08-أغسطس-2016

تحرير فلسطين بوّابته الرئيسة فلسطنة الساحة العربية انتفاضًا مواطنيًا اجتماعيًا(ياسين القايدي/الأناضول)

مثّل كتاب "الاستشراق" للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد بداية تشكّل تيار معرفي ابستمولوجي ديكولونيالي، يخوض فتوحات معرفية في قلب الجامعات الغربية، لفك السحر عن سرديات التمركز الثقافي والتحيّز المعرفي الغرباوي ضد الشعوب والثقافات خارج أسوار المتربول الرأسمالو- غرباوي.

معركة المقاطعة الأكاديمية لجامعات الكيان ونقل السردية الفلسطينية إلى قلب الجامعات الغربية هي أسلحة جديدة في بنادق المقاومة الفلسطينية

وقد وصلت تأثيرات هذا التيار المعرفي الجذري إلى قلب الجامعات العبرية داخل الكيان الصهيوني، إذ تشكل ما يعرف بتيار "المؤرخين الجدد" الذي أصبح يطعن ويفكك سرديات تأسيس الكيان الصهيوني باعتباره مجرد مشروع كولونيالي، ويلفت الانتباه إلى المجازر والتهجير الذي تعرض له الفلسطينيون غِبّ إعلان الكيان الصهيوني سنة 48 من القرن الماضي.

 

 

فهذا "شلومو ساند" يكتب عن أساطير اختلاق "الشعب اليهودي"، وهذا "ايلان بابيه" يكتب عن "فكرة إسرائيل" ويفكك تاريخ السلطة والمعرفة، ويتحدث عن تجربته في إقناع "الإسرائيليين" بأسطورية المشروع الصهيوني، ويتحدث عن نشاطاته في الجامعات البريطانية في سبيل فرض مقاطعة أكاديمية على جامعات كيان عدواني. وهذا "بيني موريس" يكتب المجلدات عن مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سنة 48 ناسفًا أسطورة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وهذا "كيث وايتلام" يتحدث عن اختلاق "إسرائيل القديمة" وإسكات التاريخ الفلسطيني. وهذا "إسرائيل فنكلشتاين" يفنّد أساطير "إسرائيل القديمة" على ضوء اكتشافات العلوم الأثارية.

وقد مثلت موجة الانتفاض الفلسطيني سنة 2000 بداية ميلاد حملة المقاطعة الأكاديمية للجامعات العبرية، التي نسّقت جهودها "اللجنة البريطانية من أجل جامعات فلسطين" (BRICUP) استجابة لمبادرة أطلقها فلسطينيو الأرض المحتلة، وقد ارتعدت فرائص حكومة العدو الصهيوني وحرّكت لوبّياتها في الغرب الرأسمالي لمحاصرة الحملة، لما تمثّله من بداية انتصار/ انتشار السردية الفلسطينية، التي عملت السردية الصهيونية (المهيمنة على الجامعات الغربية) على إسكاتها وتغييبها.

ضمن هكذا اهتمامات أكاديمية، نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات‏ (فرع تونس)، ندوة علمية في تونس من يوم 4 إلى 6 آب/أغسطس 2016 حاضر فيها عشرات الأكاديميين من مختلف جامعات العالم، تحت عنوان: "إستراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد، الواقع الطموح". فوجئ المحاضرون باقتحام رهط من الشبّيحة الجهلة قاعة المحاضرات هاتفين ضد التطبيع !!! ما وراء الأكمة يا ترى؟

احتج هذا الرهط على المؤتمر لسببين:

1 - أولهما حسب دعواهم أن "هذه الدعوات تمثل تحريضًا على نبذ المقاومة المسلحة وحصر القضية في الندوات المغلقة".

وقد فات هؤلاء الجهلة أن المؤتمر يندرج ضمن ما كنا بصدد تفصيله أعلاه، فكّ الحصار عن السردية الفلسطينية المحاصرة والمغيّبة في مختلف الجامعات الغربية لصالح السردية الصهيونية التي تقدم نفسها باعتبارها "مشروع استقلال وتحرر"، وتقدم الفلسطينيين باعتبارهم "غزاة ومعتدين"!! وليس غريبًا أن تسارع الحكومة الصهيونية بالتنديد بالمؤتمر، الذي يراكم معارك التفكيك الأكاديمي للمشروع الصهيوني ونقل المعركة إلى قلب الجامعات الغربية هناك حيث تصاغ العقول والسياسات.

مما يجعل من معركة المقاطعة الأكاديمية لجامعات الكيان واستراتيجية نقل السردية الفلسطينية إلى قلب الجامعات الغربية أسلحة جديدة في بنادق المقاومة الفلسطينية المسلحة، وتحويل مختلف المنابر  إلى ساحات اشتباك تفك الحصار عن فلسطين وتعرّف بقضيتها باعتبار قضية تحرر وطني، وباعتبار الصهيونية آخر المشاريع الكولونيالية البغيضة.. فما الذي أعمى الشبّيحة عن هكذا معركة مصيرية، أم على قلوب أقفالها؟؟؟

كان على هؤلاء المرتزقة أن يعوا أن تحرير فلسطين بوّابته الرئيسة فلسطنة الساحة العربية انتفاضًا مواطنيًا اجتماعيًا

2 – ثاني حجج الشبّيحة البلطجية أن "المؤتمر ينظمه مركز أبحاث ودراسات مقره الرئيس في قطر التي تعترف بالكيان الصهيوني".

طيب وبمعزل عن نقاش الزعم وصحته اليوم، هل بموجب ذلك نطعن في كل المؤتمرات والندوات والأطروحات الجامعية التي تعقد في جامعات ومراكز بحث تعود إلى دول تحكمها نظم بوليسية مثلا؟ هل كل الندوات والمؤتمرات التي تعقد لمناهضة الكيان في دول كمصر والأردن مطعون فيها لأنها تعقد في دول لها علاقات مع الكيان؟

ما وراء الأكمة إذًا؟

رقصة الديك المذبوح التي رقصها هؤلاء البلطجية المأجورون تمّت على خلفية انخراطهم في تخوين انتفاضات الشعوب ذات 17 كانون الأول/ديسمبر ودمغه بــ"الربيع العبري"، خدمة لنظم إنقلابية لم تهضم أن يطالها الانتفاض المواطني الاجتماعي، فخلطت كل الأوراق واستدرجت كل شذاذ الآفاق، لشيطنته أولاً وسحقه لاحقًا. كان على هؤلاء المرتزقة أن يعوا أن تحرير فلسطين بوّابته الرئيسة فلسطنة الساحة العربية انتفاضًا مواطنيًا اجتماعيًا، لاحتضان المقاومة وتحريرها من نظم لصوصية تسلطية احتلت شعوبها باسم فلسطين.