06-أبريل-2019

يظل علامة ثقافية بارزة تبعث بريق أمل في المجتمع التونسي

 

في البدء كانت "قضية الانتقال الديمقراطي" ثم "نساء بلادي نساء ونصف". أما الآن فإن القضية الرئيسية المخصبة للدورة الخامسة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب فهي "الحريات الفردية والمساواة"، وهي من القضايا شديدة الراهنية والأكثر جدلًا في المجتمع التونسي.

320 ناشرًا وعارضًا من 23 دولة

تحت هذا الأفق الفكري المدني والتنويري الذي يتنزل تاريخيًا ضمن سياقات الإصلاح ومناخات الحرية والديمقراطية، انطلقت يوم الجمعة 5 أفريل/ نيسان 2019 النسخة الجديدة من معرض تونس الدولي للكتاب محمولة على شعارها البليغ "نقرأ لنعيش مرتين"، وذلك إلى غاية 14 أفريل/ نيسان 2019، بمشاركة ما يقارب 320 عارضًا وناشرًا أكثر من نصفهم من تونس أما البقية فهم من 23 دولة عربية وأجنبية من بينها فلسطين ومصر وإيران وقطر والمغرب والجزائر والعراق ولبنان وسوريا والسينغال وفرنسا والصين وكندا وبولونيا، و12 منظمة وهيئة وجمعية منها ما هو تونسي وما هو أجنبي وذلك على مساحة تقارب 7255 متر مربع.

من افتتاح الدورة 35 لمعرض تونس الدولي للكتاب

قرارات تهمّ الكتاب والصناعات الثقافية في تونس

الدورة 35 لمعرض تونس الدولي للكتاب افتتحها رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بحضور وزير الشؤون الثقافية ووجوه من الطيف السياسي التونسي ودبلوماسيين عرب وأجانب وجامعيين وكتّاب وإعلاميين، ليعلن في خاتمة زيارته عن جملة من القرارات التي تهم الكتاب وأهمها وضع خطة عمل لدعم دور النشر التونسية التي تعيش صعوبات مادية وبرنامج خاص لإعادة تأهيل المكتبات العمومية وتخصيص مليون كتاب ليكون على ذمّة وزارة التربية، موجّهة للتلاميذ وتخصيص برنامج للنهوض بالصناعات الثقافية.

لكن الذي استغربه أهل الثقافة والأدب والفلسفة والفكر هو عدم حضور رئيس الحكومة لحفل تكريم نخبة من المثقفين التونسيين والعرب وتتويج الفائزين بمختلف جوائز المعرض والاكتفاء بتمثيلية مستشاره كمال الحاج ساسي.

التكريم طال أغلب الكتّاب الجريئين

الحفل الافتتاحي لمعرض الكتاب بتونس كرّم أولئك الذين يكتبون لنقرأ نحن من أجل أن نعيش مرّتين. فمن التونسيين كرّمت الروائية آمنة بلحاج يحي وهي الفيلسوفة التي نحت منحى التسريد، والروائية آمال مختار الجريئة والتي تتحرك في مناخات المسكوت عنه في المجتمع التونسي، إلى جانب الصحفي الثقافي الألمعي أحمد حاذق العرف الذي أفنى العمر في الكتابة حول المسرح التونسي والعربي، والإعلامي الثقافي التونسي فرج شوشان والفيلسوف التونسي يوسف الصديق صاحب الكتابات المثيرة للجدل والتصورات الجريئة عن الثقافة الإسلامية وترجمته للقرآن للغة الفرنسية، والباحث الجامعي الدكتور محمد صلاح الدين الشريف.

المعرض كرّم الفيلسوف التونسي يوسف الصديق صاحب الكتابات المثيرة للجدل والتصورات الجريئة عن الثقافة الإسلامية وترجمته للقرآن للغة الفرنسية

ومن الكتّاب العرب نجد الشاعرة والقصاصة والكاتبة لأدب الطفل الأردنية زليخة أبو ريشة المعروفة بمواقفها التنويرية ورؤيتها العميقة للأدب النسوي، والروائية اللبنانية علوية الصبح صاحبة الرواية الشهيرة "مريم الحكايا"، والناقد والروائي السوري نبيل سليان الذي عرف بغزارة كتاباته في الرواية والنقد الأدبي والفكر والإيديولوجيا وإسهامه في جل المعارك التي خاضها الكتّاب في سوريا من أجل الحرية والاستقلالية مما جعله عرضة للاعتداء الجسدي والتشويه المعنوي، بالإضافة إلى الكاتب الفلسطيني توفيق فيّاض، وهو من عرب 1948 يكتب الرواية والقصة القصيرة والمسرحيات وأدب الطفل واليافعين، حيث يكرّس سردية الإنسان الفلسطيني في أبعادها المختلفة، عاش حياة المنافي والسجون، وهو الآن يقيم في تونس.

أما آخر المكرّمين فهم الروائي والناقد والمترجم المغربي محمد برّادة، وهو يكتب مند سنة 1957 ويعتبر هدية المغرب للثقافة العربية وهو الذي ساهم في حركة الترجمة العربية وتطوير النقد العربي الحديث.

اقرأ/ي أيضًا: "نقرأ لنعيش مرتين".. إكراهات أمام شعار معرض الكتاب

تم تتويج عديد الكتاب والمفكرين من بينهم الفيلسوف يوسف الصديق

تتويج "مسكلياني" وحجب جائزة الدراسات الفلسفية

أما الجوائز الأدبية والتقديرية الخاصة بالمعرض لسنة 2019 فكانت على النحو التالي:

ــ الجائزة التقديرية توفيق بكار أسندت للناقد محمد الخبو عن مجمل أعماله.

ــ جائزة نور الدين بن خذر لأفضل ناشر أسندت لدار " مسكلياني " لصاحبها الشاعر شوقي العنيزي.

ــ جائزة علي الدوعاجي للقصة القصيرة أسندت إلى رضا بن صالح عن كتابه " تقارير تونسية مهربة ".

ــ جائزة البشير خريف للرواية أسندت إلى طارق الشيباني عن روايته " للاّ السيدة ".

ــ جائزة الصادق مازيغ في الترجمة من اللغات الاجنبية إلى العربية أسندت الى الشاعر والكاتب وليد أحمد الفرشيشي عن ترجمته لرواية "يرى من خلال الوجوه" لإريك إمانويل شميت.

ــ جائزة الطاهر الحداد للبحوث في الإنسانيات أسندت بالتساوي بين كتب ثلاث هي " الدولة العالقة " لمحمد الحداد و" أخبار التونسيين" للطفي عيسى و" قرن من الأدب في تونس" للمؤلفين سامية القصاب الشرفي وعادل خذّر.

أما جائزة فاطمة الحداد للدراسات الفلسفية فقد حجبت لضعف الدراسات والبحوث المقدمة. 

رعاة جبل سمّامة ينزلون من الجبال ويتجولون في المعرض

تتميز هذه النسخة من معرض تونس الدولي للكتاب، إلى جانب تداول الكتاب ببعديه التجاري والحضاري ببرنامج ثقافي يعد عنصر قوتها وجوهرها الخالد، فأغلب الأنشطة تنتظم داخل ثلاثة فضاءات وهي قاعة الطاهر الحداد وقاعة زبيدة بشير ومنتدى وزارة الشؤون الثقافية.

ستحتفي الدورة 35 لمعرض الكتاب بالطفل واليافع من خلال مساحة وبرنامج خاص

ومن أبرز فعاليات البرنامج الثقافي استضافة الشاعر والممثل والمناضل الثقافي عدنان الهلالي، الذي تحدى الثقافة السائدة والمنمطة ليتبرعم هناك بجبل سمّامة من ولاية القصرين وينشئ هناك بريف "الوسّاعية" أوّل مركب ثقافي جبلي بتونس ويقيم صروحًا ثقافية مختلفة تحت عنوان "الأدب الرّعوي وأغاني الرعاة"، حيث سينزل الرعاة من الجبال التونسية ليلتقوا زوّار المعرض ويقدموا فنهم الموقع بأنغام الريح والمطر ورائحة الغابة وشعرهم الموزون ببحر الأفق في مزج بديع بين عفوية الإبداع وقوة الموقف السياسي مما يحدث في الحياة الثقافية من ارتجال وفلكلورة المادة الإبداعية جراء العولمة المقيتة.

ما يقارب 260 فعالية ضمن برنامج خاص بالأطفال واليافعين

أيضًا ستحتفي الدورة بالطفل واليافع من خلال مساحة وبرنامج خاص حيث من المتوقع تنفيذ ما يقارب 260 فعالية تراوح بين المسرح والسينما وورشات الخط والرسم والرقص سيتولى مختصون من تونس وخارجها في تنفيذها.

ومن أبرز الفقرات التي ستقدم للأطفال هي " قراءة مع مشهور" وذلك حتى يتعرف الأطفال عن قرب على مشاهير في الأدب والموسيقى والمسرح والرياضة. ومن الوجوه التي أكدت حضورها لهذه الفقرة الفنان لطفي بوشناق والبطلة الرياضية الأولمبية روعة التليلي.

شكري المبخوت لـ"ألترا تونس": المعرض سوق للكتاب ومأدبة فكرية باذخة تعبر عما تعيشه بلادنا من حركية فكرية وثقافية

مدير عام المعرض شكري المبخوت: المعرض يعبر عمّا تعيشه تونس من حركية فكرية وثقافية

على هامش اليوم الافتتاحي للدورة 35 من معرض تونس الدولي للكتاب، التقى "ألترا تونس" مدير عام المعرض شكري المبخوت الذي أكد أن الأيام العشر للمعرض هي خلاصة أشهر من العمل الدؤوب والتنسيق الداخلي والخارجي يقوم به فريق كبير ولجنة تنظيم متمرسة وذلك حتى يكون المعرض سوقًا للكتاب ومأدبة فكرية باذخة تعبر عما تعيشه بلادنا من حركية فكرية وثقافية تكاد تلمس لمسًا بعد أن افتك التونسيون حرّيتهم فتحررت ألسنتهم وأقلامهم ليساهموا في صنع تونس الجديدة بالأفكار والخيال والكلمات.

ويبيّن مبخوت أنه فضلًا على تتطور مساحة المعرض ونوعية الكتاب إخراجًا ومحتوى فإن هذه التظاهرة تسعى إلى أن تكون في قلب الحياة بترسيخها لعادات جديدة ضمن البرنامج الثقافي وبطرحها لشواغل المجتمع، مشيرًا إلى الموضوع الرئيسي للدورة وهو الحريات الفردية والمساواة. وأكد أن فضاءات المعرض ستخوض في المسألة برصانة وعمق مع المفكرين والكتاب والمواطنين الذين سيزورون المعرض.

إن معرض تونس الدولي للكتاب وبالرغم من الظرف السياسي المتسم بالتوتر وسوء الحياة الاقتصادية وغلاء المعيشة في تونس يظل علامة ثقافية بارزة تبعث بريق أمل في المجتمع التونسي اقتفاء لشعار المعرض "نقرأ لنعيش مرّتين".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"يوم جاؤوا لاعتقالي".. أو البحث عن وطن يجعلنا أحرارًا

ضياع حقوق الكاتب التونسي.. مأزق للثقافة يبحث عن حل