01-أغسطس-2018

يعزو البعض من أهل القطاع أسباب فقدان الدواء إلى عجز الصيدلية المركزية

أزمة نقص توفر الدواء في تونس مشكل بات يشغل الرأي العام ويؤرق المواطن التونسي بعد أن فُقدت أصناف بعض الأدوية من الصيدليات. الأمر الذي أثار مخاوف المواطنين من تفاقم ما أصبح يهدد حياتهم في ظل تواصل رحلة البحث اليومية عن الدواء المفقود دون جدوى.

يبدو أنه  قد كتب على المواطن التونسي أن يعيش على وقع أزمات متتالية نظرًا لتواصل سياسة المماطلة والتسويف وتقاعس المؤسسات الحكومية المعنية وتخاذلها وهي المسؤولة عن حماية حياة مواطنيها. فإما أن ينتظر المواطن عودة انقطاع الماء والكهرباء ويصبر، أو ينتظر الدواء المفقود حتى يغيبه الموت ويندثر. ربما هي سياسة الموت البطيء. أو ربما كتب على هذا المواطن المسكين أن يظل مثقلًا بأوجاع المرض إلى حين عودة الدواء. قد كتب عليه عناء التنقل والبحث المستمر لينجو بحياته بعد كل صراع مرير مع المرض في المستشفيات التي تشهد هي الأخرى تدهورًا ملحوظًا.

إما أن ينتظر المواطن عودة انقطاع الماء والكهرباء ويصبر، أو ينتظر الدواء المفقود حتى يغيبه الموت ويندثر

يعزو البعض من أهل القطاع أسباب فقدان الدواء إلى عجز الصيدلية المركزية باعتبارها المزوّد الوحيد للأدوية للقطاع العام والخاص، على تسديد ديونها تجاه مزوديها نظرًا لعدم حصولها على مستحقاتها المالية من المستشفيات الحكومية والصندوق الوطني للتأمين على المرض. هي أزمة مالية باتت تظهر منذ أواخر سنة 2015 تقريبًا، قد جعلت الكثير من المرضى متوجسين من فقدان الأدوية خاصة من يعانون أمراضًا مزمنة.

ويقر البعض الآخر بوجود فساد ينخر هذا القطاع، يشمل الصيدلية المركزية ومسالك التوزيع والمنتجين المحليين، وذلك وفق مجموعة من التقارير التي رفعت إلى وزارة الصحة سنة 2017.  لكن رغم صيحات الفزع ونداءات الاستغاثة التي يطلقها المواطنون كل مرة والتي تحيلنا إلى أن المسألة حياتية تتطلب تدخلًا عاجلًا إلا أن الوعود الحكومية لم ترتق إلى حد الآن إلى مستوى التطبيق.

فقد كان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد دعا مصنعي الأدوية إلى التعاقد مع الحكومة للنهوض بهذا القطاع من خلال التعهد بالتشغيل والإنتاج والتصدير مع إمكانية تزويد السوق بالكميات اللازمة من الدواء وتوفيره للمواطن بأسعار معقولة لتجاوز أزمة فقدانه. وكثيرًا ما تناهت إلى مسامعنا أيضًا تطمينات عديدة من الجهات المسؤولة الأخرى تؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من هذه الأزمة التي  قد تعمق أكثر معاناة المرضى الفقراء الذين لا سبيل أمامهم لإخماد جروحهم ومعاناتهم اليومية. لكن الأفعال تكون عكس الأقوال دائمًا.

اقرأ/ي أيضًا: الصيدلية المركزية تؤكد استعادة النسق العادي لتوريد الأدوية

تتنامى ظاهرة تهريب الأدوية في السنوات الأخيرة في تونس وتتداول أخبار عن وجود شبكات تهريب تقوم بنقل الأدوية إلى ليبيا باعتبار الأوضاع التي تعيشها

إضافة إلى تنامي ظاهرة تهريب الأدوية في السنوات الأخيرة وتداول أخبار عن وجود شبكات تهريب تقوم بنقل الأدوية إلى ليبيا باعتبار الأوضاع التي تعيشها. وقد صرح  وزير الصحة عماد الحمامي منذ أيام أن ظاهرة تهريب الأدوية تكلف الدولة التونسية خسائر تناهز 400 مليون دينار. فأي دور رقابي تنتهجه الدولة!

تداعيات وخيمة يمكن أن تنجر عن هذه الأزمة ذلك أن تهاون السلط المعنية وعدم السعي إلى اتخاذ إجراءات عملية من شأنه أن يفتح المجال للبعض للاستثمار في هذا القطاع من خلال جلب الدواء من خارج تونس وبيعها بأسعار مرتفعة ليصبح الدواء بذلك بمثابة رأسمال استثماري ذو غاية تجارية ربحية ما قد يثقل كاهل المواطن البسيط وينعكس سلبًا على الأوضاع الصحية.

ناهيك عن فتح الباب على مصراعيه أمام ظاهرة التهريب التي قد تطرح نفسها كبديل للصيدليات من خلال استغلال الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد التونسية لعرض الأدوية المهربة التي قد تودي بصحة المواطنين نظرًا لعرضها بطريقة غير قانونية وعدم معرفة مصدرها.

يظل المواطن التونسي في خضم هذه الأوضاع المزرية ينتظر لحظة انفراج ولمعة فرح وسط الرموش المبتلة بغيمة الأحزان نتيجة الأوضاع المزرية التي آلت إليها البلاد في أغلب القطاعات تقريبًا. لذلك ما لم يكن هناك وعي بخطورة هذه الأزمة وتداعياتها السلبية على حياة المواطنين، وما لم تتوفر حلول جذرية وإصلاحات هيكلية ستتعمق أزمة الأدوية المفقودة ليدفع المواطن البسيط ضريبة هذه الأوضاع المتدهورة ويكون أولى ضحاياها.

لكن يبدو أن المواطن التونسي هو الآخر قد أضاع بوصلة التفكير فكيف يفقد الدواء والحال أن وزير الصحة يخبركم أنه كلما أرسل سائقه إلى الصيدلية إلا وأحضر له الدواء. ابحثوا جيدًا.. الدواء موجود وما إذا استعصت عليكم عملية البحث اتصلوا بسائق الوزير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عمادة الأطباء تطلق "صفارة الإنذار" بسبب أزمة نقص الأدوية

نقابة أصحاب الصيدليات الخاصة: أكثر من 200 نوع من الأدوية غير متوفر