السنة الحالية، لكن هذا الموعد أيضًا لم يتم الالتزام به، ليُعلن فيما بعد أن التأخير كان بغاية تكوين 300 عون، وقع اختيارهم للقيام بهذه المهمة، ولتجهيز السيارات مع توفير الحاويات الضرورية وإعطاء البلديات إمكانيات أكبر للعمل.
كيف تقبل التونسيون إحداث الشرطة البيئية؟
يومين فقط منذ انطلاق أعمالها، وفي ظل غياب أي حملات توعوية وإعلامية تبين دورها وحجم وطريقة تدخلها إلى حد الأن، لا تزال الصورة غير واضحة عند معظم التونسيين. وسأل "الترا صوت" البعض وقد تراوحت إجاباتهم بين الاستهزاء والتندر أو إبداء قلة المعرفة بالأمر والتساؤل. وهكذا كانت الصورة أيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي بين التونسيين.
وقد قارن البعض بين الشرطة البيئية، هذا السلك الجديد، و”لبيب”، وهو شخصية وهمية، اعتبر خلال الفترة ما 1992 و2012 رمزًا للحفاظ على سلامة البيئة، إلى أن أعلنت وزيرة البيئة ما بعد الثورة مامية البنا، نهاية استخدامه، باعتباره رمزًا من رموز النظام السابق. ولبيب مجسم في شكل ثعلب الفنك وهو حيوان يعيش في الجنوب التونسي أساسًا.
استحسن البعض انطلاق عمل الشرطة البيئية بينما سخر آخرون من مدى تأثيرها وقدرتها على التصدي لمشكلة عويصة تنخر المحيط التونسي وتؤثر على سلامته وسلامة ساكنيه. لكن بعض الجدل أخذ منحًى أخطر من حيث إدانة تواجدها واعتبارها "هيكلًا أمنيًا موازيًا"، تونس في غنى عنه الآن في ظل التهديدات الأمنية الأخطر التي تتعرض لها وحالة الطوارئ التي ترزح تحتها البلاد منذ فترة.
اقرأ/ي أيضًا: المساحات المخصّصة للأطفال الجزائريين..براءة مخنوقة
من جانبه، لم يتوان الوزير المكلف بالبيئة والجماعات المحلية في تونس عن رسم صورة إيجابية لسلك الشرطة البيئية المستحدث في تونس واعتبر، في تصريحات متواترة، أنه قادر بالتنسيق مع البلديات والمواطنين على النهوض بالوضع البيئي التونسي، موضحًا أن عمل الشرطة البيئية سيركز على مصادر التلوث الكبرى على غرار التجار والمقاهي والمطاعم، كما سيحرص على تحسيس المواطن التونسي بضرورة وضع الفضلات في الحاويات والالتزام بمواعيد إخراجها.
أدانت بعض النقابات الأمنية في تونس وجود سلك الشرطة البيئية معتبرينه "هيكليًا أمنيًا موازيًا"
يذكر أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وخلال إعطاء إشارة انطلاق نشاط الشرطة البيئية، أكد أن "السداسي الثاني من سنة 2017 سيكون أفضل على صعيد النظافة والعناية بالبيئة"، مبررًا الأمر بدخول منظومة تثمين النفايات حيز النفاذ وانطلاق عمل الشرطة البيئية ودعم ميزانيات كل البلديات بـ60 مليون دينار لاقتناء 390 آلية لرفع الفضلات و 28 ألف حاوية، بقيمة تجاوزت 7 مليون دينار.
النقابات الأمنية تنتقد السلك الجديد واتهامات بتداخل المهام
مباشرة إثر الإعلان عن انطلاق عمل الشرطة البيئية، عبرت بعض النقابات الأمنية عن رفضها إطلاق تسمية شرطة على الأعوان المكلفين بالمهمة البيئية، لـ"عدم خضوعهم لتدريبات خاصة بسلك الشرطة"، وعبروا عن استغرابهم من عدد السيارات التي تم توفيرها "في حين أن عديد المراكز الأمنية التي تكافح الإرهاب والجريمة تفتقر لسيارات"، كما جاء على لسان ممثلين عن هذه النقابات.
وصعدت بعض النقابات الأمنية من خلال التهديد بعدم التعاون مع أعوان الشرطة البيئية والحديث عن إمكانية تنظيمها احتجاجات إلى حين تغيير التسمية وإيقاف، ما وصفته، "بالتلاعب بأجهزة الدولة". وأشار بعض الأمنيين إلى تداخل بين وظائف ومهام الشرطة البيئية والشرطة البلدية وهو سلك قديم، إلا أن كاتب الدولة للشؤون المحلية والبيئة نفى أي تداخل في المهام.
اقرأ/ي أيضًا:
لماذا يستعيد اللبنانيون ملف النفايات مع الشتاء؟
بعض الأحياء الجزائرية.. النّفايات ليست قدرًا