تبدأ رحلة ليالي تونس الصيفية في مسارح الهواء الطلق القديمة من قرطاج ودقة والجم وسفيطلة. قائمة المسارح طويلة، وفي مدن عديدة صغيرة وكبيرة، وحتى في أوساع الريف يتم إحياء خارطة الأسلاف ومنشآت الترفيه التي أقاموها.
هنا تقام سهرات المهرجانات وتخرج الأسر للفسحة وشم النسيم. وفي هذه المسارح يشاهد سمار الليالي فنونًا معاصرة وأخرى قديمة، على خشبة تلالأ فيها الأضواء.. سينما، ومسرح، وقراءات شعرية، وعزف موسيقي، ولوحات راقصة، وسائر فنون الفرجة.
ألغت عدة فرق موسيقية ومسرحية عروضها في تونس هذا العام بسبب ضربات الإرهاب
يستحوذ مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين على أهم العروض الفنية، خلال موسم الهروب من الفضاءات المغلقة. هذان المهرجانان اكتسبا شهرة واسعة، واعتلى خشبتهما أشهر نجوم الفكر والفن والثقافة. قرطاج مسرح روماني أزيل عنه غبار التاريخ وتم ترميمه، بينما مسرح الحمامات تصميم معماري معاصر رأى النور بعد استقلال تونس مباشرة.
ميزة هامة يتسم بها قرطاج والحمامات أن خشبة العروض تنتصب في أمكنة متاخمة للبحر. عندما يهدأ صوت العزف أو الإلقاء على الخشبة، يمكن أن تستمع بوضوح إلى ضجة الأمواج تتكسر على ضفاف الأبيض المتوسط. وحتى فوق المسارح في المدن الداخلية، في عمق اليابسة، تكون العروض مرشوشة بأنفاس الحلم والتطلع إلى الحياة. ولذلك نشأت المسارح لدى الإغريق والرومان فنَ تطهر وحفل ممارسة لمتعة الحياة.
في هذه السنة، يبلغ المهرجانان التوأمان دورتهما الـ51، وقد انطلقت الحفلات في بداية شهر تموز/يوليو وتستمر إلى آخر شهر آب/أغسطس. يسجل مهرجان قرطاج ككل سنة حضور نجوم عربية وأخرى غربية، إضافة إلى فناني تونس.
هذه الدورة يحيي حفلاتها مثلا محمد عساف من فلسطين، ووائل الكفوري من لبنان، ونور مهنا من سوريا، وأمال ماهر من مصر، وأومو سنغاري من مالي، وعمر فاروق من تركيا.
في المقابل، يكاد ينفرد "مهرجان الحمامات" بصفة مميزة، ألا وهي تكثيف عروض المسرح، إضافة إلى العروض الغنائية، ويشاهد الجمهور هذه السنة أحدث العروض المنتجة في تونس على غرار مسرحيات "الله ينصر سيدينا" لـ عبد الغني طارة، و"بلاتو" لـغازي الزغباني، و"سلوان" لـ ليلى طوبال.
كما تشهد تونس كل صائفة تنظيم مهرجانات متخصصة في عدة أصناف موسيقية، من قبيل الموسيقى السمفونية الذي تحتضنه مدينة الجم في الساحل، والموسيقى الأندلسية والمالوف بمدينة تستور، وموسيقى الجاز في طبرقة. وقد تتعطل بعض هذه المهرجانات، أو يكون حضور الجمهور فيها خجولاً، وذلك بسبب ضعف موارد التمويل، أو بسبب الأوضاع الأمنية التي تعيشها البلاد. على سبيل المثال ألغت هذا الصيف عدة فرق عروضها في مهرجانات تونس، جراء تداعيات الهجوم المسلح على متحف باردو، والأحداث الدامية لمدينة سوسة التي طالت منتجعات سياحية.
من جهة أخرى، من المنتظر أن تنطلق قريبًا سلسلة من المهرجانات السينمائية في عدة مدن تونسية، لعل أشهرها على الإطلاق مهرجان قليبية لسينما الهواة، وملتقى هرقلة السينمائي. وتسجل هذه التظاهرات إقبالًا كبيرًا لمحبي لفن السابع، وذلك بسبب عرض أحدث الأفلام التونسية والأجنبية.