مقال رأي
مازالت حرب الشقوق داخل نداء تونس، الحزب الحاكم في البلاد، متواصلة بشكل يأخذ أكثر خطورة في الوقت الذي تعيش فيه البلاد أزمة سياسية واقتصادية، فما زادت أزمة الحزب الذي من المفترض أن يقود سفينة البلاد إلا عبئًا جديدًا على المشهد المضطرب بأصله.
قبل يومين، تم تشكيل جبهة إنقاذ من قيادات عليا معارضة لنجل الرئيس حافظ قائد السبسي الذي يتولى منصب المدير التنفيذي، والذي رفض تشكيل هذه الجبهة وتظاهر أنصاره أمام مقر الحزب. وبدل أن يتصدر موضوع الموازنة المالية الذي خلف قطيعة بين الحكومة واتحاد الشغل ما ينذر بتصاعد الأزمة بينهما للبرامج السياسية، عاد موضوع أزمة الحزب الحاكم تواصلًا لمسلسل سئم التونسيون حلقاته.
يستأثر حزب نداء تونس حاليًا بالمؤسسات الثلاث العليا وهي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان
هذه الأزمات المتواصلة للحزب والتي بدأت منذ انشقاق أمينه العام محسن مرزوق وانقسام كتلته النيابية في السنة الفارطة أكدت بأن هذا الحزب الذي تأسس سنة 2012 لم يكن حاملًا لمشروع سياسي متين جمع قياداته، بقدر ما كان غطاء للنظام القديم مع بعض الوجوه اليسارية والنقابية، وقد اتحدت بهدف وحيد وهو إزاحة الأحزاب التي فازت بانتخابات 2011، وإعادة النظام القديم لسدة رأس السلطة.
بعد تحقيق هذه المهمة، تبينت هشاشة الحزب حينما بات أغلب القادة يرون في أنفسهم الزعامة والأحقية بالسيطرة على الحزب بعد استقالة رئيسه السبسي منذ انتخابه رئيسًا للجمهورية.
الخلافات بين قيادات الحزب ليست حول خيارات فكرية أو مضامين سياسية بل هي حول مطامع شخصية، ولذلك يصعب ضبط الخيط الناظم والفارق بين أجنحة الحزب. فالملاحظ للاصطفافات يتبين أنه كلما تمت إزاحة فريق إلا وانطلقت أزمة جديدة داخل الفريق الذي كسب المعركة، فيما يشبه دورة السرطان.
والخلافات بين المجموعات لا يتم حسمها عبر اجتماعات فقرارات بالأغلبية وبلاغات، بل اُستعمل فيها الهراوات والتسريبات حول فضائح شخصية، وتمويل لصحف صفراء انتصبت معادية لأشخاص بنشر الغسيل وبالسب والثلب.
يستأثر هذا الحزب حاليًا بالمؤسسات الثلاث العليا وهي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، وكل مجموعة للحزب تعمل على الاستقواء بإحدى هذه المؤسسات. نورالدين بن تيشة مستشار رئيس الجمهورية يمثل أحد أكثر الشخصيات الجدلية داخل الحزب، ويتهمه عديد القيادات بما فيهم مدير الديوان الرئاسي السابق رضا بلحاج بأنه يعمل على تأزيم الوضع السياسي لفك التحالف مع حركة النهضة وذلك من داخل قصر قرطاج.
وقد تورط بن تيشة قبل أسابيع في محاولات ضغط على قناة خاصة من أجل منع بث حوار مع الرئيس السابق المنصف المرزوقي. كما أن بن تيشة هو أحد المتورطين في ملف فبركة تصريح إعلامي للمرزوقي، كذلك وتمت إدانته ولا يزال الملف في طور التقاضي.
الخلاف بين قيادات نداء تونس ليست حول مضامين سياسية بل حول مطامع شخصية، لذلك يصعب ضبط الخيط الناظم والفارق بين أجنحة الحزب
يؤكد تواصل الصراعات الحادة داخل الحزب الحاكم بأن رئيس الجمهورية السبسي لم يعد قادرًا على ضبط الأمور، ورغم أن الجميع دائمًا ما يؤكدون احترامهم له وهم يصفونه بالرئيس المؤسس، فإنهم رفضوا الذهاب في السيناريو الذي يدعمه السبسي ضمنيًا، وهو تدعيم مركز نجله في الحزب.
اليوم في الوقت الذي تحتاج فيه تونس لحزب قوي ومتماسك، فإنه يقودها حزب نخرت الصراعات صفوفه، إلى درجة أنه لا يُعرف اليوم أي فريق هو الممثل للموقف الرسمي للحزب خاصة في ظل النزاع القانوني بينهما.
تأكد للتونسيين اليوم بعد سنتين، أن الحزب الذي وعدهم أنه سينهض بتونس هو بذاته بحاجة لمن يمدّ إليه يد العون. لقد ضاق التونسيون ذرعًا بسبب صراعات هذا الحزب، فمتى ينتهي هذا المهرجان السخيف؟
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"