بقي مشروع ميناء المياه العميقة بالنفيضة لعقود قيد الدراسة وتعطل لأكثر من عشرين سنة منذ الإعلان عن إنجازه وتعاقبت الحكومات على طرح خيارات التنفيذ في ظل وضع اقتصادي وطني ودولي صعب وتجاذبات سياسية حول الجدوى والمردودية وصولًا إلى عدم استقرار حكومي يطرح مدى التزام الدولة إزاء الجهات المالية المانحة.
ويعدّ تطوير النقل البحري ليواكب الطفرة العالمية في هذا المجال مطلبًا أساسيًا للنهوض بقطاع التجارة والصناعة كي تتبوّأ تونس المكانة الجغرافية والتجارية بين غرب المتوسط وشرقه. كما أنه مؤشر لتطوير التنمية التي تلحق 6 ولايات وتقلص من نسبة البطالة وتغذي قطاع الخدمات وتنهض بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة.
المدير العام لشركة ميناء المياه العميقة بالنفيضة لـ"الترا تونس": بعد 4 أو 5 سنوات من اليوم ستتمكن البلاد التونسية من الاستفادة من موقعها الجغرافي ومواكبة المستجدات السريعة
المدير العام لشركة ميناء المياه العميقة بالنفيضة شكري العميري اعتبر "أنّ الموانئ البحرية في العالم تشهد تطورًا رهيبًا في حين أن الموانئ التونسية فاق عمرها المائة سنة باستثناء ميناء رادس (48 سنة) وهذا التطور يتطلب استثمارات ضخمة بما كان سببًا في تغير الرؤية لمراحل إنجاز ميناء النفيضة من حيث الدراسة والإنجاز ودراسة الجدوى والمردودية" وذلك في معرض حديثه عن المشاريع الكبرى المعطلة في ولاية سوسة خلال ندوة حول واقع التنمية وآفاقها بالولاية.
واعتبر العميري أنه "بعد التعطيل الحاصل لسنوات أحرزنا بعض التقدم لتشير التقديرات إلى أنه بعد 4 أو 5 سنوات من اليوم ستتمكن البلاد التونسية من الاستفادة من موقعها الجغرافي ومواكبة المستجدات السريعة في كامل المجالات باعتبار أنّنا لا نمتلك الإمكانيات في تونس اليوم التي تجعلنا قادرين على استقبال بواخر من الجيل الثاني، ولا نزال نعيش ظروفًا صعبة في الموانئ التونسية مثل سوسة ورادس وبنزرت وصفاقس، مما تسبب في خسارة للمجموعة الوطنية وضعف الإنتاجية وسوء الاستغلال وفقدان التجهيزات الأساسية لمعالجة هذه المسائل".
وسيكون ميناء المياه العميقة بالنفيضة حسب شكري العميري "منافسًا جديًا لعدة موانئ في البحر الأبيض المتوسط، ويجب أن تتبوأ تونس مكانتها بمنافسة ميناء "مالطا" وموانئ إيطالية التي تعيش بدورها صعوبات جمّة، وبفضل النظرة الجديدة التي بني عليها إنجاز ميناء النفيضة ستكون له الإضافة بالنسبة للنقل في المتوسط" وفق قوله.
المدير العام لشركة ميناء المياه العميقة بالنفيضة لـ"الترا تونس": إحداث هذا الميناء سيمكّن من إحداث 52 ألف موطن شغل مباشر وغير مباشر
وتطرّقت دراسة نشرتها شركة ميناء النفيضة لأهداف الميناء ومنها "إحداث ميناء من الجيل الجديد مطابق للمواصفات الدولية جودة وسلامة وبيئة، وربط تونس بمحاور النقل الرئيسية بين الشرق والغرب مما يساهم في ربح الآجال ليصل إلى 10 أيام مع تقليص الكلفة بـ15% واستقطاب جزء من حركة المسافنة للحاويات بوسط البحر الأبيض المتوسط وغربه لتتخطى عدد 24 مليون حاوية، و ليستأثر ميناء النفيضة بـ4 أو 5 ملايين حاوية، كما سيمكّن ميناء النفيضة من الاستجابة لحاجيات التجارة الخارجية وللمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية واستقطاب الاستثمارات".
وأشار شكري العميري إلى أن إحداث هذا الميناء سيمكّن من إحداث 52 ألف موطن شغل مباشر وغير مباشر، كما ستكون تونس مركزًا دوليًا في إسداء الخدمات في النقل واللوجستيك وفق وصفه.
اقرأ/ي أيضًا: هنشير النفيضة.. ثروة تنموية مهدورة عبر الزمن
أما بالنسبة لمكونات المشروع فهي تنقسم إلى مراحل ستكون المرحلة الأولى بداية بتهيئة المنطقة المينائية التي تمسح 1000 هكتارًا في حين أن منطقة الخدمات اللوجستية تمسح 2000 هكتارًا، وبالنسبة لمحطة الحاويات ستنجز على مرحلتين، الأولى رصيف يمتد على 1200 مترًا والثانية على 800 مترًا وستنجز المرحلة الأولى على مدى 3 سنوات بعد انطلاق الأشغال والبقية بعد 5 سنوات، ويتوقع استقبالها 4.8 ملايين حاوية من قياس 20 قدمًا" وذلك حسب ما صرح به شكري العميري في اتصال بـ"الترا تونس".
أما المنطقة الثانية التي سيتم إنجازها فهي محطة السوائب الصلبة التي ستكون قبالة محطة الحاويات وتمسح 560 مترًا على مساحة 35 هكتارًا وذات طاقة احتواء بحوالي 4 مليون طنًا.
المدير العام لشركة ميناء المياه العميقة بالنفيضة لـ"الترا تونس": كلفة إنجاز المرحلة الأولى الجملية تبلغ 1031 مليون دولار مقسمة بين القطاعين العام والخاص
وحسب تقديرات الخبراء في شركة ميناء النفيضة فإن "كلفة إنجاز المرحلة الأولى الجملية تبلغ 1031 مليون دولار منقسمة بين 75% قطاع عام و25% قطاع خاص".
وقد أكد العميري أنّ نصيب القطاع العام يتمثل في 75% ويتضمن إنجاز الرصيف والمسطحات على عمق 20 مترًا، في حين تكون الـ25% المتبقية من إنجاز وتجهيز المستلزم المستغل، وقد اختارت الدولة هذا التمشي ليكون صاحب اللزمة شريكًا في تشغيله ونشاطه".
أما بالنسبة لتقدم المشاريع ذات العلاقة والإجراءات المنجزة في علاقة مع إحداث الميناء فإنه تم نشر الاستشارة المتعلقة بإنجاز أشغال المرحلة الأولى بتاريخ 24 فيفري/ شباط 2020 ولا يزال تقديم العروض متواصلًا إلى حدود 29 جويلية/ يوليو 2021 أين سيتم حينها دراسة العرض التقني والمالي وطرف التمويل واختيار صاحب اللزمة. وقد عبرت 6 شركات كبرى من أكبر المجمعات في العالم عن استعدادها لبناء هذا الميناء.
اقرأ/ي أيضًا: إطلاق محطة "شمس النفيضة"
كما نشرت شركة ميناء النفيضة طلب عروض بتاريخ 21 ديسمبر/ كانون الأول 2020 يخص المكتب الدولي لمتابعة أشغال البناء، ويتم استقبال العروض في 25 ماي/ أيار غير أنه وقع تأجيله إلى يوم 24 أوت/آب 2021 (تاريخ فتح العروض) حسب تصريح مدير الشركة.
وتم في 6 سبتمبر/ أيلول 2020 نشر طلب عروض لمكتب المساندة لترويج ميناء النفيضة ولإسناد لزمة استغلال الحاويات، وستزاول عملها بمجرد بداية الاستغلال في موفى 2022، كما حُدد تاريخ 25 أوت/ آب 2021 كآخر أجل لتقديم العروض لمكتب الإحاطة الفنية والمتابعة والمراقبة والإنجاز.
وقد كشفت شركة ميناء النفيضة عن الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع العملاق إذ "يمكّن من 8.5% نسبة المردودية الداخلية TRI، في حين أنّ تحيين القيمة الصافية VAN يكون بنسبة 8% (335 مليون دولار على مدة استرجاع محددة بـ10 سنوات) فيما تكون القيمة الاقتصادية المالية الصافية ENPV في حدود 8 مليار دولار، ومعدل العائد الاقتصادي ERR يكون 54% مع توفير حوالي 52 ألف موطن شغل.
وقال شكري العميري: "من الإجراءات الضرورية التي تقتضي التدخل لضمان إحداث الميناء هي السعي للبحث والحصول على التمويلات اللازمة من قبل الدولة لضمان أفضل الخيارات للقيام بعمليات المقارنة باعتبار تقديم العروض بطريقة EPC (ENGINERING PROCURMENT CONSTRUCTION) مع توفير ضمان الدولة لتمويل المشروع".
وتعتبر مكونات مشروع ميناء المياه العميقة بالنفيضة بالمقاييس المذكورة بؤرة ضوء في عتمة الوضع الاقتصادي والمالي والسياسي الذي تعيشه البلاد، والذي ينبئ بزلازل قادمة قد تعطّل عجلة التنمية وتعيق حركة التطور والتقدم المزمع اقتحامها.
رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بسوسة لـ"الترا تونس": يبقى الإشكال الأكبر في سياسة التمييز الإيجابي التي لا تمنح للمناطق الساحلية الأولوية في التشغيل والتنمية
ميناء النفيضة من المشاريع الضخمة الذي اعترضته عقبات جمّة ولم ير النور إلا بصعوبة كبيرة وسيُحدث في صورة إنجازه رقيًا لمنطقة النفيضة التي تعاني مؤشرات متدهورة للتنمية ولا تزال، من ارتفاع نسبة البطالة والفقر فضلًا عن المسائل العقارية العالقة وخاصة مسألة الرسم العقاري 6648 وإشكالية استغلال الأراضي الدولية، علاوة على تقديرات سلبية من المجتمع المدني بالجهة لمشاريع مثل مطار النفيضة الحمامات الدولي والمنطقة الصناعية المجاورة حيث لم تساهم هذه المشاريع في تلبية انتظارات أبناء الجهة.
وتعرّض مشروع ميناء النفيضة إلى محاولات تحويل وجهة إلى مناطق أخرى، الأمر الذي عطّل تنفيذه سياسيًا في عديد المناسبات منذ العهد السابق إلى حين تأسيس الشركة التي تشرف على إنجازه، و"يبقى الإشكال الأكبر اليوم في سياسة التمييز الإيجابي التي ضبطت بعد الثورة والتي لا تمنح للمناطق الساحلية الأولوية في التشغيل والتنمية" حسب ما صرح به لـ"الترا تونس" رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بسوسة علي بن يحي.
كما حذر علي بن يحي من تدهور الوضع الاقتصادي بالجهة بعد أن ذابت العديد من المؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة جرّاء جائحة كورونا في ظل غياب سلطة الإشراف حسب تعبيره، مما دفع المنظمات الوطنية في جهة سوسة إلى الدعوة للإضراب العام في 20 ماي/ أيار المقبل تنديدًا بسياسة الدولة تجاه الجهة وعدم عقد مجلس وزاري يخصّص لحلحلة الإشكالات العالقة، في ظل عطالة شبه كليّة للمؤسسات السياحية التي تمثّل عصب الاقتصاد بالساحل.
اقرأ/ي أيضًا:
إخلاء مساكن اجتماعية بالقوة في النفيضة.. "الترا تونس" يتقصى على عين المكان