"أنا أحرار ما يخافوش.. أنا أسرار ما يموتوش.. أنا صوت إلي ما رضخوش.. أنا في وسط الفوضى معنى.. أنا حق المظلومين.. أنا حر وكلمتي حرّة.. أنا وسط الظلمة نجمة.. أنا في حلق الظالم شوكة.. أنا ريح لسعتها نار.. أنا حر.. وكلمتي حرّة".
بهذه الأغنية ذات النفس الرومانسي واللحن الانسيابي، وهذه الكلمات العميقة التي لم تتعودّ عليها الذائقة التونسية من قبل، تعرف التونسيون على الفنانة الموسيقية آمال المثلوثي في اعتصام القصبة خلال بدايات الثورة التونسية في شتاء 2011. كانت أغنيتها تلك بمثابة القطيعة الإبستيمية في الموسيقى التونسية منها بدأ العدّ لزمن جديد، ولحن جديد، وروح جديدة، ووجوه شابة اقتحمت الساحة الموسيقية لتكون موجة بديلة لا تزال تناضل من أجل وجودها إلى الآن.
ذاع صيت الفنانة التونسية آمال المثلوثي بعد الثورة إذ وصفتها الصحافة العالمية بأيقونة الربيع العربي وزاد إشعاعها تونسيًا وعالميًا بتأثيثها لحفل منح تونس جائزة نوبل للسلام سنة 2015
آمال المثلوثي ذاع صيتها في العالم واحتفت بها ثقافات واعتلت مسارح مرموقة. وصفتها الصحافة العالمية بأيقونة الربيع العربي، وزاد إشعاعها تونسيًا وعالميًا بتأثيثها لحفل منح تونس جائزة نوبل للسلام ذات شتاء سويدي سنة 2015.
آمال المثلوثي لا تغريها هذه الحظوات، من قبيل الشهرة والنجومية، التي تراها واهية كخيط عنكبوت. فهي تفكر داخل خانة الموسيقى، ويغريها التجريب والكتابة الشعرية واللحنية ومزج الأنماط الموسيقية ومزاوجتها للثقافات مع ربط الحديث بالكلاسيكي، علّها تأتي بما لم تستطعه الأوائل. تبدع آمال وسط الإحساس العالي بالحرية، فهي لا تكون دون سماء الحريّة الواسعة.
اقرأ/ي أيضًا: بن عمّو مؤلف "عام الفزوع": شوقي الماجري أراد تزييف تاريخ "بن غذاهم" (حوار)
يمكن وصف آمال المثلوثي، تجوّزًا، بما وصف به الأديب محمود المسعدي بطله "أبو هريرة" عندما قال: "كان أبو هريرة كالماء يجري لم نقف له على وقفة قطّ"، فهي لا تؤمن بالسكينة والاستقرار إبداعيًا أو جغرافيًا. تقيم حاليًا في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الامريكية، كأنها تبحث عن فضاءات أرحب للحرية والجمال والفنّ. وهي تزور تونس كلما تسنت الفرصة، وكلّما دعيت لإقامة حفل أو لحضور تظاهرة، وآخر حضور لها كان من أجل إحياء الحفل الافتتاحي لتظاهرة أيّام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري في نسختها الأولى.
التقى "الترا تونس" آمال المثلوثي بالعاصمة تونس تحديدًا بمرسم الفنان التشكيلي التونسي مراد الحرباوي، حيث كانت ترافق ابنتها في دروس الرسّم، وهذا فحوى اللقاء:
- غادرت أمال المثلوثي أوروبا لتستقرّ بنيويورك بالولايات المتحدة الامريكية في رحلة شبيهة بتلك التي قامت بها نخبة العالم أواخر القرن التاسع عشر بحثًا عن السلام والحرية، هل تتنزل رحلتك في هذا الإطار الفلسفي؟
السّفر هو باب الحرية الحقيقي، والفنان لا بدّ له من أسفار في الزمان وفي المكان حتى يتجدد من الداخل ويكتشف مجاهل نفسه وروحه المبدعة الخلاقة. ورحلتي إلى الولايات المتحدة تتنزل في إطار التجدّد وتقصّي موسيقات أخرى قد تدفعني لأعمال غير متوقّعة. وفي حقيقة الأمر، هذا ما اكتشفته هناك وإصداراتي القادمة ستكون مطبوعة بهذه الرحلة.
- لماذا نيويورك تحديدًا وماذا وجدت في هذه المدينة؟
نيويورك هي أوسع فضاء للحرية في العالم، فهي الوحيدة القادرة على احتواء كل الثقافات والحضارات دون تذمر تلمحه في عينيها. إنها مدينة الفنون والمعارف بامتياز، ومن رحمها تعرفنا على الكاتب الساخر هنري ميلر والسينمائي وودي آلان والشاعر والت ويتمان والمغني ريتشي هافينز. نجد فيها أشهر الجامعات مثل جامعة كولومبيا وجامعة نيويورك، وبها أيضًا معالم تاريخية مثل تمثال الحرية وجسر بروكلين ومتاحف للفنون الحديثة والمعاصرة.
آمال المثلوثي: رحلتي إلى الولايات المتحدة تتنزل في إطار التجدّد وتقصّي موسيقات أخرى قد تدفعني لأعمال غير متوقّعة وإصداراتي القادمة ستكون مطبوعة بهذه الرحلة
نيويورك مدينة جاذبة وغير طاردة، لها قدرة عجيبة على تبنّي الوافدين عليها والحنوّ عليهم كأمّ. أما أجمل ما تراه عين في هذه المدينة هو طبيعتها الساحرة فسكان نيويورك يفاخرون بالسنترال بارك وبالمحميات الطبيعية القريبة من المدينة. ولا أخفيكم أنني تعرّفت إلى موسيقيين، وبدأت في الاشتغال على بعض المشاريع التي ستكون مفاجأة للمتابعين لأعمالي.
- هل يعني ذلك أنك ابتعدت تمامًا عن بلدك؟
أبدًا. أنا تونس في نيويورك بكل ما تحمله الكلمة من معاني.
- لنعد قليلًا إلى حفل تسلّم تونس جائزة نوبل للسلام سنة 2015، انتقد بعض التونسيين حضورك وتمثيلك الموسيقى التونسية. كيف قرأت هذا النقد؟
أنا حضرت هذه الاحتفالية الكونية كوجه جديد طبع تلك الأيام الأولى للثورة، لقد كنت خلال هذا الحفل بمثابة الصدى الفني الخافت لذاك الحراك الشعبي العفوي الذي منح هذا الوطن حريته أواخر 2010 وبدايات 2011 ومكنه من نوبل للسلام.
هناك من قرأ حضوري في حفل نوبل قراءة سياسية، وهناك من قرأه قراءة أيديولوجية كما شاع الحديث عن إقصاء وجوه أخرى هي أجدر مني. أقول لهؤلاء: لكم حرية القراءة وحرية الانتقاد وحرية إبداء الرأي، لكن أعتقد أنني كنت صادقة مع نفسي، وكنت خلال ذاك الحفل صورة جديدة للموسيقى التونسية ومثّلت بلدي أحسن تمثيل.
اقرأ/ي أيضًا: الفنان التشكيلي لمجد النّوري: الحروفية أعادت الرّوح لسبّورات المدارس (حوار)
- هل مازالت تحافظين على المنحى النضالي وتلك الروح الثورية في موسيقاك؟ وهل مازلت تطربك كلمات من قبيل "مطربة الثورة" و"مطربة الربيع العربي"؟
الالتزام بقضايا الشعب وبتفاصيله وحياته اليومية وأحاسيسه، والالتزام بقضايا الانسان أينما كان على قاعدة الحرية هو المبدأ العام الذي تنبني عليه مشاريعي الإبداعية، والالبومات التي أصدرتها تباعًا منذ 2005 إلى اليوم شاهدة على قولي.
أملك مفهومًا خاصًا للنضال وهو المثابرة على نهج الابداع والاجتهاد في ذلك بصدق وعمق. أمّا المفهوم البسيط للنضال، فأنا أمقته ولا يعنيني ولا أريد لأحد أن يوثّقني به.
آمال المثلوثي: أملك مفهومًا خاصًا للنضال وهو المثابرة على نهج الإبداع والاجتهاد في ذلك بصدق وعمق أمّا المفهوم البسيط للنضال، فأنا أمقته ولا يعنيني ولا أريد لأحد أن يوثّقني به
- الثورة التونسية هل لا تزال متوهجة كما غنيتها في شتاء 2011؟
نعم مازالت متوهّجة ومهجتها مزدحمة وحدائقها موفورة الزهور. يجب علينا كتونسيين ألاّ نبخس أنفسنا تلك المشاعر الرائعة التي عاشها الشعب التونسي، فالثورة سلوك ووعي وحرية، واستمرارها يتطلب بعض المكابدة والمثابرة. وفي اعتقادي هذا ما نحن عليه اليوم.
- المخزون الموسيقي التونسي يبدو أنه مغر بالنسبة لك وقد لاحظنا أنفاسه مبثوثة في العديد من أغانيك وألبوماتك. لو توضحي شكل هذه العلاقة؟ وهل هناك نية للتعامل مع موسيقيين أو مؤسسات موسيقية تونسية؟ .
طبعًا أنا أنهل من مخزوني الحضاري والفني، فالجملة الموسيقية التونسية لا تفارقني. وهي تقريبًا الأرض المنطلق حتي وإن كان ذلك بطريقة لاشعورية، لكن التعامل مع هذا التراث الثري يتطلب العديد من المحاذير فقد تجد نفسك سجينًا له، أو مكررًا إياه بطريقة هجينة أو مفسدًا له. وبالتالي، المسألة ليست بالأمر الهين.
[[{"fid":"102005","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":500,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]
أنا تونس في نيويورك بكل ما تحمله الكلمة من معاني (آمال المثلوثي)
وبالنسبة لتعاملي بشكل واضح مع مؤسسات أو موسيقيين أو شعراء، فأنا منفتحة على الاقتراحات الجادة. وحاليًا، أنا أفكر في الاشتغال على حقبة موسيقية لطالما أغرتني وهي فترة النصف الأول من القرن العشرين التي تميزت بحرية الابداع وتنوع المادة الموسيقية وخاصة فنّ "المونولوغ". وسأفرد للشيخ العفريت، الذي أعتبره من أقطاب الموسيقى التونسية في تلك المرحلة، مساحة خاصة في عملي القادم.
- خلال حفلك الأخير بمدينة الثقافة بمناسبة أيّام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري، لاحظنا ميلك لموسيقى التكنو ولتقنيات التصوير السينمائي تقريبًا في أغلب الاغاني التي اقترحتها. هل هذا صحيح؟
نعم. أنا أميل كثيرًا للتجديد والبحث سواءً في مستوى الموسيقى المقترحة أو في مستوى إخراج الحفل. فالعروض الآن تتقاطع فيها فنونًا أخرى كالتصوير والموضة والمسرح والرقص، لقد تغيرت مفاهيم العرض والتّلقي وزالت الجدارن بين الفنون.
- راج في الآونة الاخيرة أنك قد تقتحمين مجال السينما، ما مدى صحة ذلك؟
(مبتسمة) هناك عدّة عروض لعل أبرزها دور الفنانة الكبيرة صليحة في شريط وثائقي.
- كيف تنظرين للوضع الثقافي في تونس؟
الثورة الثقافية لم تتحقق بعد في تونس. هناك حريات، وأفكار جميلة وشباب يتقد حيوية، لكن الإرادة السياسية غائبة، وكذلك التصور والبدائل. ولذلك نجد نفس التمشي الثقافي يهيمن على البلد.
آمال المثلوثي: تلقيت عروضًا في مجال السينما لعل أبرزها دور الفنانة الكبيرة صليحة في شريط وثائقي
- هل من توصيف للوضع السياسي في تونس؟ وهل يمكن تحميل السياسي الصعوبات اجتماعية التي يعيشها التونسيون؟
السياسيون في تونس مازالوا يتهجّون الديمقراطية، وقد أغرتهم لعبة السلطة والكراسي، وهو ما أدى إلى هذه الوضعية المتدهورة. وقد أدى هذا التدهور بدوره إلى انتشار ثقافة الرداءة والتسطيح والاقصاء والتناحر الحزبي.
ولكن في اعتقادي، يمكن أن ننظر للواقع السياسي التونسي نظرة تفاؤلية، يمكن القول إن هذا الاعتمال القائم الآن قد يؤدي في قادم الأيام إلى مناخ ديمقراطي سليم.
- كيف يمكن، وفق تقديرك، إصلاح الوضع السياسي في تونس؟
"ساهل برشة". فسح المجال للشباب والإعلاء من الشأن الثقافي والفني.
[[{"fid":"102023","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"مراسل \"ألترا تونس\" مع الفنانة آمال المثلوثي","field_file_image_title_text[und][0][value]":"مراسل \"ألترا تونس\" مع الفنانة آمال المثلوثي"},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"مراسل \"ألترا تونس\" مع الفنانة آمال المثلوثي","field_file_image_title_text[und][0][value]":"مراسل \"ألترا تونس\" مع الفنانة آمال المثلوثي"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"مراسل \"ألترا تونس\" مع الفنانة آمال المثلوثي","title":"مراسل \"ألترا تونس\" مع الفنانة آمال المثلوثي","height":443,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
مراسل "ألترا تونس" مع الفنانة آمال المثلوثي
اقرأ/ي أيضًا:
النّحات حافظ المساهلي: السياسة الثّقافية في تونس لم تتغيّر وأنا أباغت جماليًا
المختصة في تصميم الصورة ريم الزياني: الصورة نمرود تلخّص الواقع وتختصر الزمن