27-سبتمبر-2017

الروائي التونسي الحبيب السالمي

في أحد لقاءاته، يقول الكاتب التونسي الحبيب السالمي: "يهمني لحم الواقع، تهمني حياة الإنسان في سيلانها اليومي، تهمني الحياة في تجلياتها الأولى البسيطة، لكن كيف يستطيع أن يبني عالمًا كاملًا مقنعًا من هذه الأشياء البسيطة التي تراكمها، هنا تحدي الروائي".

الحبيب السالمي: تهمني حياة الإنسان في سيلانها اليومي، تهمني الحياة في تجلياتها الأولى البسيطة

هذا التحدي الذي عبر عنه الحبيب السالمي في روايته العاشرة والجديدة، المعنونة بـ"بكارة" (دار الآداب 2016)، منتهجًا فيها أسلوبه الخاص، وهو التركيز على العالم الصغير المبني على جزئيات بسيطة، وهي أشياء بسيطة يراكمها الكاتب ويخلق منها عالمًا كاملًا. ذلك هو أسلوب الحبيب السالمي الذي عبّر عن عالمه، أما عالمه فما هو إلا قريته في ريف القيروان (تونس) حيث سياج الصبار وشجرة التوت والخروب، حيث المرأة هناك تسوق الشياه إلى المراعي وتذهب الى البئر لجلب الماء.

اقرأ/ي أيضًا: رواية "الحب لم يعد مناسبًا".. الثقة التامة بالصدفة

إنه عالم الريف ذلك الذي اختاره الحبيب السالمي ليرصد لنا أخبار الثورة التونسية عام 2011، التي نجحت نوعًا ما في المدن الكبيرة، حيث النخب السياسية والأحزاب والمجتمع المدني، لكن ماذا عن الريف المهمش منذ أزل بعيد؟ ماذا عن الثورة وأحداثها هناك؟ ماذا عن أخبارها التي تأتي عبر أثير الراديو فقط؟ فالراديو هو الحدث، هو ناقلها الأول. يعبّر الحبيب السالمي عن طريق إحدى شخصيات الرواية، وهو البشير: "إن الراديو لا يكذب بعد الثورة كما كان قبلها".

يرصد الروائي التونسي الحبيب السالمي، المقيم في فرنسا، مفاهيم قادمة من أثير الراديو مثل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والانتخابات، تلك المفاهيم التي تقف عاجزة عن اختراق عادات وتقاليد قائمة على الشرف والعرض والبكارة والخوف من فضيحة ليلة الدخلة، أو اختراق معايير الجمال فهناك الجمال، جمال المرأة هو البياض بينما اللون الأسمر تعبير عن العبدة السوداء. يصنع الحبيب السالمي من كل ذلك مفارقة، بين فهم الديمقراطية والتحرر والمرأة في فضاء تحاصره الأمية والتخلف، في ريف همّش سياسيًا واجتماعيًا، بشكل مقصود ولفترة طويلة، ليصبح بيئة قابلة للشائعات ما بعد الثورة، التي ازدادت في الفترة الأخيرة، لتؤثر على علاقة صديقين هما البشير ومصطفى حين اختار الأول الثاني ليكون وزيره في ليلة دخلته على مبروكة، هذا الوزير الذي لديه الحق بالتدخل والدخول إلى مسكن الزوجين ليقدم النصائح والتوجيهات للعريس، منعًا من فضيحة فشل يوم الدخلة، فما كان من مصطفى إلا أن وقع على الأرض حين هم بالخروج من الغرفة، ليجد نفسه مباشرة أمام أنوثة مبروكة.

مع مرور الزمن، حاول كلّ من الصديقين نسيان تلك الحادثة، لكن مع ظهور شائعة أن مصطفى هو من باشر مبروكة، تعود حادثة الوقوع بالزمن والذاكرة إلى تفاصيلها، رغم اعتبار كل منهما ان هذه الشائعة مجرد هراء.

تعاين رواية "بكارة" حياة الريف التونسي المهمش خلال اندلاع الثورة في البلاد

يعاين الحبيب السالمي من خلال هذه الشائعة تناقضات في شخصيتي الصديقين، في ذلك الريف التونسي الذي يحاكي عيوبنا ومآزقنا الداخلية.

اقرأ/ي أيضًا: عمر الجفّال.. حياة مريضة

شخصيات "بكارة" للحبيب السالمي غارقة في أحلام الجنس والبكارة. إنها رواية السرد البسيط. رواية لا ضجيج فيها، ترصد لنا بنعومة تجارب إنسانية عميقة، وتسقط من خلالها كمية ضوء هائلة على حدث كبير كالثورة التونسية، وتأثيرها على أولئك المهمشين، المبعدين عن الحداثة والمدنية، والغارقين في لجة حياة ذلك الريف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار عن الجنس والموت والكتابة مع تشاك بولانيك مؤلف "Fight Club"

اكتب روايتك الآن.. 7 مصادر لتعلم الكتابة الروائية