01-أكتوبر-2018

من معرض "أصوات الذاكرة" (نائلة الحامي/ألترا تونس)

بعد حوالي ثماني سنوات على انطلاق الثورة التونسية، استمع التونسيون لقصص عديدة عن زمن الدكتاتورية، سواء من خلال جلسات عمومية نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة قدم خلالها ضحايا الاستبداد خلال عقود ماضية شهاداتهم أو من خلال شهادات أخرى تضمنتها حصص تلفزيونية ووثائقيات إضافة لما قد تابعه البعض من شهادات بشكل مباشر أو شخصي.

الحديث عن الذاكرة لا يزال حمّال شجون وكأن التونسي لم يمل بعد من الغوص في ماضيه، بوجهيه الجميل والقبيح

لكن الحديث عن الذاكرة لا يزال حمّال شجون وكأن التونسي لم يمل بعد من الغوص في ماضيه، بوجهيه الجميل والقبيح، هذا ما لمسته وأنا أتجول بين أركان معرض "أصوات الذاكرة" في الفضاء الثقافي الطاهر الحداد منذ أيام قليلة. أفكار متداخلة بين الماضي القريب وما قد شعُر به المضطهدون وعائلاتهم حينها وبين الحاضر ومتغيراته ونقاط التقائه، كلها تتشابك في ذهنك وأنت تتنقل داخل المعرض.

اقرأ/ي أيضًا: قلع أظافر ورصاصة في الرأس.. عن قصة مقتل نبيل بركاتي

لكن المميز في هذا المعرض أن الذاكرة تتشكل هذه المرة ببعد نسوي. نحن أمام تجربة فريدة، إن صح القول، في مجال علم تصنيف المعارض والمتاحف، فالمعرض يضم شهادات ثماني نساء تونسيات بعضهن من ضحايا الديكتاتورية وأخريات ممن انخرطن ما بعد الثورة في النشاط الحقوقي مؤمنات بقيمة وأهمية رواية تجاربهن كوسيلة للتغيير، ولكن بطرق مختلفة وغير مألوفة.

في تقديم المعرض، يقول القائمون عليه إنه "بعد مضي أكثر من عام من التبادل والتعاون، ينقل المعرض فنيًا تاريخًا معقدًا للغاية من خلال عدسات قصص عدد من النسوة"، لكن كيف كان ذلك؟ تتنوع المحامل في هذا المعرض حقيقة مع التركيز على نقطة أساسية ولافتة في مختلف زواياه وهي "القفة".

المميز في هذا المعرض أن الذاكرة تتشكل هذه المرة ببعد نسوي فالمعرض يضم شهادات 8 نساء تونسيات مؤمنات بقيمة وأهمية رواية تجاربهن كوسيلة للتغيير

نستكشف تجارب نساء تونسيات في زمن الدكتاتورية من خلال "القفة" (سلة تونسية تقليدية تستخدم في تونس لجلب الطعام للسجناء من قبل عائلاتهم وزوارهم)، هذا المحمل له رمزية عميقة خاصة في عيون النسوة. يحضرن الطعام لمساجينهن بحب كبير، وتنقل القفة ما يُحضر بعناية. هي في الحقيقة تنقل الحب الذي يحملنه، تنقل صمودهن في مواجهة القمع والتعذيب، وهي تعكس عبءًا اقتصاديًا ملقى على عائلات تونسية عديدة أيضًا.

[[{"fid":"101695","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"القفة حاضرة في المعرض كمحمل حمّال قصص وأحزان (نائلة الحامي/ألترا تونس)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"القفة حاضرة في المعرض كمحمل حمّال قصص وأحزان (نائلة الحامي/ألترا تونس)"},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"القفة حاضرة في المعرض كمحمل حمّال قصص وأحزان (نائلة الحامي/ألترا تونس)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"القفة حاضرة في المعرض كمحمل حمّال قصص وأحزان (نائلة الحامي/ألترا تونس)"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"القفة حاضرة في المعرض كمحمل حمّال قصص وأحزان (نائلة الحامي/ألترا تونس)","title":"القفة حاضرة في المعرض كمحمل حمّال قصص وأحزان (نائلة الحامي/ألترا تونس)","height":667,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

القفة حاضرة في المعرض كمحمل حمّال قصص وأحزان (نائلة الحامي/ألترا تونس)

[[{"fid":"101696","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"مكونات القفة حاضرة في المعرض بشكل فني (نائلة الحامي/ألترا تونس)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"مكونات القفة حاضرة في المعرض بشكل فني (نائلة الحامي/ألترا تونس)"},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"مكونات القفة حاضرة في المعرض بشكل فني (نائلة الحامي/ألترا تونس)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"مكونات القفة حاضرة في المعرض بشكل فني (نائلة الحامي/ألترا تونس)"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"مكونات القفة حاضرة في المعرض بشكل فني (نائلة الحامي/ألترا تونس)","title":"مكونات القفة حاضرة في المعرض بشكل فني (نائلة الحامي/ألترا تونس)","height":375,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

مكونات القفة حاضرة في المعرض بشكل فني (نائلة الحامي/ألترا تونس)

اقرأ/ي أيضًا: فيصل بركات... قتلوه تعذيبًا ثم قالوا "حادث مرور"!

في المعرض، تجد القفة حاضرة ماديًا ولكن أيضًا من خلال الحديث عنها أو من خلال مكوناتها. أوان مزركشة بألوان وعبارات مختلفة وبتصورات فنية متباينة. القفة، الأواني التي تحمل الطعام للمساجين، الأيادي، الأقدام، المكالمات المتبادلة خلال لحظات اللقاء من خلال الحاجز البلوري، ما خُط على حيطان غرف السجن ودهاليزه.. كل ذلك مجسد في معرض "أصوات الذاكرة" بشكل فني وبتعبيرات مختلفة.

ما يُميز المعرض أيضًا أنه "متنقل" إن صح التعبير، في محاولة لتمكين أكبر عدد من التونسيين من الاطلاع، عبر ما يتضمنه من صور فنية ومجسمات، على أوضاع السجون ومعاناة ضحايا الانتهاكات، كما صرح القائمون عليه.

تُحضّر النسوة الطعام لمساجينهن بحب كبير، وتنقل القفة ما يُحضّر بعناية. هي في الحقيقة تنقل الحب الذي يحملنه وتنقل صمودهن في مواجهة القمع

وكان قد افتتح المعرض في تونس العاصمة، وتحديدًا في الفضاء الثقافي الطاهر الحداد بالمدينة العتيقة، يوم السبت 22 سبتمبر/ أيلول 2018 وتواصل إلى يوم 29 من ذات الشهر لينتقل إثر ذلك إلى الكاف خلال الفترة بين 20 و27 أكتوبر/ تشرين الأول (فضاء البازيليك) ثم في صفاقس من 24 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 2 ديسمبر/ كانون الأول 2018 وتحديدًا في القصبة ويحل المعرض أخيرًا في الرديّف من 15 إلى 22 ديسمبر/ كانون الأول القادم بالإكونوما.

والمعرض من تنظيم المركز الدولي للعدالة الانتقالية، مخبر المتحف وجامعة بيرمينغهام الإنجليزية. وشارك في تصميمه كل من المصورين السينمائيين "مروان" والطيب الجلولي. وتكفل بالإضاءة أحمد بنيس وبالصوت وسام الزيادي. ويجمع المعرض أعمالاً معاصرة للفنانين وئام الحداد، سلمى وحيدة، عبد السلام عياد، نبيل الصوابي، وليد العرضاوي، الأسعد بن الصغير ونجاح زربوط.

[[{"fid":"101697","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)"},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)","title":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)","height":667,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

من معرض "أصوات الذاكرة" (نائلة الحامي/ألترا تونس)

[[{"fid":"101698","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)"},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)","title":"من معرض \"أصوات الذاكرة\" (نائلة الحامي/ألترا تونس)","height":667,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

من معرض "أصوات الذاكرة" (نائلة الحامي/ألترا تونس)

اقرأ/ي أيضًا:

تعذيب وعنف متواصل.. أرق تونس الثورة

الأمل الأخير للمحاسبة.. ماذا تعرف عن قضاء العدالة الانتقالية؟