يوم واحد قبل افتتاح أيام قرطاج السينمائية وأيام بعد التفجير الانتحاري الذي جد بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية، تجمع العشرات من التونسيين ملبين نداء الطبل و"الزكرة".
سمر بن عمارة بغطاء رأسها العتيق الذي ترتديه جداتنا، غطاء أخضر كتونسنا، ولباسها ذو اللمسة التقليدية، بثت أنفاسها في "الزكرة" فانسابت أنغامها حتى كادت تعانق عنان السماء، أغوت المارة فتجمعوا حولها. تسارعت ضربات الطبل وعلا رنين الزكرة، وازدادت وتيرة تصفيق الحاضرين وتمايلت الرؤوس والأجساد تفاعلًا مع الأنغام الحماسية.
[[{"fid":"102111","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":532,"width":400,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]
تحدّي الإرهاب في ذات المكان الذي عرف تفجيرًا انتحاريًا في شارع الحبيب بورقيبة
على بعد أمتار من المسرح البلدي حيث دوّى جسد المرأة وهو ينفجر وسط دورية أمنية، دوّى قرع الطبل حتى تردّد صداه في كامل شارع الحبيب بورڨيبة، وكأن به يطمس صوت تلك الذكرى.
وكلما ازداد عدد المواطنين الذين هبوا لصوت الطبل و"الزكرة" كلما ارتفع نسق الإيقاع ليزداد معه عدد الوافدين على المنصة التابعة لأيام قرطاج السينمائية. تصفيق وهتافات وزغاريد عفوية لعلعت في قلب شارع الحبيب بورڨيبة، أمائر فرح ونشوة في وجوه جمهور اختلف جنسه وعمره، نساء ورجال وشيب وشباب أغواهم العزف فرقصوا على إيقاعاته مشهرين الفرح سلاحًا في وجه قتامة الإرهاب.
لا شيء في شارع الحبيب بورڨيبة يوحي بأن الإرهاب مرّ من هنا منذ أيام وكأن هذا الشارع لا يرضى أن يكون إلا عنوان فرح ونصر
لا شيء في شارع الحبيب بورڨيبة يوحي بأن الإرهاب مرّ من هنا منذ أيام، وكأن هذا الشارع الذي دوت به هتافات الآلاف من المواطنين ذات يوم منادية برحيل المخلوع بن علي لا يرضى أن يكون إلا عنوان فرح ونصر.
ولأن بعض من لبوا نداء الموسيقى تماهوا مع إيقاعاتها واستسلموا لهزات خصورهم وضربات أقدامهم على الأرض فكانوا سكارى وماهم بسكارى، فإننا لم نشأ أن نفوت فرصة الحديث معهم.
اقرأ/ي أيضًا: مانيفاستو حساء الخضار: الإرهاب لا يضحك !
سارة طالبة جامعية قطعنا عليها رقصها على وقع الطبل والزكرة، وهي تكاد لا تتحكم في حركات جسدها تقول إنها من عشاق الموسيقى الشعبية وإنها تهوى الرقص على إيقاعاتها. وتضيف أنها كانت تجلس مع رفيقتها في أحد المقاهي ولما سمعت صدى الطبل والزكرة لبت النداء ورقصت حتى انتشت. سارة كانت تبتلع الحروف وهي تسرع في الكلام، كانت تريد أن تلتحق بحلبة الرقص من جديد، قبل أن تغادر ذكرنا في العملية الإرهابية الأخيرة فردّدت "الإرهاب ما يخوفناش وهانا نشطحو" (الإرهاب لا يخيفنا وها نحن نرقص).
عبد اللطيف (موظف): تجمهر العديد من المواطنين في شارع الحبيب بورڨيبة خير دليل على أن الإرهاب لن يبث الخوف في قلوب التونسيين
أما عبد اللطيف موظف بإحدى شركات الاتصال فقد تبوأ ركنًا بجانب منصة العرض، واضعًا كلتا يديه حول خصره كان يديره يمينًا وشمالًا في تناغم تام مع الإيقاعات. لم ينقطع عن الرقص وهو يقول إن تجمهر العديد من المواطنين في شارع الحبيب بورڨيبة خير دليل على أن الإرهاب لن يبث الخوف في قلوب التونسيين.
ويتابع وقد تقطعت أنفاسه من فرط الرقص قائلًا: "الإرهابيون أعداء الحياة ودعاة للموت، أرادوا استهداف شارع الحبيب بورڨيبة شريان العاصمة ولكنهم لم يفلحوا وها نحن نرقص ولن ترهبنا مخططاتهم".
ووسط جمهور "الزكرة" والطبل، رقص أيضًا أمين مع عدد من أصدقائه وهم يدخنون، يقول وهو متشبث بسيجارته وكأن العزف يغريه بالتدخين: "إن الشعب التونسي شعب يحب الرقص والغناء ولا يعشق النكد". وهو يتطلع إلى أصدقائه الذين واصلوا الرقص وكلفوه بمهمة الحديث إلينا، يضيف أن الإرهاب لن يهزم شعبًا يحب "الزهو والطرب". ويؤكّد أن إقبال الجماهير على العروض التي تنتظم بمناسبة أيام قرطاج السينمائية سيكون خير ردّ على الجماعات الإرهابية.
أمين (شاب تونسي): إقبال الجماهير على العروض التي تنتظم بمناسبة أيام قرطاج السينمائية سيكون خير ردّ على الجماعات الإرهابية
وغير بعيد عن أمين وأصدقائه، سيدة تكاد تجاوز مرحلة الكهولة، كانت بين الفينة والأخرى تطلق الزغاريد وما بينها تصفق بكل ما أوتيت من حماس. هي منية ربة بيت، تقول إنها كانت تتجول مع أبنائها في شارع الحبيب بورڨيبة فاستمالهم صوت العزف، وقدموا إلى العرض. وتضيف أنها سعيدة لأن التونسيين يرقصون على بعد أمتار من المكان الذي فجرت فيه إرهابية نفسها، مؤكّدة أنها على يقين من أن الفرح يليق بالشعب التونسي.
تشق، في الأثناء، الزغاريد العفوية طريقها وسط قرع الطبل ورنين "الزكرة" وصدى التصفيق، ويعج شارع الحبيب بورڨيبة فرحًا ورقصًا، معلنًا أن الأمل عقيدة التونسيين وأن الإرهاب لا عقيدة له.
[[{"fid":"102114","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":600,"width":450,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
الفرح يليق بالتونسيين
اقرأ/ي أيضًا:
كتاب "في كل بيت داعشي".. بحث في الاستراتيجية الاتصالية للتنظيم الإرهابي
نظرة العرب لـ"داعش".. إجابات "مميّزة" للتونسيين في المؤشر العربي