17-أبريل-2019

انتشار متزايد للملاعب المعشّبة الخاصّة في تونس (رجاء غرسة/ألترا تونس)

 

اختلط صوت الرعد بصوت صفارة حكم المباراة في ملعب بعشب اصطناعي، فيما لم يمنع تساقط المطر الفتية من الركض وراء الكرة وقد التصقت قمصانهم بأجسادهم الغضّة. ومن وراء واجهة بلورية للقاعة المطلّة على الملعب، يواصل الأولياء متابعة الحصّة التدريبية.

هذا الملعب هو واحد من بين عدد من هذه المؤسسات الرياضية اختار أصحابها إنشاء ملاعب معشّبة خاصة يرتادها الشباب والأطفال على حدّ السّواء وترتبط عادة بوجود أكاديميات لتكوين الناشئين في الكرة في نفس المركز.

اقرأ/ي أيضًا: كرة القدم في تونس.. غرام "بالروح والدم" وعنف وجهويات

الملاعب الخاصّة المعشّبة بديلًا عن "البطحاء"

أصبحت هذه المشاريع الرياضية الخاصة ظاهرة في السنوات الأخيرة، وتنتشر خاصة خارج العاصمة تونس لأنها تقتضي مساحات شاسعة. ولا يوجد أثر لإحصائيات حولها في الموقع الالكتروني لوزارة الشباب والرياضة. 

على الطريق الحزامية المؤدية للعاصمة، تصطف السيارات مساء كل يوم وكامل يومي السبت والأحد، يتردد أصحابها على المركز الترفيهي لممارسة رياضتهم المفضلة. اُفتتح هذا المركز الترفيهي منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ويتكون من ملعبين معشبين بطاقة استيعاب 5 لاعبين مع حارس مع ملعب أكبر يتّسع لتسعة لاعبين في كل فريق.

أصبحت المشاريع الرياضية بتشييد ملاعب معشبة لكرة القدم ظاهرة في السنوات الأخيرة وهي تنتشر خاصة خارج العاصمة تونس لأنها تقتضي مساحات شاسعة

عُلق قرب مدخل إحدى هذه الملاعب ميثاق يتضمّن خمسة بنود لـ"احترام قانون اللعبة والشركاء فيها، أي الحكام والمنظّمين والجمهور، وكذلك للتحلي بروح الفريق عبر اللعب الجماعي والتضامن في اللعبة، ومشاركة متعة اللعبة، وإقصاء العنف والميّز العنصري". ولهذه الملاعب تعاليمها أيضًا، إذ يُمنع التدخين وعلى اللاعب ارتداء حذاء رياضي بعينه تجنّبًا للأذى.

تنتشر الملاعب المعشّبة لكرة القدم في تونس للعب نظير مقابل مادّي (رجاء غرسة/ألترا تونس)

بأزيائهم الموحدة وحماسة اللاعبين في الملاعب الثلاثة، بدت الصورة أشبه بتصفيات بطولة للمحترفين. لم تكن هناك مقاعد للمتفرّجين لكن العشرات اصطفوا وراء الشباك المعدنية يتابعون المباريات باهتمام ويهتفون للمشجّعين بين الفينة والأخرى.

تبلغ تكلفة المباراة الواحدة، ومدّتها ساعة ونصف، 70 دينارًا (23 دولارًا) بغضّ النظر عن عدد اللاعبين بحسب ما صرّح به أشرف المشرف على المركز لـ"ألترا تونس"، مفيدًا أنهم يستقبلون ممارسي كرة القدم أفرادًا، وموظفي شركات وفرقًا محترفةً. إذ تختار الفرق المحترفة التدريب في الملاعب الخاصة نظرًا لأن أغلب هذه الفرق، وخاصة الصغرى منها، يفتقر لملاعب معشّبة.

تختار بغض الفرق المحترفة التدريب في الملاعب المعشّبة الخاصة أيضًا (رجاء غرسة/ألترا تونس)

يفتح المركز أبوابه بعد منتصف نهار كل يوم الى حدود الساعة 10 ونصف مساءً في فصل الشتاء وحتى الواحدة والنصف صباحًا في فصل الصّيف، ويعمل كامل يومي السبت والأحد، ويقصده 80 في المائة من المغرمين بكرة القدم و20 في المائة بغرض الترفيه، وفق محدثنا.

أكاديمية للأطفال لصقل مواهب "الأبطال"

يبلغ عدد الأطفال المنخرطين في المركز 100 طفلًا يتلقون تكوينًا في كرة القدم بمعدل ثلاثة حصص في الأسبوع على يد مدرّبين محترفين بحسب المشرف على المركز وذلك مقابل 50 دينارًا (17 دولار) في الشهر. يجرى إعداد هؤلاء الأطفال لخوض منافسات البطولة الموسم المقبل، لكنهم يجرون في الأثناء مباريات وديّة مع أكاديميات مشابهة أخرى.

أكايميات خاصة لتكوين الأطفال في كرة القدم (رجاء غرسة/ألترا تونس)

توفر أكاديميات كثيرة لمنخرطيها الزي الرياضي وتمكنهم من إجراء التربصات في الخارج، حيث يمكن للأولياء مرافقة أبنائهم، "أنا فخور بمستوى ابني ومهاراته الكروية"، هذا ما قاله الوليّ زهير القاسمي لـ"ألترا تونس"، مضيفًا "أرى فيه نفسي عندما كانت طاقاتنا ومهاراتنا تهدر في بطحاء الحيّ، كرة بلاستيكية وفردة حذاء رياضي كان كل ما نتمناه".

زهير القاسمي (وليّ): أنا فخور بمستوى ابني ومهاراته الكروية وأرى فيه نفسي عندما كانت طاقاتنا ومهاراتنا تهدر في بطحاء الحيّ

وعملية بحث بسيطة عبر صفحات التواصل الاجتماعي كفيلة بأن تظهر عشرات الصفحات الخاصة بأكاديميات كرة القدم، تنشر صورًا وأشرطة فيديو للتدريبات وتنشر تدوينات إخبارية للأولياء والمنخرطين. حلم الصّبى الضائع لشاب وكهل وحلم بمستقبل أفضل يسعى إليه الولي قبل الطفل، تستثمره مركبات رياضية توفّر الخدمة الرّياضة لأغراض ترفيهية وربحية.

في سياق آخر، يقول بلال، شاب ثلاثيني، إنه كان يرتاد هذه الملاعب المعشبة صحبة زملائه في العمل مساء كل يوم ثلاثاء بعد انتهاء دوامه، لمواجهة منافسين من مؤسسة عمومية تستأجر إحدى هذه الملاعب لفائدة موظفيها.

قطاع حيوي يعوزه التنظيم!

لا أثر لمشروع "ملعب خاص لكرة القدم" أو جمعية لتكوين الناشئين في هذه الرياضة أو غيرها في ركن كراسات الشروط على موقع وزارة الإشراف، هي فقط كراسات شروط إما لتنظيم الأنشطة الترفيهية الموجهة للشباب، أو لإحداث مؤسسات الشباب الخاصة، أو لإحداث الفضاءات الترفيهية للأطفال والشباب من قبل الخواص، أو القاعات الخاصة للرياضة، أو لبعث مراكز التربصات وتكوين الرياضيين من قبل الخواص. وهو ما يطرح تساؤلًا حول أي كراسات للشروط تنطبق على بعث هذه الملاعب ومراكز التكوين في كرة القدم.

اقرأ/ي أيضًا: على خطّ الوصول للنهاية.. قصص شغف جعلت من الرياضة بداية!

وكانت قد وُجّهت مذكرة إلى المندوبين الجهويين في شباط/فبراير 2013 حول ضبط إجراءات الإيداع والتصريح بالاستثمار لدى المندوبيات الجهوية للشباب والرياضة من قبل المستثمرين الخواص. وبحسب هذه المذكرة "يتطلب انجاز المشروع موضوع كراس الشروط المودعة لدى مصالح المندوبية الاستجابة لكافة القوانين والتراتيب الجاري بها العمل وخاصة المتعلقة بحماية الأراضي الفلاحية والتهيئة الترابية والتعمير والسلامة والوقاية من أخطار الحريق والانفجار.."، لكن عددًا كبيرًا من هذه الملاعب شُيّد على أراض ذات صبغة فلاحية.

لا توجد كراسات شروط خاصّة بالملاعب الخاصة المعشّبة لكرة القدم (رجاء غرسة/ألترا تونس)

في هذا السياق، كشف نبيل سلام، رئيس مكتب تطوير الرياضة والتربية البدنية بالمندوبية الجهوية ببن عروس، في حديثه لـ"ألترا تونس"، عن جملة من الإشكاليات المتعلقة بتنظيم هذا القطاع من الملاعب المعشبة وحصر عددها وتحديد الناشطين فيها.

فرق سلّام بين نوعين من هذه الفضاءات، بين فضاءات غير قانونية يقول إنها اكتفت بالحصول على ترخيص من البلدية لمجرد الاستظهار به وبين أخرى قانونية أمضت كراس شروط خاص بالفضاءات الترفيهية للأطفال والشباب بلغ عددها في ولاية بن عروس 107 مؤسسة لدى البعض منها ملعب أو أكثر لكرة القدم وفق قوله.

وتجدر الملاحظة أن المستوى الدراسي لباعثي المشاريع اختلف بين الخامسة ثانوي ومستوى جامعي، متحصل على الإجازة والأستاذية والماجستير، ولم يشترط أن يكون الباعث قد تلقى تكوينًا جامعيًا في التربية البدنية. ولعلّ حصر هذه المؤسسات في خانة الفضاءات الترفيهية العامة يجعلها في حلّ من المعايير الأخرى.

نبيل سلام (وزارة الشباب والرياضة): توجد ملاعب معشّبة غير قانونية اكتفت بالحصول على ترخيص من البلدية دون كراس شروط خاص بالفضاءات الترفيهية للأطفال والشباب

في السياق ذاته، أكد نبيل سلّام، أن هذه الوضعية تطرح إشكالية في تفقّد مثل هذه المنشآت للتثبت من مطابقة شروط السلامة، والصحة وصبغة الأرض وغيرها. وهو إجراء لا يتماشى عمليًا مع مؤسسة تجري فيها أنشطة رياضية وتتطلب الالتزام بمعايير صحية من حيث مطابقة الملعب للمواصفات، وأهلية اللاعبين صحيًا لممارسة الرياضة، ومدى تأهل الطاقم المدرب لتكوين الناشئين.

والمفارقة أن الجامعة الوطنية لكرة القدم رخّصت لإجراء مباريات كرة القدم المصغّرة في هذه الملاعب كما أنه يمكن للجمعيات الرياضية إجراء التدريبات فيها. كما تطرح هذه الملاعب إشكاليات على مستوى التأمين نظرًا لأنها لا تخضع لتقارير لجنة صلوحية الملاعب التي لا تدخل الملاعب الخاصة في مجال اختصاصها.

لكن توفر هذه الملاعب خدمات جاذبة لا تتوفر في الفضاءات العامة في نفس الاختصاص، بنية تحتية مهيّئة واختصاصات رياضية أخرى وفضاء للعائلة لا تدع لرائدها مجالًا للتساؤل عما إذا كانت تستجيب في الواقع لمعايير محددة أم لا.

دعوة للمصادقة على كراس شروط خاصة بالملاعب الرياضية الترفيهية الخاصة تستجيب لمتطلبات هذه المنشآت من تراتيب إدارية ومالية

أكّد محدثنا سلّام، رئيس مكتب تطوير الرياضة والتربية البدنية بالمندوبية الجهوية ببن عروس، على أهمية المصادقة على كراس شروط خاصة بالملاعب الرياضية الترفيهية، تستجيب لمتطلبات هذه المنشآت من تراتيب إدارية ومالية، منها الملف الصحي للمنخرط واللاعب، وتتطلب تكوين الباعث في الإسعافات الأولية، وعقد مع الطبيب في الحالات الاستعجالية وغيرها.

ويبدو أن إجراء استشارة وطنية لتنظيم هذا القطاع بات ضرورة تفرضها المتغيرات الدولية على مستوى الأكاديميات خاصة مع تتالي تتظيم بطولات دولية للناشئين من جهة، عدا عن دور هذا القطاع في النهوض بالرياضة في سن مبكّرة من جهة أخرى. وقد بات يتميز القطاع الرياضي الخاص بقدرة تنافسية متصاعدة مقارنة بالقطاع الرياضي العمومي وذلك لتوفر إمكانيات التدريب اليومي وغيرها من العوامل. ويظل السؤال بالنهاية حول القدرة على الحيلولة دون تغوّل المنطق التجاري البحت على الأهداف النبيلة خاصة في علاقة بصقل مواهب الناشئة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الشطرنجيّون التونسيون واجهوا إسرائيل بمفردهم!

تونسي ساهم في بروزها.. المارادونية "ديانة" وفلسفة حياة!