14-أغسطس-2018

أول تونسي يتولى مشيخة الأزهر الشريف في مصر

الترا تونس - فريق التحرير

 

لا يعرف العديد من التونسيين أن شيخًا تونسيًا تولى مقاليد مشيخة الأزهر في مصر، وهو الشيخ العلّامة محمد الخضر حسين الذي وُلد في 16 أوت/أغسطس 1876 في مدينة نفطة التابعة لولاية قبلي، وتوفيّ لاحقًا في القاهرة في 28 فيفري/شباط 1958. وقد كان شيخًا للأزهر الشريف بين 1952 و1954، وهو ثاني شيخ غير مصري في تاريخ الأزهر يتولى المشيخة بعد حسن العطار، من أصول مغربية، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

الشيخ العلّامة محمد الخضر حسين هو أول شيخ تونسي وثاني شيخ غير مصري يتولّى مشيخة الأزهر الشريف في مصر بين 1952 و1954

ميلاده ورحلته العلمية

وُلد الشيخ محمد الخضر حسين في نفطة، جنوب غرب تونس، من أصول جزائرية فتعود جذور والده إلى ولاية بسكرة أما جذور أمه لولاية وادي سوف الموجودة على الحدود الجزائرية التونسية. واسمه الكامل هو محمد الأخضر بن الحسين بن علي بن عمر، غير أنه حينما جاء إلى الشرق حُذف لفظ "بن" على النحو الدارج في المشرق، وغلب عليه الخضر عوضًا عن الأخضر، فعُرف بذلك باسم محمد الخضر حسين.

اقرأ/ي أيضًا: جولة في المعالم الأثرية للقيروان.. ذاكرة الحضارة الإسلامية

نشأ الشيخ في مرحلة طفولته في بيئة علم وأدب من ناحية أصول عائلته، وكذا في بيئته الجغرافية إذ كانت مدينة نفطة منارة للعلم والعلماء، حيث أنجبت قديمًا أعلامًا مثل أبي إسماعيل القرشاني وعبد الرحمان ابن الصائغ النفطي والمكي بن عزوز، وأعلامًا معاصرة مثل الميداني بن صالح والمنور صمادح. وقد عُرفت المدينة بوفرة مجالسها الدينية وانتشار مساجدها التي بلغت 60 مسجدًا فلُقّبت المدينة التونسية بالكوفة الصغرى.

[[{"fid":"101041","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":400,"width":400,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

تخرّج الشيخ الخضر حسين من جامع الزيتونة وتولّى قضاء مدينة بنزرت

انطلقت الرحلة العلمية للشيخ في سن الثالثة عشر حينما توجه إلى تونس العاصمة مع أسرته، ودرس في جامع الزيتونة على يد مشايخ منهم خاله محمد المكي بن عزوز، وسالم بوحاجب الذي درس على يديه صحيح البخاري. وقد تخرج الشيخ في الزيتونة سنة 1898، وتوجه بدوره لإلقاء الدروس في جامع الزيتونة المعمور. لكن لم يكتف الشيخ بإلقاء الدروس إذ أنشأ سنة 1904 مجلة "السعادة العظمى" وهي أول مجلة عربية ظهرت في تونس، وكانت تصدر كل نصف شهر.

وقد عُيّن الشيخ سنة 1905 على قضاء مدينة بنزرت، شمال تونس، ودرّس في جامعها الكبير لكن لم يلبث هناك إلا بعض الوقت، قبل أن يعود إلى العاصمة تونس متطوّعًا للتدريس في الجامع المعمور، ثم أوكل إليه تنظيم خزائن كتب الجامع. شارك، في الأثناء، في تأسيس الجمعية الزيتونية، مع استمراره كمدرّس ذاع صيته بين أهل العلم. وقد ألقى الشيخ محاضرة شهيرة عن الحرية  في نادي قدماء الصادقية عام 1906 بعنوان "الحرّية في الإسلام". كما سافر خلال تلك الفترة إلى الجزائر حيث ألقى دروسًا فيها قبل عودته مرة أخرى إلى تونس.  

عُرف عن الشيخ محمد خضر حسين مواقفه الصارمة ضد الاحتلال الفرنسي ما جعله محل مضايقات في تونس وهو ما دفعه للهجرة إلى المشرق

خلال هذه الفترة، حاولت السلطات الفرنسية الاستعمارية ضمه إلى المحكمة الفرنسية وهو ما رفضه بشدة، فوُجّهت إليه سنة 1910 تهمة معاداة سلطات الحماية الفرنسية. اضطرّ الشيخ أمام هذه الوضعية وقد باتت حياته مهدّدة الخطر للسفر إلى إسطنبول عن طريق مصر ثم دمشق.

مكث في إسطنبول بعض الوقت ثم عاد إلى تونس عن طريق نابولي الإيطالية ولكن كانت الأوضاع لا تزال معقّدة، فهاجر مرّة أخرى إلى دمشق وعمل مدرسًا في المدرسة السلطانية سنة 1912، ثم سافر مرة أخرى إلى إسطنبول أين أوفده وزير الحربية أنور باشا إلى برلين لمدة 9 أشهر ولكنه عاد لدمشق بيد أن حاكمها أحمد جمال باشا اعتقله سنة 1917 لمدة 6 أشهر ليعود إثر الإفراج عنه لاسطنبول لمرة أخرى وظلّ متنقلًا في الأثناء بينها وبين دمشق. وحينما وقعت سوريا أسيرة للاحتلال الفرنسي، اضطرّ الشيخ لمغادرة دمشق متوجهًا نحو القاهرة، خاصة وأن السلطات الفرنسية كانت قد أصدرت على الشيخ حكما غيابيًا بالإعدام أثناء إقامته في ألمانيا بتهمة التحريض على الثّورة ضدّ المستعمر الفرنسي في البلاد العربية.

مشيخة الأزهر.. رحلة التنصيب والاستقالة

استقرّ الشيخ الأزهري بمصر سنة 1920، واشتغل بالبحث، عمل محررًا بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية، وتواصل بأعلام النهضة الإسلامية في مصر. وقد حصل على شهادة العالمية بالأزهر، ويُنقل أن رئيس لجنة الامتحان عبد المجيد اللبان قال للشيخ محمد الخضر حسين من شدة الإعجاب بعمق إجابته وغزارة علمه "هذا بحر لا ساحل له، فكيف نقف معه في حجاج". وتحصّل الشيخ، في الأثناء، أيضًا على الجنسية المصرية.

استقرّ الشيخ محمد الخضر حسين في القاهرة سنة 1920 أين تحصّل على شهادة العالمية من الأزهر والجنسية المصرية ليمكث في مصر حتى وفاته

ساهم، خلال هذه الفترة، في إنشاء جمعية الشبان المسلمين سنة 1928، وأنشأ أيضًا جمعية الهداية الإسلامية وكونّت مكتبته الخاصة نواة لمكتبة هذه الجمعية، وقد أصدر مجلة من اسمها. تولى الشيخ خضر حسين أيضًا تحرير مجلة نور الإسلام، والتي تُعرف بمجلة "الأزهر" اليوم، وذلك سنة 1931، ثم ترأس تحرير مجلة لواء الإسلام سنة 1946، بالموازاة مع تدريسه بكلية أصول الدين.

وكان الشيخ من الجيل المؤسس لمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1932، إذ كان عضوًا فيها، كما اُختير لعضوية المجمع العلمي العربي بدمشق. وقد برع الشيخ بغزاره بحوثه ومقالته في مجلة مجمع اللغة العربية، وقد كان غزيرًا في علمه إذ طرق توحيد المصطلحات الطبية في البلاد العربية.

حصل الشيخ محمد خضر الحسين، في الأثناء، على عضوية هيئة كبار العلماء سنة 1950 برسالته "القياس في اللغة العربية". ولم تمرّ سنتين حتى تم اختياره شيخًا للأزهر من قبل اللواء أحمد نجيب بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 1952، وقد بلغ من العمر حينها 76 سنة، وهو أول شيخ تونسي يتولى مشيخة الأزهر في تاريخه.

[[{"fid":"101042","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":599,"width":450,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

تولى الشيخ محمد الخضر حسين مشيخة الأزهر سنة 1952 عن عمر 76 سنة كتتويج لمسيرته العلمية لعقود

وقد كان له موقف شهير بأنه لما تولى مشيخة الأزهر كتب استقالة غير مؤرَّخة من صورتين، احتفظ بإحداهما في مكتبه، وأعطى الأخرى للشيخ بسيوني مدير مكتبه، وقال له: "إذا رأيتني ضعيفًا في موقف من المواقف فابعث بالصورة التي معك إلى المسؤولين نيابةً عني، وهذه مسؤوليتك أمام الله". وواصل الشيخ فترة توليه للمشيخة مقاومته للسلطات الاستعمارية إذ أصدر سنة 1953 بيانًا شهيرًا بمناسبة اعتداء الاحتلال الفرنسي على ملك المغرب محمد الخامس اعتبر خلاله العملاء الخونة المؤيدون للمحتلّ هم خارجون عن الإسلام لموالاتهم الكافر المغتصب.

ولكن كان قد تولى المشيخة بعد أشهر قليلة من ثورة يوليو 1952 التي قادها الضباط الأحرار، فلم يلبث أن بدأ الصراع بين السلطة التي تخلصت من نجيب من جهة والأزهر من جهة أخرى، وقد كانت أحد عناوينه مسألة القضاء. فبعد أقل من سنة ونصف من توليه مشيخة الأزهر، أعلن الشيخ محمد الخضر حسين استقالته بتاريخ 7 جانفي/كانون الثاني 1954 لرفضه قرار دمج القضاء الشرعي في القضاء المدني، بل كان يرى العكس هو الأصحّ.

وعاد الشيخ للتفرغ للتدريس والبحث حتى توفيّ بتاريخ 28 فيفري/شباط 1958 عن عمر 82 سنة، وقد دُفن حسب وصيته بجوار صديقه أحمد تيمور باشا وهو أديب مصري كان عضوًا بالمجمع العلمي العربي بدمشق.

مؤلفاته ومعاركه الفكرية

ألف الشيخ محمد الخضر حسين طيلة حياته عديد الكتب مثل "الحرية في الإسلام"، و"آداب الحرب على الإسلام"، و"بلاغة القرآن"، و"تعليقات على كتاب الموافقات للشاطبي"، و"أديان العرب قبل الإسلام"، و"تونس..67 عامًا تحت الاحتلال الفرنساوي 1881-1948"، "تونس وجامع الزيتونة"، و"حياة ابن خلدون ومثل عن فلسفته الاجتماعية"، و"دراسات في العربية وتاريخها".

ألف الشيخ محمد خضر حسين في الدين والسياسة واللغة والشعر وخاض المعارك الفكرية والأدبية ضد علي عبد الرازق وطه حسين في المنتصف الأول للقرن العشرين

ألف الشيخ بذلك في الدين والسياسة والاجتماع واللغة، كما كتب "رسائل الإصلاح" في ثلاثة أجزاء. كما كان للشيخ مغامرة في الشعر بديوان "خواطر الحياة".

وقد خاض الخضر حسين المعارك الفكرية والأدبية التي عرفتها مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، فألف كتاب "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" سنة 1926 ردًا على الكتاب الشهير والمثير للجدل لعلي عبد الرازق. وألف أيضًا كتابًا بعنوان "نقض كتاب في الشعر الجاهلي" للردّ على أطروحة الأديب طه حسين التي اعتبر الشعر الجاهلي مختلقًا ومنحولًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. "الخلدونيّة" مدرسة التحديث والمقاومة

في تونس.. الثعالبي جد النهضة والنداء؟