04-أغسطس-2018

الجمهور الذي قدم إلى مسرح السيليوم المكشوف في غمرة المطر برهن على عشقه للفن (قناة الجزيرة)

وأنت تشدّ الرحال إلى مسرح السيليوم، يروي الطريق من تونس إلى القصرين حكايات تختلف تمظهراتها من مدينة إلى أخرى. ومن العاصمة إلى النفيضة فالشبيكة وحاجب العيون وسبيطلة والقصرين، تتنوّع تعبيرات التاريخ والجغرافيا.

حتى المناخ لم يحافظ على استقراره، إذ سرعان ما اختبأت الشمس بين زخات المطر التي استقبلتنا في مدينة الشبيكة ومسحت غبار الحر عن الطريق. وأنت تغادر مدينة سبيطلة نحو القصرين، تترك وراءك آثارًا تروي حكايات حضارات تعاقبت على المدينة.

مسرح السيليوم في القصرين هو معلم تاريخي ضارب في القدم، غير بعيد عن جبال اتخذها إرهابيون ملجأ لهم

اقرأ/ي أيضًا: مسرح قصر الجم.. من فضاء للموت إلى منبع للحياة

وعلى امتداد الطريق تطالعك جبال الشعانبي وسمامة وسلوم، ربما تحمل إليك أسماؤها شجن استشهاد حماة الوطن ولوعة أمهاتهم ووجع زوجاتهم وحرقة أطفالهم، لكن ألوان الغروب تضفي على هذه الجبال التي تأوي أعداء الحياة هالة من الشاعرية.

تنسى للحظة أن بعض الإرهابيين يحتمون بكهوفها، وتنغمس في جمال الطبيعة وتفاصيلها التي تغريك بالانتباه إليها. وفيما تطارد أجوبة أسئلة لا تنضب، تدخل مدينة القصرين وعلى بعد أمتار من الولاية يطلّ عليك مسرح السيليوم، المعلم التاريخي الضارب في القدم.

السيليوم الذي أدبرت عنه السلطة ولم توله وجهها إلا مؤخرًا، يطلّ على جبال الشعانبي وسمامة والسلوم حيث يتمركز الإرهابيون وحيث سالت دماء العسكريين والمدنيين

مسرح السيليوم المنسي، تم ترميمه ليستقبل ليلة الجمعة 3 أوت/ آب 2018 مئات المواطنين، مواطنون لم تثنهم الأمطار عن حضور عرض الفنان مارسيل خليفة. وفي المسرح الذي دشنه وزير الشؤون الثقافية التونسي محمد زين العابدين، الجمعة، افترش الجمهور المدارج المبللة والتحفوا قطرات المطر واحتفوا بالأمل.

[[{"fid":"100926","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"مسرح السيليوم","field_file_image_title_text[und][0][value]":"مسرح السيليوم"},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"مسرح السيليوم","field_file_image_title_text[und][0][value]":"مسرح السيليوم"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"مسرح السيليوم","title":"مسرح السيليوم","height":334,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

تم ترميم مسرح السيليوم ليستقبل المواطنين بداية من 3 أوت 2018

السيليوم الذي أدبرت عنه السلطة ولم توله وجهها إلا مؤخرًا، يطلّ على جبال الشعانبي وسمامة والسلوم حيث يتمركز الإرهابيون وحيث سالت دماء العسكريين والمدنيين.

في ليلة ماطرة، بُعثت الحياة من جديد في المسرح الروماني الذي طالت أشغال ترميمه، وحجارة المكان تحمل بين ثناياها رحلة ازدهار في حقبة عابرة، حجارة قاومت قسوة الطبيعة وتهميش الدولة. ليلة "بعث" مسرح السيليوم عاد المجد إلى الحجارة المحملة بالإرث الحضاري والإنساني والشاهدة على قدم المكان، حجارة حملت أجساد جمهور عشق الفن والحياة وتحدى المناخ ليشهد افتتاح مسرح السيليوم.

في محيط المسرح، لا يتوقف علم تونس عن الخفقان، يرفرف على وقع الريح التي تدغدغ الوجوه، لا شيء يوحي أن هذا المسرح يطل على ثلاثة جبال ارتبطت أسماؤها بالإرهاب، الحجارة والراية ووجوه الأمنيين والعسكريين ونظرات الجمهور وانفعالاته وعود مارسيل خليفة وأغنياته، كلها تصرخ "لنا الحياة.. ولكم الموت".

في العرض الأول الذي احتضنه المسرح الروماني الواقع في المدينة الأثرية "سيليوم"، غنى مارسيل خليفة لتونس وللطفولة وأثار الحنين إلى الأمهات

اقرأ/ي أيضًا: أوذنة تنتفض من رماد النسيان: "مسرحي أفضل من قرطاج لكنها أحكام السياسة"

وفي العرض الأول الذي احتضنه المسرح الروماني الواقع في المدينة الأثرية "سيليوم" المنتصبة في المحيط الخلفي لمقر ولاية القصرين وعلى جانب وادي الدرب، غنى مارسيل خليفة لتونس وللطفولة وأثار الحنين إلى الأمهات، وسط منافسة الجمهور على أداء الأغنيات.

ومدينة سيليوم، إحدى أهم المدن الرومانية بالوسط الغربي التونسي، وقد شهدت ازدهارًا قيّمًا بين القرنين الأول والرابع ميلادي واشتهرت بازدهار النشاط الثقافي آنذاك. ووفقًا للتقاليد الرومانية تم إنشاء مسرح السيليوم ليكون حاضنًا للعروض المسرحية والأمسيات الشعرية وعروض الفصاحة والبلاغة.

[[{"fid":"100927","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"مارسيل خليفة","field_file_image_title_text[und][0][value]":"مارسيل خليفة"},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"مارسيل خليفة","field_file_image_title_text[und][0][value]":"مارسيل خليفة"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"مارسيل خليفة","title":"مارسيل خليفة","height":334,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

في السيليوم غنى مارسيل خليفة لتونس وللطفولة وأثار الحنين إلى الأمهات

وعلى المسرح الذي يضم العناصر الكلاسيكية الرومانية الثلاثة أي الركح والمدارج والأوركسترا، لم يخف مارسيل خليفة إعجابه بالجمهور، واضطر في أكثر من مناسبة إلى لفت انتباهه إلى ضرورة ملازمة الصمت حين أدائه لأغنيات تتطلب "الروقان"، على حد تعبيره.

وإيقاعات عوده امتزجت بصوت المطر التي قال إنّها "أحلى شيء في العرض الذي تحدّى العاصفة ولم يُلغ على غرار عروض أخرى"، مضيفًا أنّه قدم إلى مسرح السيليوم بكل حبّ واختتم به جولته الفنية في تونس.

وفي تصريح لـ"الترا تونس"، أشار خليفة إلى أنّ هذا العرض من أحلى العروض من ناحية تفاعل الجمهور رغم كميات المطر التي روت الأرض، معتبرًا أن إقامة الحفل وحضور الجمهور رغم الطقس أكبر ردّ على المدّ الطافح بالقذر والبؤس وتصريح بأن تونس وطن الحياة لا الموت.

مرسال خليفة لـ"الترا تونس": إقامة الحفل وحضور الجمهور رغم الطقس أكبر ردّ على المدّ الطافح بالقذر والبؤس وتصريح بأن تونس وطن الحياة لا الموت

وإعادة الحياة لمسرح السيليوم حلم قديم راود أجيالًا مختلفة على امتداد عقود، ورأى النور في الثالث من شهر أوت/ آب سنة ثمانية عشر وألفين، فكان بمثابة زراعة روح جديدة في قلب الصخور ورسالة مدادها الأمل، وفق ما أفاد به رئيس مصلحة التعاون المركزي في ولاية القصرين والمشرف على مشروع إعادة تهيئة المسرح محمد هداية بناني في تصريح إعلامي.

وترميم الفضاء وإعادة فتحه في وجه أهالي القصرين نفض للغبار عن ثروة جهوية ووطنية منسية وخلق لمتنفس جديد للأهالي ومحاربة لثقافة الموت الذي مر من الجبال التي يطلّ عليها، وهي أيضا رسالة أمل وسعادة في منطقة وُسمت بالكآبة والحزن والحديث عن الإرهاب، حسب تصريح البناني.

السهرة الأولى في رحاب "السيليوم" كانت حبلى برسائل الحياة وتعبيرات الأمل

وعن اختيار مارسيل خليفة في أوّل عرض يحتضنه مسرح السيليوم ، قال المشرف على المشروع في تصريح لـ"لترا تونس" إنّها رسالة سلام من أرض الأجداد لإحياء صورة تونس الجميلة من مكان يوثّق لحقبة تاريخية يحترم أهلها الفن ويحبون الحياة، مشيرًا إلى انّه من المنتظر تنقيب بقية المنطقة لإنشاء مسلك سياحي داخلي يكون متنفسًا للجهات البعيدة عن البحر، على حدّ تعبيره.

والسهرة الأولى في رحاب "السيليوم" كانت حبلى برسائل الحياة وتعبيرات الأمل، فالجمهور الذي قدم إلى المسرح المكشوف في غمرة المطر برهن على عشقه للفن، والمسرح الذي كان منسيًا ومهملًا عاد الألق إلى حجارته، الأمر الذي يعكس أن الإرادة كفيلة بخلق الأمل من رحم العدم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الكاف.. "أزيز أبواب الجنة" ونفحات الآلهة "فينوس"

كسرى.. زهرة الصخور الفاتنة التي تشكو الإهمال