12-أكتوبر-2018

أنشطة أدبية وفنية ضمن ندوة حول رواية "دون كيشوت" للأسباني ميغل دي سرفانتاس (بيت الرواية)

لم يكن مساء العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2018 مساءً عاديًا بمدينة الثقافة بالعاصمة تونس، إذ كانت ظلال الرواية في الأرجاء تحاول التحريض على الحلم وما أحوجنا للحلم في زمننا التونسي الجديد، وأيضًا تحاول التأسيس لفعل ثقافي غير نمطي لم تتعود عليه الساحة الثقافية بعد وذلك حينما تتداخل الفنون جميعها من أجل فكرة ما.

والفكرة الحلم في ذاك المساء الثقافي الاستثنائي أينعت من "بيت الرواية"، هذا البيت الفريد الذي دعا إلى تأسيسه ويديره حاليًا الروائي والكاتب التونسي كمال الرياحي رفقة مجموعة من الشباب الحالم والخلاق مع انفتاحات واستشاريات لا حدود لها مع كتّاب ومؤسسات وإعلام ثقافي وجمعيات وشخصيات أدبية وفنية.

بيت الرواية نظم ندوة "دون كيشوت في المدينة.. ضرورة الحلم" وتضمنت أنشطة أدبية وفنية على مدى أيام في مدينة الثقافة

"بيت الرواية" طوبه من أفكار وشموعه المضيئة أحلام بلا ضفاف، ومن هذه الأحلام التي نضجت "دون كيشوت في المدينة.. ضرورة الحلم" وهو عنوان الندوة التي أطلقها بيت الرواية واحتضنتها أفنية مدينة الثقافة إلى تاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

ليست رواية "دون كيشوت" للأسباني ميغل دي سرفانتاس، رواية مطرقية هدّمت كل ما سبقها وأسست لحداثة نوعية في الرواية والكتابة السردية فقط، بل هي نسق فكري وفلسفي وشكل من أشكال الإقامة على الأرض عُرف بـ"الدنكيشوتية" التي ينشدّ إليها عادة الحالمين بعوالم أجمل وأولئك المسكونين بشجاعة التغيير.

اقرأ/ي أيضًا: الدّورة الأولى لأيّام قرطاج لفنون العرائس.. انتصار آخر لأحلام الآباء المؤسّسين

لقد تجنّدت أقطاب مدينة الثقافة لإنجاح هذا الحدث، حيث شارك قطب الباليه والفنون الكوريغرافية بالتعاون مع قطب الموسيقى والأوبرا بعمل كوريغرافي عنوانه "مواجهة مع دون كيشوت"، وهو مجموعة لوحات راقصة لمريم الفرشيشي قامت بتوزيعها في فضاء ساحة المسارح بالمدينة. وحاصرت مجموعات الراقصين المتفرجين وروّاد الندوة الخجولين ودفعتهم إلى الحركة والتّحرّك في إشارة إلى زعزعة الثابت لديهم، وهو تقريبًا ما كان يدعو إليه "دون كيشوت".

[[{"fid":"101855","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":432,"width":650,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

جانب من العروض ضمن الأنشطة المحيطة بالندوة حول "دون كيشوت" (بيت الرواية)

كما قدّم الأركستر السمفوني التونسي أغاني موريس رافال "دون كيشوت في دولسينيا" بمرافقة "الباريتون" بهاء الدين بن فضل و"الدونكيشوتيون" لأيمن عزيز بن صالح. أما قطب المسرح والفنون الركحية، فاقترح على جمهور الندوة مسرحية "دون كيشوت: افسح الطريق"، وهي من إخراج الشاذلي العرفاوي الذي اقتبسها عن نص لميخائيل بيلغاكوف، كما قدم وليد الدغسني مسرحية "العالم السفلي". وحضرت السينما بشريطين الأول بعوان "الرجل الذي قتل دون كيشوت"، والثاني بعنوان "دون كيشوت" لجورج ويليهام بابست.

حلّت هذه الفنون محيطة أشغال الندوة الكبرى التي انطلقت بتلاوة قصيد يشبه البيان عنوانه "رحلة دون كيشوت الأخيرة"، وهو للشاعر الكبير ممدوح عدوان قرأه الشاعر التونسي آدم فتحي. وقد توزعت أشغال الندوة على ثلاث جلسات رئيسية بعناوين "دون كيشوت والحداثة الروائية"، و"دون كيشوت والتلقي العربي"، و"دون كيشوت من الرواية الى الفنون". وقد أثثها مجموعة من الروائيين والأكاديميين التونسيين والعرب نذكر منهم الروائي التونسي حسونة المصباحي الذي تحدث عن إعجاب "بورخيس" بـ"دون كيخوتي" وتصورهما المشترك للأدب والزمن، والأستاذ والناقد الأدبي التونسي محمد القاضي الذي استفاض في الحديث عن المقام الأجناسي الذي يتنزل فيه عمل "سارفانتس" معتبرًا أن دون كيشوت هي رواية ضديدة.

حلّت  عديد الفنون محيطة بأشغال الندوة التي انطلقت بتلاوة قصيد يشبه البيان عنوانه "رحلة دون كيشوت الأخيرة" وهو للشاعر الكبير ممدوح عدوان، قرأه الشاعر التونسي آدم فتحي

أما الأستاذ محمد رضا مامي، فكانت مداخلته تحت عنوان "الدونكيشوتية تزهر في بستان الأدب العربي المعاصر"، وأشار ضمنها إلى أن رواية دون كيشوت ورغم شهرتها العالمية ظلت كنزًا مغمورًا بالنسبة إلى عامة القرّاء العرب. فيما تعرّض محمد المديوني، أستاذ الأدب الحديث بالجامعة التونسية والمختص في المسرح، إلى صور استلهام المسرح الأوروبي من رواية "دون كيشوت" وطبيعة حضور الشخصية الرئيسية لهذا العمل في المسرح العربي. وتناول الجامعي التونسي والناقد السينمائي كمال بن ونّاس في مداخلته إشكالية اقتباس رواية "سرفانتس" وإعادة تشكيل مادتها التاريخية والثقافية والفكرية سينمائيًا وإقامة تلك التوليفة بين اهتمامات الرّوائي ورغبات السينمائي.

اقرأ/ي أيضًا: سفراء الثقافة التونسية: آمال مختار تمثّل الأدب التونسي في أسبانيا

وكان الحضور العربي، خلال هذه الندوة، لافتًا، إذ واكبها الكاتب والروائي الجزائري واسيني الأعرج الذي اعتبر أنّ "دون كيشوت دي لا منشا" هو نص المفارقات الكبرى بين عالم انسحب بقيمه الكبرى ومنها الفروسية، وعالم هو في طور التّكوين بلا قيم واضحة، وهو ما أدّى للحديث عن كتابة جديدة وصفت بالحداثية.

كما أشار واسيني الأعرج إلى اللغة الشعبية التحتية التي كتب بها "سرفانتس" نصه مبينًا أنها من أسباب رواج الرواية لأنها تعبر عن العمق الأسباني والإنساني الخالد، وهو ما جعل ترجمة "دون كيشوت" إلى لغات عالمة مسألة مشوبة بالفشل. كما ألقى الأستاذ الجامعي المغربي مداخلة حول مسألة التلقي العربي لرواية "دون كيخوتي" باعتبارها ذخيرة ثقافية وسردية ولغوية عالمية وتميزها بالقدرة على إعادة تمثيل المعطيات التاريخية والاجتماعية. ومن الأسماء العربية التي شاركت في الندوة أيضًا، الكاتب العراقي والروائي الأستاذ محسن الرملي الذي قدم خلاصة سنوات من الاشتغال على أعمال "سرفانتاس" ضمن مداخلة "صدى الكيخوته في الثقافة العربية".

[[{"fid":"101856","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":432,"width":650,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

جانب من الحضور في الندوة بمدينة الثقافة (بيت الرواية)

ختامًا، إن حدث "دون كيشوت في المدينة.. ضرورة الحلم" الذي هندسه ونفذه "بيت الرواية" خرج بالمتلقي من الفعل الثقافي والمعرفي النمطي، والسائد والخطّي وذلك نحو الفعل الثقافي المرح والعميق واللطيف. وهو ما يؤكد أن هذا البيت وفي وقت وجيز، استطاع أن يخطو خطوات كبيرة لصالح الأدب التونسي والعربي، ولصالح الرواية باعتبارها جسرًا نحو الحلم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أول دورة لأيام قرطاج للفن المعاصر.. العائلة التشكيلية تنهض من تحت الرماد

"أوسّو نحّيلي الداء الي نحسّو": مهرجان"أوسّو" شاهد على المخيال الشعبي