14-أبريل-2018

تعرّض رشيد الشماخي للتعذيب الشديد لمدّة 3 أيام

أعلنت هيئة الحقيقة والكرامة الجمعة 13 أفريل/نيسان 2018 أنها أحالت ملفّ الشهيد رشيد الشماخي للدائرة القضائية المختصّة في العدالة الانتقالية بنابل، وأضافت أن الملف الذي يتضمن انتهاكات القتل العمد والتعذيب المؤدي للموت، يضمّ لائحة بـ33 متهمّا بينهم وزراء سابقين.

وسبق وإن عرضت الهيئة شهادة قاسم الشماخي شقيق الشهيد في جلسة الاستماع العلنية بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

شهادة شقيق الشهيد رشيد الشماخي - جلسة الاستماع العلنية 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2016

من هو رشيد الشماخي؟

ولد رشيد الشماخي ولد بتاريخ 5 مارس/آذار 1963 بمدينة سليمان بنابل، وكان متزوجًا، وتاجرًا. نشط بحركة النهضة باستغلال الانفراج السياسي بعد انقلاب 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 غير أن المخلوع زين العابدين بن علي انقلب على وعوده باستفراده بالسلطة وقمعه للمعارضة، إذ انطلقت حملة استهدفت حركة النهضة منذ بداية التسعينيات بإيقاف قيادات وناشطين قاعديين، وممارسة أشنع انتهاكات حقوق الإنسان ضدهم، وهو ما أدى لمقتل عديد الضحايا بالرصاص أثناء الاحتجاجات مثل الطيب الخماسي يوم 7 سبتمبر/أيلول 1990 وصلاح الدين باباي يوم 15 جانفي/كانون الثاني 1991.

كما وقعت عمليات قتل لمعارضين تحت التعذيب داخل مراكز الأمن والسجون مثل عبد العزيز المحواشى يوم 26 أفريل/نيسان 1991 وآخرين من بينهم رشيد الشماخي الذي لفظ أنفاسه الأخيرة تحت التعذيب بمقر فرقة الأبحاث والتفتيش بنابل الحرس الوطني بنابل يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 1991.

اقرأ/ي أيضًا: انتهاكات تونس.. المقاومة مستمرّة لكشف الحقيقة ومنع الإفلات من العقاب

كيف قُتل الشماخي تحت التعذيب؟

اقتحم أعوان الحرس الوطني بنابل محل سكنى والدي رشيد الشماخي يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 1991 وذلك حوالي الحادثة عشر ليلًا، وكان ينعتون المتواجدين بالقول "إرهابيين، احنا اعطانا الزين مسدس باش نقتلوا رشيد"، وذلك وفق جذاذة الضحية التي نشرتها هيئة الحقيقة والكرامة قبل سنة ونصف. وفي ظل عدم وجود الشماخي بالمنزل، تم وضع المسدس على رأس والدته بتهديدها بالقتل واصطحاب زوجته رغمًا عنها لمركز الحرس الوطني بسليمان حيث تم تهديدها بالاغتصاب لإجبارها على ارشادهم على مكان إقامة شقيقات زوجها وأقاربه.

قامت فرقة الحرس بنابل حينما كانت تبحث عن رشيد الشماخي بتهديد زوجته بالاغتصاب كما وضعت مسدّسًا على رأس والدته مع نعت العائلة بالإرهابيين

وقد استطاع الأمن معرفة مكان اختباء الضحية وتمت مداهمة منزل شقيقته أن قبضوا عليه واقتادوه الى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش بنابل في اليوم الموالي أي 24 أكتوبر/تشرين 1991. وقد أفاد شهود، وفق هيئة الحقيقة والكرامة، أنه تم ادخال الشماخي إلى مكتب رئيس الفرقة حيث أُجبر رشيد على نزع كل ملابسه، وتم تعذيبه عبر ركله بطريقة هستيرية في انحاء متفرقة من جسمه وكانت الدماء تسيل من فمه، ثم تولوا بعد ذلك تعليقه في وضع "الدجاجة المصلية"، وتم إدخال عصا في شرج الضحية ثم تم إدخال قضية حديدي، وقد شاهد أحد الشهود عظام اليد اليسرى للهالك بارزة بسبب الضغط على القيد الحديدي وتحول لون اليد الى الزرقة الشديدة.

كانت الصورة مرعبة لأبعد الحدود، حيث تضيف رواية مقتل الشهيد أنه تم تعليقه بسقف الغرفة، وأكد الشهود أنه تم تعريضه للتعذيب الشديد مدة ثلاثة أيام متواصلة مع منع الأكل والشرب، كما كانوا ينزعون ملابسه مع تغليل يديه. وقد كان أحد الأمنيين يمسك في يده قطعة من الحديد وشد إلى طرفها خرقة سكب عليها مادة الايتير الحارق، ويدخل تلك العصا في شرج الضحية ويخرجها عديد المرات وسط تقاطر الدماء، ولكن كذلك وسط ضحك الأعوان.

تعرض رشيد الشماخي للتعذيب طيلة 3 أيام حيث تم نزع ملابسه وتغليل يديه وتعذيبة ببشاعة

وتضيف هيئة الحقيقة والكرامة أن أحد الشهود عاين إدخال نفس الأمني سلكًا في ثقب ذكر الهالك حتى يدميه وكانوا يرددون "والله لما نخصوكم"، كما شاهد عظام اليد بائنة في مكان القيد وشاهد اثار الحرق بالسجائر في أماكن مختلفة من جسم الضحية.

ويُروى أن آخر لحظات موته، توجه الشماخي إلى المرحاض حيث سقط ليتم سحبه ولفّه بغطاء ونقله إلى المستشفى الجهوي بنابل في حالة صحية متردية وتسجيله باسم مستعار هو خالد بن علي، ثم تم توجيهه الى مستشفى الطاهر المعموري أين توفي بعد أقل من 5 دقائق من وصوله يوم 27 أكتوبر/تشرين الثاني 1991.

اقرأ/ي أيضًا: مأساة العميد كردون.. لما اُغتيل شرف الجيش التونسي!

قبر القضية زمن الاستبداد

بدأت السلطة في إخفاء معالم الجريمة منذ ساعة مقتل رشيد الشماخي، إذ لم يتم إعلام عائلة الضحية بالوفاة يومها. وكان قد قام الطبيب بالمستشفى في البداية بإعداد تقرير حول الأسباب الحقيقية للوفاة. ويتحدث شقيق الضحية في شهادته أن رئيس فرقة الحرس عبد الفتاح الأديب طلب تعديل التقرير ولكن الطبيب رفض ذلك، فتم تسخير طبيب آخر انتهى بتقريره أن الضحية توفي نتيجة اصابته بمرض البوصفير (التهاب الكبد الفيروسي).

قاسم الشماخي يروي اللحظات الأخيرة لوفاة شقيقه الشهيد رشيد الشماخي والتظليل في ملفه الطبي

وقام قاضي التحقيق بعد شهر ونصف من وفاة الشماخي بحفظ قضية موضوعها القتل العمد مع سابقيه الاضمار وذلك لعدم وجود جريمة، ثم تقدم الورثة بمطلب استئناف التحقيق في القضية وانتهت برفض مطلب التتبع بتاريخ 14 جانفي/كانون الثاني 1993، ليظلّ حق الشهيد مهدورًا طيلة زمن الاستبداد، حيث تعرضت عائلته لسلسلة من التضييقات والانتهاكات ومنها طرد زوجته من العمل في الوظيفة العمومية، إضافة لمنع إخوته من الإرتزاق.

من أجل كشف الحقيقة والمحاسبة

قامت عائلة الشهيد بعد الثورة بتقديم شكاية من جديد في يوليو/تموز 2011، وتم إخراج جثة رشيد الشماخي لإعادة فحصها من جديد. وقد ورد في التقرير الطبي الصادر عن لجنة طبية متكون من ثلاثة أطباء شرعيين أن عملية الفحص تؤدي إلى القول إن أسباب الوفاة على الأرجح ناتجة عن قصور كلوي مع حبس تبول مع قصور كبدي ناتج عن افراز العضلات لمادة عضوية سامة نتيجة اعتداء.

أثبت التقرير الطبي لجثة رشيد الشماخي بعد الثورة أن وفاته كانت بسبب التعذيب وليس بسبب مرض البوصفير كما ادعى التقرير الطبي زمن الوفاة

وأصدر قاضي التحقيق في مايو/آيار 2015 قرارًا بإحالة مجموعة من الأمنيين من أجل الاعتداء بالعنف الشديد الناجم عنه الموت وإحالة مسؤولين من الدولة، ومن وزارة الداخلية لأجل المشاركة لهم في ذلك على دائرة الاتهام، ولكن يتم البت بعد في القضية.

قدمت في الأثناء عائلة الشهيد ملفًا لهيئة الحقيقة والكرامة التي قامت بعرض شهادة في جلسة استماع علنية، لما تمثله هذه القضية من مثال عن جسامة الانتهاكات زمن الاستبداد، وكأحد أبرز حالات الوفاة تحت التعذيب. وبعد التحري والتحقيق في الملف، قامت الهيئة بإحالة ملف القضية للدائرة القضائية المختصة في مجال العدالة الانتقالية بنابل من أجل محاسبة قتلته، سواء من قيادات أمنية أو مسؤولين سياسيين من بينهم وزراء الداخلية والعدل والصحة المتورطين في الانتهاكات الممنهجة والجرائم ضد الإنسانية ضد تونسيين لم يكن ذنبهم إلا أنهم رفعوا صوتهم ضد السلطة.

 

اقرا/ي أيضًا:

العدالة الانتقالية والدولة المستقيلة

شهادات ضحايا الانتهاكات بتونس.. قصص الألم والعبر