24-أبريل-2023
 محمد الحامدي

محمد الحامدي: "أرى مسارًا يذكرنا ببداية تسعينيات القرن الماضي في تونس"

 

اعتبر الوزير الأسبق والقيادي المستقيل من التيار الديمقراطي محمد الحامدي أن تونس تتجه نحو مسار دكتاتوري تسلطي وأن مطبات مرحلة الانتقال الديمقراطي لا تبرر العودة إلى مربع الاستبداد، مشيرًا إلى أن السلطة الحالية بكل صلاحياتها لم تغيّر الواقع الاقتصادي والاجتماعي بل هي بصدد الانحدار به بسرعة صاروخية نحو الهاوية وأن خطاب السيادة الوطنية المنتهج من قبلها يتطلب شروطًا أولها وجود جبهة وطنية موحدة.

هذه المواضيع وغيرها يتناولها "الترا تونس" بالتحليل والتعليق والنقاش في الحوار التالي:


 

  • قررت السلطات منع الاجتماعات بمقرات حركة النهضة وغلقها استنادًا إلى المرسوم المتعلق بحالة الطوارئ.. كيف تقرؤون هذه الإجراءات؟

هذه القرارات تدخل في إطار التوجه إلى الحكم التسلطي الانفرادي وتضييق مربعات الحرية وتضييق عمل المعارضة وذلك بالاستناد إلى مرسوم 1978 الذي جاء في إطار ضرب اتحاد الشغل حينها وضرب الإضراب العام وقيس سعيّد قبل أن يصبح رئيسًا اعتبر أن ذات المرسوم ليس دستوريًا وانتقده والمرحوم الباجي قايد السبسي لم يستعمله.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": التوجه واضح ولن يقتصر الأمر على غلق مقرات النهضة بل سيطال كل الأحزاب المعارضة ومكونات المجتمع المدني وكل صوت مخالف ومغاير ولا يصطف إلى جانب السلطة

وفي الحقيقة التوجه واضح ولن يقتصر الأمر على مقرات حركة النهضة بل سيطال كل الأحزاب المعارضة ومكونات المجتمع المدني وكل صوت مخالف ومغاير ولا يصطف إلى جانب سلطة الأمر الواقع.

 

 

  • لماذا لم يُراجع مرسوم الطوارئ ولم يتم إلغاؤه خلال العشرية الماضية؟

هذه حجة متهافتة لأنها تذكرني بحجة المحكمة الدستوريةوالقول حينها "طالما مر عام ولم تؤسس فلا داعي لإرسائها"، هذه مغالطة وتعمية على المبدأ.. فالمبدأ أن هذا المرسوم غير دستوري ويضرب مبدأ الحرية، قانون جاء في حالة استثنائية فإلى متى سنظل تحت حالة الطوارئ؟

حتى بمنطق أجندة قيس سعيّد، فقد تم إرساء برلمان ودستور فهل سنبقى دائمًا في حالة الاستثناء؟ فإذا كان هناك تقصير في إلغائه سابقًا أو لأن التوازنات السياسية كانت تطمئن الناس..، فهناك عدد كبير من  القوانين المهجورة والتي يجب أن تتغيّر، وهي التي إذا كان السياق ديمقراطيًا لا يقع استعمالها وفي السياقات الاستبدادية يقع اللجوء إليها للأسف.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": هناك انقلاب دستوري على مسار ديمقراطي وهناك توجه نحو حكم انفرادي تسلطي أما الباقي فتفاصيل..

لذلك فإن المسألة ليست إشكالًا قانونيًا إجرائيًا بل هي مسألة سياسية: فهناك انقلاب دستوري على مسار ديمقراطي وهناك توجه نحو حكم انفرادي تسلطي أما الباقي فتفاصيل..

  • تم اعتقال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وأصدرت في حقه بطاقة إيداع بالسجن.. ما رأيك في التهمة التي وجهت إليه وهي تصريح في حلقة نقاش لجبهة الخلاص الوطني؟

أولًا من المفروض أن تخرج النيابة العمومية وتقدم بيانًا واضحًا أما العودة إلى "مصدر مسؤول" فهذا أمر غير مقبول وهو ما حدث مع المعتقلين السياسيين في قضية التآمر، فبعد أكثر من شهرين، لم تخرج النيابة العمومية ولم تخبرنا أسباب اعتقالهم، ملفات فارغة وتحريض سياسي بالجملة وعدم احترام لإجراءات وشروط التقاضي العادل.

في نهاية الأمر، السياق واضح..استهداف المعارضين والأصوات المغايرة، تجريم العمل السياسي، ونحن نرى تجريم الاجتماعات وسنذهب إلى حل الأحزاب واستهداف منظمات المجتمع المدني.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": من يتصور أنه اليوم غير معني فإن الدور سيأتي عليه.. أرى ما يذكرني بالتسعينيات وبعد سنتين حينها عرفا شيءًا من الانفتاح، تم التوجه لتصفية الخصوم والمعارضين

وكل طرف يتصور أنه اليوم غير معني فإن الدور سيأتي عليه وأنا في الحقيقة أرى مسارات تذكرني بالتسعينيات وبداية توجه زين العابدين بن علي فبعد سنتين أظهر فيهما نوعًا من الانفتاح لكنه توجه لتصفية خصومه ومعارضيه لاحقًا.

 

 

  • التوجه إلى السفارات وعقد جلسات مع دبلوماسيين من أجل إسقاط السلطة السياسية أ ليس هذا تخابرًا مع الأجنبي وتآمرًا على أمن الدولة؟

لا... السلطة القائمة كما في أيام بن علي تريد أن تحتكر العلاقة بالخارج. تذهب للخارج فتشتم معارضيهاوتقول ما تريد أما المعارضون فعندما يتصلون أو يتصل بهم ديلوماسيون في العلن وخلال اجتماعات مصورة وموثقة يصبح الأمر تخابرًا.

وهنا أسال السلطة التي تعتبر اللقاء بالسفراء الأوروبيين والأمريكيين تخابرًا، عليها أن تعلمنا بوضوح هل هي تصنف هذه الدول دولًا أعداء؟؟ هل نحن في حالة عداء مع هذه الدول الغربية وحالة حرب؟

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": النيابة العمومية نزهت السفراء عن التآمر ... كيف تنزه طرفًا وتجرم الطرف الآخر؟؟ فطالما برأت الأجانب فعليك أن تبرئ التونسيين

من جانب آخر، النيابة العمومية خرجت لتقول موقفًا سياسيًا ونزهت السفراء عن التآمر ... كيف تنزه طرفًا وتجرم الطرف الآخر؟؟ فطالما برأت الأجانب فعليك أن تبرئ التونسيين، ثم إن عبارة التخابر مع جهات أجنبية تحيلنا على طابع أمني عسكري: إفشاء معلومات سرية مثلًا لكن  في قضية الحال فإن أحدهم شرب قهوة مع سفير وآخر جلس في منزله مع موظف في سفارة.

وعلى فكرة أغلب السفراء الذين يتهمون المعارضة بالتخابر معهم هم مساندون لمسار قيس سعيّد، هذه الأنظمة الغربية في نفاقها وريائها مطبّعة مع الأنظمة الاستبدادية، المهم أن مصالحها محفوظة والمهم لديها أن نكون حارسًا على الحدود الجنوبية لأوروبا. هل نحن نعول عليهم ليأتوا لنا بالديمقراطية؟ هم عادة مع من كانت بيده مقاليد السلطة لنتذكر أن الفرنسيين قالوا لبن علي في آخر لحظات سقوطه: "مستعدون  لمدك بالغاز المسيل للدموع".

  • قيس سعيّد قال مرارًا إن بعض السياسيين كانوا يأتون إليه، يطالبون بغلق مجلس النواب وباعتقال هذا الطرف أو ذاك، أ لا ترى أن الطبقة السياسية كانت في حالة عبث وساهمت في ما حدث ويحدث اليوم؟

أكيد أخطأ السياسيون في تقديرات وهناك أعطاب في المسار الديمقراطي سهلت الانقلاب هذا لا شك فيه، كما أن جزءًا من الناس خرجوا مستبشرين وساندوا مسار 25 جويلية "ليس حبًا في علي ولكن كرهًا في معاوية"، فهم لا يعرفون القادم لكنهم كفروا بالمشاهد السيئة التي شاهدوها في البرلمان وغيره.. لكن تلك المشاهد السيئة، قيس سعيّد هو جزء منها أيضًا فحكومة المشيشي مثلًا والتي بلغت الأمور فيها قمة العبث، من عيّنه وعيّنها؟؟؟  إنه قيس سعيّد.

ثم إن الساحة السياسية مفتوحة وإذا كان هناك من دعا جهرًا أو سرًا لحل البرلمان وهي آراء موجودة لكنها شاذة غير منتشرة في الساحة السياسية فهل كل رأي يطرح يكون مبررًا للانقلاب على الدستور؟ مبررًا لحل البرلمان؟ مبررًا لإلغاء مسار ديمقراطي انتقالي تشاركي وبداية مسار انفرادي؟

هذا مجرد بحث عن الذرائع علمًا وأن هناك من قابل أيضًا الرئيس وقالوا له إن ما حدث غير معقول وغير مقبول وهو الآن يستهدفهم.. يعني سعيّد استمع إلى أصوات توافق هوى في نفسه لكن لم يسمع معارضيه وهم يلاحقون اليوم لهذه الأسباب.

  • هل قدمت المعارضة بدائل للشعب التونسي؟ هل هي قادرة اليوم على إقناعه بأن ما تطرحه سيكون أفضل؟

نشاط المعارضة لا يخلو من تقصير وقاموا بأخطاء سياسية وكنت دائما أقول إن الانتقال الديمقراطي من أخطر ما يتهدده  هو عدم القدرة على الإنجاز على المستوى الاقتصادي والاجتماعي  هذا  ما جعل الناس تشعر بأن الديمقراطية خارج مشاغلها وشعروا إنها لا تعنيهم بل تعني السياسيين فقط.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس":  المعارضة منذ  25 جويلية 2021 وإلى الآن وجدت نفسها  في مربع الدفاع عن الحريات فللأسف تراجعنا إلى مربع الدفاع عن حق التظاهر  وعن المحاكمة العادلة وعن حقوق الإنسان

لكن المعارضة منذ  25 جويلية 2021 وإلى الآن وجدت نفسها  في مربع الدفاع عن الحريات فللأسف تراجعنا إلى مربع الدفاع عن حق التظاهر  وعن المحاكمة العادلة وعن حقوق الإنسان وهو ما لا يمكن أن يعطيها فرصة لتطرح بديلًا اقتصاديًا واجتماعيًا.

في المقابل، نحن الآن لدينا سلطة لها صلاحيات إمبراطورية: لا رقابة ولا سلطة مضادة وتحكم منذ أكثر من  سنتين كما تشاء.. فماذا أصلحت مما أفسدته عشرية الانتقال الديمقراطي؟ هل تحسن الوضع الاقتصادي؟ هل تغيرّت المؤشرات؟؟ أم هي  تنحدر بسرعة صاروخية إلى الأسفل؟ نحن في بلد على شفا الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، فإذا لم نتحصل على قرض من صندوق النقد الدولي الذي نشتمه ونرفض إملاءاته وفي الوقت نفسه نذهب إليه ونريد القرض فإن بلادنا ستختنق ماليًا واقتصاديًا.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": لدينا الأن سلطة لها صلاحيات إمبراطورية: لا رقابة ولا سلطة مضادة وتحكم منذ أكثر من  سنتين كما تشاء.. فماذا أصلحت؟

ما يقع هو دفع بالبلد إلى الانهيار فمنذ أكثر من سنتين كنا ندعو أنا وغازي الشواشي والتيار الديمقراطي واتحاد الشغل إلى الحوار لأننا كنا على يقين لآخر أيام حكومة المشيشي أن  البلد في طريق خاطئ وأنه لابد من حوار وطني حقيقي  وحتى لا نتهم بأننا نبحث عن الحكم قلنا إن الحوار سيكون اقتصاديًا واجتماعيًا  لكن لم نجد من السلطة القائمة للأسف آذانا صاغية. وقتها الرئيس وحكومة المشيشي والمتشبثون بها دفعوا بقصد أو بغير قصد إلى تعفين الأوضاع  وهو ما استغله قيس سعيّد ليجرف الحياة السياسية وليعيد بناء المشهد السياسي وفق تصوراته.

 

 

  • اتحاد الشغل لا يزال يصر على الحوار رغم أن الرئيس أعلن صراحة رفضه له.. ما رأيكم؟

الإصرار على الحوار في المطلق أمر مطلوب لأنه جوهر السياسة وإدارة الشأن العام وخارج الحوار لا يوجد إلا المواجهة والعنف لكن إذا كان المقصود الحوار مع السلطة القائمة فهو رد في أكثر من مناسبة لا فقط بالرفض بل بما يؤكد توجهاته فقد بدأ في استهداف النقابيين وبدأت محاكماتهم، كما ان هناك استهدافًا واضحًا من كتائب وميليشيا افتراضية لاتحاد الشغل ومكتبه التنفيذي وأمينه العام.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": أعتقد أن الاتحاد يتصور أن بإمكانه تجنب المواجهة المباشرة لكن هذه السلطة ستدفعه في اللحظة التي تقررها إليها

وفي الحقيقة، أنا أحياناً أحتار ما الذي ينتظره الأصدقاء في اتحاد الشغل وأنا نقابي سابق... وأعتقد أن الاتحاد يتصور أنه بإمكانه تجنب المواجهة المباشرة لكن هذه السلطة ستدفعه في اللحظة التي تقررها إلى المواجهة.

  • صرحتم في وقت سابق بأن سعيّد أتى بجرافة وهدم كل المؤسسات، أ لم يكن النظام السياسي مثلاً سببًا في أزمة البلاد وكان يجب تغييره مثلًا؟

أنا لا أعتقد أن النظام السياسي كان يمثل أزمة جوهرية لكن على افتراض أننا عندما باشرنا تطبيق الدستور اتضحت بعض الإخلالات وليكن فهذا نص بشري وقابل للتعديل، لكن  أولًا هذا النظام الدستوري لم يكتمل فنحن نتحدث عن نظام دون المحكمة الدستورية وهي لا تزال إلى الآن "مفقودة".

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": إذا كان من الضروري تغيير الدستور والنظام السياسي فذلك يتم وفق آليات ديمقراطية ودستورية فهل يعقل أن يكتب شخص واحد الدستور؟

إذا كان من الضروري تغيير الدستور والنظام السياسي فذلك يتم وفق آليات ديمقراطية ودستورية فهل يعقل أن يكتب شخص واحد الدستور؟ فروح الدساتير أن تكتبها الشعوب من خلال ممثليها، من خلال نوابها، من خلال نقاش المجتمع المدني أو من خلال النقاش العام والصراعات والتسويات حتى يستبطنه الشعب ويصبح فعلاً معبرًا عن روحه.. لكن هنا لم يقع  ذلك بل كتبه قيس سعيّد.

فهل يعقل أن كل الدساتير في العالم جوهرها تقييد الحاكم وتقييد سلطته لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ولأن السلطة بطبعها تنزع إلى الاستبداد ما لم تكن هناك ضوابط ورقابة وسلطة مضادة، بينما الدستور الجديد جوهره هو إطلاق يد الحاكم وإعطاء صلاحيات إمبراطورية؟؟ فحتى إذا كنا نريد الإصلاح فما يقع الآن إفساد للعملية الديمقراطية وردة وعودة إلى الوراء وهي عودة إلى مناخات الاستبداد والحكم الفردي الكريهة التي كان يفترض أننا غادرناها وحتى إذا كنا نريد إصلاح أعطاب الديمقراطية فلا يمكن إصلاحها إلا بمزيد من الديمقراطية ولا بديل عن الحرية إلا بمزيد من الحرية.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": ما يقع الآن إفساد للعملية الديمقراطية وردة وعودة إلى الوراء وهي عودة إلى مناخات الاستبداد والحكم الفردي الكريهة التي كان يفترض أننا غادرناها

فإصلاح الديمقراطية ليست بإلغائها، والتقصير والتعثر في النظام الديمقراطي ليس مبررًا للعودة إلى ما هو دون النظام الديمقراطي، حتى مع اكتشاف حدود التمثيلية الديمقراطية  فالتوجه لم يكن إلغاؤها والعودة إلى أنظمة القرون الوسطى بل التوجه لدعم التمثيلية الديمقراطية بما يسمى بالديمقراطية التشاركية يعني لا بد أن نسير إلى الأمام لا أن نعود إلى الوراء.

 

 

  • أنصار سعيّد يرون أنه في معركة سيادة وطنية وأن لا أحد قبله نجح في الوقوف أمام إملاءات صندوق النقد الدولي فلماذا تنكرون عليه هذه المعركة؟

أين السيادة الوطنية؟ ونحن نعمل حرس حدود لدى الجانب الإيطالي؟ نقوم بترحيل الآلاف ونسكت على التجاوزات بحق شبابنا الذي دفعته الظروف السيئة للهجرة والبعض يتحدث عن تنسيق استخباراتي وربما حتى تواجد أمني إيطالي على الأراضي و المياه الإقليمية التونسية.

السلطة استمعت لإملاءات صندوق النقد الدولي وخضعت له فميزانية 2023 فيها رفع جزئي  للدعم أ ليس هذا خضوعًا لصندوق النقد الدولي؟ ثم إن أول شروط السيادة الوطنية هو أن تكون لديك جبهة داخلية متماسكة ورأي عام ديمقراطي يحميك ويقويك في التفاوض مع الأطراف الأجنبية لكن بينما أنت تذهب منفردًا وبجبهة داخلية قسمتها بنفسك بين صادقين ومتآمرين وتروج لخطاب تحريضي على معارضيك وعلى خصومك، فما الذي يمكن أن يشكل نقطة قوة في موقفنا التفاوضي مع المؤسسات المالية والمانحة؟ بخلاف أننا نحذرهم بأن انهيار تونس سيؤدي إلى جحافل من الهجرة السرية قد تتضمن مجموعات إرهابية.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": إذا كانت شروط "خطاب السيادة" منعدمة، يصبح خطابًا كاذبًا وإنشائيًا الغاية منه تعبئة الأنصار وتخوين المنافسين والخصوم لا غير، فلست أرى ممارسة سيادية حقيقية بل أرى خطابًا سيادويًا يخفي عكسه

على الأقل في السنوات الماضية كنا نسوّق للنموذج الديمقراطي ونستثمر فيه ونقول إننا الاستثناء في المنطقة ولا بد أن تدعمونا لكي لا تبقى المنطقة خارج السياق الديمقراطي الحديث.

اليوم نسوّق فقط باللعب على مخاوف الأوروبيين والأمريكان ذات الطابع الأمني ليس لنا ما يمكن أن ندعم به موقفنا.. إذا شروط "خطاب السيادة" منعدمة يصبح خطابًا كاذبًا وإنشائيًا الغاية منه تعبئة الأنصار وتخوين المنافسين والخصوم لا غير، فلست أرى ممارسة سيادية حقيقية بل أرى خطابًا سيادويًا يخفي عكسه.

  • لماذا استقلت من حزب التيار الديمقراطي؟

أنا قلتها مرارًا، الأحزاب هي أدوات لممارسة قناعات ولخدمة الصالح العام وللمشاركة في إدارة البلاد فإذا لم تعد هذه الأدوات تعكس القناعات أو تحققها بالكيفية الناجعة فيصبح الانتقال من حزب إلى آخر أو عدم الانتماء الحزبي هو مبرر وهذا ما وقع معي.

فأنا انتميت سنة 2017 إلى التيار الديمقراطي واعتقدت أنه لا بد من المراهنة على حزب قادر على أن يوحد العائلة الاجتماعية الديمقراطية وقادر على طرح التمفصل الواضح بين الديمقراطية في جانبها السياسي والعدالة الاجتماعية في جانبها الاقتصادي والاجتماعي.

وتصورت أن التيار  يدفع في هذا الاتجاه ودفعنا في هذا الاتجاه ما أمكن إلى أن بلغت التجربة حدودها فلم تتواصل عملية التوحيد واقتصر على التيار الديمقراطي والتحالف الديمقراطي وأنا ومجموعة من الأصدقاء كنا نطمح إلى بناء حزب ديمقراطي واجتماعي كبير لكن للأسف هذا لم يتحقق.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": رغم أن الآراء تقاربت في التيار الديمقراطي بعد المرسوم 117 إلا أن الإشكال بقي في مسألة الانفتاح والتنسيق والتفاعل مع الأطراف الأخرى في مواجهة الاستبداد

كما حدثت إشكاليات في تقييم تجربة الدخول للحكومة والخروج منها وآدائنا فيها ثم حدث خلاف في تقييم اللحظة الأولى لـ25جويلية بين مجموعة كنت أنا واحدًا منهم اعتبرت الأمر انحرافًا بالبلاد ومجموعة أخرى رأت فيه فرصة ثم تغيّرت الأمور بعد المرسوم 117.

ورغم أن الآراء تقاربت في التيار  بعد المرسوم 117 إلا أن الإشكال بقي في مسألة الانفتاح والتنسيق والتفاعل مع الأطراف الأخرى في مواجهة الاستبداد بعد أن أقر  الحزب بأننا دخلنا في مرحلة الاستبداد وهو حزب ديمقراطي عليه أن يدخل في مقاومتها وهذا يتطلب قابلية التحالف مع كل من يشتركون معه في هذا الهدف. لكن لم يكن الأمر محل اتفاق فقررت أنا والأستاذ غازي الشواشي ومجموعة من الأصدقاء تقديم استقالاتنا وغادرنا.

 

 

  • بتقديم استقالاتكم ومغادرتكم الأحزاب أ لا تساهمون في القضاء عليها وتثبتون أن التنظم الحزبي انتهى؟

في الحقيقة هذا الكلام فيه جانب صحيح وربما حتى يسهل على السلطة مواجهتنا والانفراد بنا ليس فقط إضعاف الأحزاب لكن رغم استقالتنا فلم نصرح يومًا أننا ضد التحزب أو أن الحياة الحزبية انتهت بالعكس نحن نشجع الناس على التحزب وبصدد الدفاع عن هذه الأحزاب.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": من المهم الآن تشكيل لجنة إسناد ودعم واسعة ووازنة للمعتقلين السياسيين لأنها تسمح حتى بتجاوز الاختلاف بين الأحزاب في مواقفها

غير أن المسألة خيار طالما أن الشخص لم يعد يجد في الأداة التنظيمية قدرة على أن تحقق أهدافها فعليه أن يغادر رغم أن الحياة السياسية فيها إكراهات ومنغصات.. لكن يمكن أن نفكر في مشروع جديد أو نلتحق بمشروع موجود بل أعتقد أن على كل القوى الحية السياسية والمدنية والنقابية أن تبحث عن آليات لتشبيك العمل وتنظيمه من أجل استعادة النظام الديمقراطي.

فإذا أردنا أن تخرج بلدنا من حالة التخلف السياسي وتلتحق بركب الحداثة السياسية الحل هو الديمقراطية وكل الشرعيات التقليدية انتهت ولم تبق إلا شرعية إرادة الناس واختيار الناس وشرعية الصندوق، فمثلًا من المهم الآن تشكيل لجنة إسناد ودعم واسعة ووازنة للمعتقلين السياسيين لأنها تسمح حتى بتجاوز الاختلاف بين الأحزاب في مواقفها.

فإمكاننا أن نتفق جميعًا على رفض الاعتقال على خلفية سياسية وكلنا متفقون على أن هؤلاء الذين اعتقلوا في هذا السياق اعتقلوا مع عدم احترام الإجراءات وشروط المحاكمة العادلة وفي غياب قضاء مستقل.

محمد الحامدي لـ"الترا تونس": هذه بلادنا ولن نتخلى عنها وسندافع عنها نحن نريدها دولة عصرية محكومة بنظام ديمقراطي وحوكمة رشيدة ونطالب أن نكون مواطنين لا رعايا

وإن كنا وللأسف عدنا إلى مربع الاستبداد لكن من حسن الحظ لدينا أناس لديهم خبرة في مقاومة الاستبداد ولديهم خبرة في العمل رغم التضييق وعليهم أن يستثمروا خبرتهم في ما يخدم البلاد.

ففي نهاية الأمر هذه بلادنا ولن نتخلى عنها وسندافع عنها نحن نريدها دولة عصرية محكومة بنظام ديمقراطي وحوكمة رشيدة ونطالب أن نكون مواطنين لا رعايا وهو شعار تم رفعه في الخمسينيات ورفعناه في الحزب  الديمقراطي التقدمي سنة 2006 وها نحن نعود في 2023 للمطالبة به.