ما الذي يدفع شخصًا إلى ترك الوصفات الطبية والإقبال على دكاكين العطارين وتصديق وصفة يقدّمها شخص بالكاد يفقه مصدر الأعشاب التي يعرضها؟ وما الذي يجعل البعض يرتاد بيوت المعالجين بالأعشاب الذين يذيع صيتهم في العديد من القرى وعلى أطراف المدن وقد بات بعضهم يعرض خدماته على مواقع التواصل الاجتماعي؟
ينتشر التداوي بالأعشاب أو ما يسمّى "الطب البديل" في تونس رغم التطور الطبي ربّما لقلة ذات يد البعض وانخفاض ثمن الأعشاب مقارنة بالأدوية، أو رّبما لقناعة أنّ العديد من هذه الأعشاب قادرة على علاج أمراض فشل الطب الحديث في علاجها أو يمكن استعمالها كمكملات علاجية.
تحتل نبتة "الحرمل" وحدها اليوم عرش المبيعات في الأسواق الشعبية ودكاكين العطارين في تونس بل باتت تُفقد من بعض الأسواق في وقت وجيز لاعتقاد البعض بفاعليتها في مواجهة "كورونا"
شاهد/ي أيضًا: فيديو: سوق البلاط بالمدينة العتيقة.. صيدلية طبيعية
وتنتشر النباتات الطبية والعطرية في أغلب الأسواق الشعبية وأزقة المدن العتيقة في تونس، وليسا غريبًا أن تجد بائعًا في سوق شعبية يفترش قطعة من القماش أو يجرّ عربة صغيرة يعرض عليها بعض أنواع الأعشاب الجبلية كالإكليل والزعتر والشيح وغيرها من الأعشاب التي يقبل عليها التونسيون خاصة في فصل الشتاء.
وفي زقاق ضيق في المدينة العتيقة بالعاصمة حيث أقدم سوق لبيع الأعشاب الطبية، "سوق البلاط"، تتعدّد دكاكين العطارين، وتشعر لوهلة أولى أنّ جميع أنواع الأعشاب موجودة في هذه المحلات، فبعضها رُصف بشكل منتظم في علب بلورية وبعضها علّق في حزم صغيرة جافة أحيانًا لا تحمل لا رائحة، ويصل سعر الـ100 غرام فقط من بعضها حوالي 10 أو 15 دينار لأنّها عشبة نادرة.
أعشاب تُستعمل في الطب البديل (مريم الناصري/ألترا تونس)
وأنت تطرح الأسئلة خلال التجوّل في السوق قد تتذكر كلام الجدّة حول نبتة ما ونفعها في علاج مرض معيّن، أو تتذكر نصح والديك لك عند إصابتك بنزلة برد بالأعشاب، وتتذكر شاي البابونج الساخن، أو "المليسة" أي "الطرنجية" أو الميرمية، أو الزنجبيل بالليمون وغيرها من الأعشاب التي قد لا تغيب عن بيوت التونسيين لاستعمالها كعلاج مكمّل لعلاجات نزلات البرد.
وفي "سوق البلاط" الذي لا تجده مهجورًا من الحرفاء خصوصًا في فصل الشتاء، سألنا، بالخصوص، عن أكثر النباتات التي يقبل عليها التونسيون لمقاومة نزلة البرد، فأخبرنا العطارون أن نبتة "الإكليل" هي الحلّ للقضاء على الأمراض الصدرية، فيما أكد آخرون أنّ "بخور الشيح" دواء ناجع لمقاومة فيروس "القريب"، ويقدم آخرون أنواعًا مختلفة من الأعشاب التي يؤكدون نفعها في علاج الأمراض المتعلّقة بنزلة البرد الشتوية.
في المقابل، تحتل نبتة "الحرمل" وحدها اليوم عرش المبيعات في الأسواق الشعبية ودكاكين العطارين، بل باتت تُفقد من بعض الأسواق في وقت وجيز وفق ما أعلمنا بعض العطارين. وهي نبتة تُعرف باسم "الحرمالون"، و"الحرمين" و"الحرملين" أيضًا، ويُقال إنّها تُستعمل في صناعة العديد من الأدوية إلى جانب استخراج الزيوت.
فقدان نبتة "الحرمل" بسبب الإقبال الكبير
في حديثه لـ"ألترا تونس"، يؤكد رجب الصالحي، أحد باعة الأعشاب في "سوق البلاط"، أن نبتة "الحرمل" باتت تُفقد نظرًا للإقبال الكبير عليها، مشيرًا إلى أنّ أوراق هذه النبتة تستعمل لعلاج جميع أنواع نزلات البرد، فيما تستعمل بذورها للبخور الذي يقضي على الفيروسات على غرار "كورونا"، وفق قوله.
رجب الصالحي (بائع أعشاب في "سوق البلاط): تُستعمل أوراق "الحرمل" لعلاج جميع أنواع نزلات البرد فيما تستعمل بذورها للبخور الذي يقضي على الفيروسات على غرار "كورونا"
ويذكّرك التاجر، في حديثه، بهذا الفيروس الذي بات حديث الساعة وشغل العالم في ظلّ عدم توفر علاج مضاد له، لكن يبدو أن بعض التونسيين وجدوا علاجهم المضاد في "سوق البلاط" ربّما عن دراية مسبقة لديهم أنّ هذه النبتة تشفي من أمراض نزلة البرد وبالتالي تقضي على فيروس "كورونا"، وفق تخمينهم، أو ربّما بنصح من بعض التجار لإنعاش تجارتهم.
فكلما تتجه إلى أحد الباعة لتسأله عن نبتة الحرمل، لا تكون الإجابة إلا "لا توجد حاليًا ويمكن توفيرها بعد ثلاثة أيام تقريبًا" مع التأكيد أن كلّ الكمية بيعت خلال هذا الأسبوع، وتتكرّر ذات الإجابة، ما جعلنا نسأل تاجر آخر ليؤكد لنا بدوره أن السبب هو فيروس "كورونا".
اقرأ/ي أيضًا: المنشطات الجنسية.. البحث عن الفحولة في دكاكين العطارين
يقول محدثنا، علي سيف الله، إنّ أغلب التونسيين يستعملون بعض الأعشاب لعلاج نزلة البرد مبينًا أن نبتة "الحرمل" وحدها فعالة في علاج أي فيروس له علاقة بالأنفلونزا أو الفيروسات الأخرى المشابهة مضيفًا أن "شرب أعشاب الحرمل تشفي من الأمراض الصدرية وتعالج الحمى وأمراض البطن وحالات الصداع والتهاب المفاصل وغيرها من الأعراض التي تصاحب الإصابة بالأنفلونزا".
ويسترسل تاجر الأعشاب أن "الحرمل" تشفي، أيضًا، من اضطراب الأعصاب وتقي من أمراض السرطان والتخلص من الديدان وعلاج العديد من الأمراض الجلدية وقائمة طويلة من الأمراض وفق البائع، لتبدو النبتة، حسب عرضه، كأنّها علاج لكلّ مرض مهما استصعب علاجه في الطب الحديث.
وتختزن ذاكرة البائع وصفات عشبية عديدة، مبينًا أن أوراق نبتة "الحرمل" تُستعمل كشاي بغليها في الماء وشربها ساخنة مرتين في اليوم، كما يمكن استعمال بذورها أو حتى أوراقها كبخور للبيت للقضاء على جميع أنواع الفيروسات في المنزل.
"الحرمل تنفع ضد كورونا"
تقول فاطمة بريك (64 سنة)، لـ"ألترا تونس"، إن البعض يستغرب الإقبال على المداواة بالأعشاب والحال أن العديد من الأدوية الحديثة مستخرجة في الأصل منها، مشيرة إلى أن القدامى كانوا يتطببون بالأعشاب بعد ثبوت نفعها في مقاومة نزلات البرد أو علاجها.
تصف المرأة المسنة نبتة الحرمل بأنها "سلطانة النباتات" في علاج أمراض نزلات البرد لأنها تخفض الحرارة وتعالج الأمراض الصدرية
وتصف الامرأة المسنة نبتة الحرمل بأنها "سلطانة النباتات" في علاج أمراض نزلات البرد لأنها تخفض الحرارة وتعالج الأمراض الصدرية، كما أنّ خلطها مع البخور يقضي على كلّ الفيروسات المنتشرة في هواء البيت، وفق قولها. وتضيف محدثتنا "قد يسخر البعض من حديثي ولكنّ الحرمل قد تنفع ضد كورونا أو كورانا أو ماذا يسمون هذا المرض الغريب"، تقول مبتسمة.
بالنهاية، ربّما هاجس الخوف من الإصابة بفيروس "كورونا" الذي لم يوجد له مضاد بعد، بات دافعًا لدى العديد للإقبال على الأعشاب الطبية وبالخصوص لنبتة "الحرمل" توهمًا على قدرتها على كبح جماح المرض القاتل، فيما يبدو أن تجار الأعشاب في تونس ممن استفادوا من هذا المرض الذي أقض مضجع العالم بعد أن أحيا تجارتهم.
اقرأ/ي أيضًا: