12-يناير-2016

يبقى ملف إصلاح التعليم عمومًا وترميم النظام المتعلّق بالتكوين في كليات الحقوق خصوصًا، هاجسًا أساسيا(فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

يشترك جميع المتابعين والمهتمّين بالشأن الجامعي في اختصاص الحقوق في تونس، اليوم، في قناعة مضمونها محدودية التّكوين في هذا الاختصاص المهم، وهو اختصاص مرتبط بشكل مباشر بمهن محورية ذات علاقة بالقضاء والمحاماة، وتسيير الإدارة وغيرها، إذ يشدّدون على انخفاض مستوى التكوين المقدّم للطلبة في الجامعة، وذلك في نظام تعليمي يصفه الملاحظون "بالهزيل والفاقد للنجاعة المطلوبة".

يُرجع الجامعيون والمتخصصون في القانون تراجع مستوى تكوين الطلبة إلى نظام "إمد" المعتمد حاليًا

نظام "إمد" في قفص الاتهام

يُرجع عديد الجامعيين والمتخصّصين في القانون تراجع مستوى التكوين الجامعي للطلبة إلى النظام الجامعي الحالي، والذي يُعرف بنظام "إمد" (اختصار إجازة-ماجستير-دكتوراه)، مقارنة بالنظام التعليمي السابق. في تونس، تمّ تعويض مرحلة الأستاذية التي تضم ثماني سداسيات بمرحلة الإجازة التي تحتوي على ست سداسيات، وهو ما انعكس وفقهم في مرحلة أولى على التحصيل الكمّي وفي مرحلة ثانية على التحصيل الكيفي.

ففي إطار النظام الجديد، يتلقى جميع طلبة القانون في السنة الأولى، السداسية الأولى والثانية، تكوينًا موحّدًا يجمع بين مواد القانون الخاصّ ومواد القانون العام بشكل متساوٍ عمومًا، ثم يتمّ التخصّص في السنة الموالية، في القانون الخاصّ أو القانون العام. ويقول متابعون للشأن إن "سنة واحدة تبقى قاصرة على تمتيع الطالب من التمكّن من الأسس القانونية والمفاهيم الأساسية ذات العلاقة".

وفي إطار آخر، يوجد في مرحلة الإجازة مسلكان، مسلك "الإجازة الأساسية" ومسلك "الإجازة التطبيقية"، والذي يوصف بأنه يتميّز بتكوين أكثر محايثة لمتطلبات سوق الشغل، غير أن الفارق العملي بينهما على مستوى القبول في الكليات القانونية هو أن التحصيل المطلوب للقبول بالإجازة الأساسية أعلى منه للإجازة التطبيقية. وتبقى هذه التفرقة غير ناجعة بالنسبة لاختصاص الحقوق، حسب المتخصصين، لأنها موجّهة أكثر للاختصاصات التقنية من جهة أولى، ونظرًا لطبيعة المهن القانونية في سوق الشغل من جهة ثانية، ما يجعل هذه التفرقة دون أساس جدّي. وفي هذا السياق، قال أستاذ القانون العام سليم اللغماني، في وقت سابق، إن "التمييز بين الإجازة الأساسية والإجازة التطبيقية في القانون غير وجيه لأن القانون بطبيعته تطبيقي".

التباين في التكوين معضلة أخرى

من جانب آخر وبتجاوز مواطن ضعف النظام المعتمد "إمد"، يشير ملاحظون إلى وجود خلل في التكوين من خلال التفاوت البيّن في جودته بين الكليات. حيث توجد في تونس خمس كليات للحقوق، اثنان بالعاصمة، كلية بصفاقس، وأخرى بسوسة والخامسة بجندوبة وهي الكلية الأحدث. ورغم اشتمالها جميعها على مختلف التخصصات القانونية الفرعية على النحو المذكور سابقًا، فإنها تتفاوت على مستوى جودة التكوين وهذا متناغم مع حقيقة وجود ثنائية كليات العاصمة وكليات خارج العاصمة من حيثّ تركز نخبة الجامعيين في الكليات الأولى، بحيث تبقى الهجرة إلى العاصمة ضرورة للطالب الذي يبغي تكوينًا أكثر جودة مقارنة بما تقدّمه الكليات خارج العاصمة وهذا ليس حكرًا على اختصاص القانون، وبالموازاة ليس خصوصية تونسية بحتة.

الملاحظة الأساسية، في هذا الجانب، هي الفارق في التكوين بحسب الاختصاص بين كليتيْ العاصمة وهما كلية الحقوق والعلوم السياسية، الكلية الأقدم في تونس، وكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية، حيث بات من المتعارف عليه عٌرفًا أن الكلية الأولى تُعرف بتميّزها في اختصاص القانون الخاص بتدريس نخبة الجامعيين في هذا الاختصاص بها، مقارنة بالكلية الثانية التي تُعرف بتميّزها في اختصاص القانون العام، حيث تتركّز نخبة الجامعيين في هذا المجال بها.

ويُرجع ملاحظون هذا الفارق لعدة عوامل أهمها أن بعث كلية العلوم القانونية نهاية الثمانينيات جاءت لحسم صراع بين الجامعيين العروبيين من جهة والجامعيين الفرنكفونيين من جهة أخرى بتخصيص كلية خاصّة بالشق الثاني موجّهة بالأساس للتكوين في القانون العام، الذي يتم تدريس مواده عمومًا باللغة الفرنسية. وفي هذا الجانب، يجب الإشارة إلى أن أول أطروحة دكتوراه في القانون الخاصّ تم تقديمها باللغة العربية في تونس لم تكن إلا سنة 1988 وهي أطروحة الأستاذ عبد الله الأحمدي وذلك بعد أكثر من خمس عشرة سنة من تقديم أطروحات الدكتوراه بكلية الحقوق بالعاصمة.

أول أطروحة دكتوراه في القانون الخاصّ تم تقديمها باللغة العربية في تونس لم تكن إلا سنة 1988 وذلك بعد أكثر من 15 سنة من تقديم الأطروحات

والفارق بين كليتيْ العاصمة بتفرّد كل منها عُرفًا بتخصّص يذهب والتعاظم وليس التقارب بينهما، وهو ما يؤثر سلبًا على دارس القانون الخاص بكلية "القانونية" أو العكس، أي دارس القانون العام بكلية الحقوق مثلًا، وذلك من زاوية تباين التكوين بين الطالب في هذه الكلية في تخصص ما وطالب آخر في كلية أخرى وفي نفس التخصّص وهو ما لا يحقّق مبدأ تساوي الفرص. حيث تعاني كلية العلوم القانونية من نقص فادح في الإطار الجامعي ذي الكفاءة العالية في اختصاص القانون الخاص، أي رتبة أستاذ محاضر أو أستاذ تعليم عالي، حيث يتمّ تقديم المحاضرات في مواد أساسية من قبل أساتذة غير ذي وزن في الساحة الأكاديمية القانونية وذلك على عكس السنوات الفارطة.

ضعف التكوين في الحقوق ليس استثناء

يشدّد مراقبون أن ضعف التكوين ليست خصوصية بالنسبة لكليات الحقوق بل ينسحب على جميع التخصصات في التعليم العالي، بل على التعليم في تونس عمومًا، وذلك بأثر التتابع أو الدومينو. حيث يمثل تراجع مستوى التكوين في المنظومة التعليمية التونسية محلّ إجماع بين مختلف الجهات المتداخلة في المجال. ويمثّل ملفّ إصلاح التعليم العالي اليوم الملف الأساسي المطروح على طاولة الوزارة المختصّة التي سبق وأطلقت قبل أشهر ما أسمته "الحوار المجتمعي حول إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي 2015-2025" ويمثل تطوير جودة التكوين الجامعي والبيداغوجي أول محاور مشروع الإصلاح وفق ما أعلن عنه.

بالنهاية، يبقى ملف إصلاح التعليم عمومًا وترميم النظام المتعلّق بالتكوين في كليات الحقوق خصوصًا، هاجسًا أساسيًا نظرًا لآثاره السلبية وتبعاته الخطيرة على مختلف المستويات، وهو ما يستلزم وفق مراقبين جديّة انكباب مختلف الجهات المتداخلة للقيام بالإصلاحات اللازمة وضمان نجاعتها على المدى المتوسط والبعيد.

اقرأ/ي أيضًا:

جامعات تونس.. تنتج الأزمة بدل المعرفة

انتخابات الجامعة التونسية.. انطلاق المعركة!