11-مارس-2019

نقش شباب رفراف بأناملهم ملامح مستقبل مشرق جسّدته صور ومشاهد أدخلت نبضًا جديدًا للمدينة

 

قلائل هم أولئك الذين لم يمرّوا بالطريق المؤدّية إلى مدينة رفراف من ولاية بنزرت. طريق على ازدحامه في أيام الصيف يحمل بين ثناياه صورًا لا تغادر الذاكرة. صور أطفال يبيعون على قارعة الطرقات كلّ أصناف الخضر والغلال الصيفية. يبيعون خبز الطابونة و"القطانية" المشوية.

صور بعض الصيادين على الشاطئ حيث تُباع الأسماك "من بحرها"، يضعونها على الشباك الممتلئة ويتركون للمصطافين حرية اختيار النوع المفضل لديهم. هذا بالإضافة إلى المناظر الطبيعية الخلاّبة التي تختلط فيها صور البحر بصور الغابات والجبال الخضراء والرمال الذهبية والكهوف الحجرية الشاطئية.

واستعدادًا للموسم الصيفي، تعيش المدينة في هذه الفترة حركيّة غير اعتيادية، فقد دبّت الحياة في طرقاتها ورسم الأمل على جدرانها واكتست بحلّة مخمليّة نسجتها أنامل شباب آمنوا أنّهم بواسطة فنّهم يستطيعون جعل هذه المدينة نموذجيّة واستثنائيّة.

اقرأ/ي أيضًا: عن نساء خلقن من الألوان حيوات..

شباب رفراف اختار الفنّ والرسم للتعبير عن حبّهم لمدينتهم

"رفراف لبنزرت هي كحلق الوادي لتونس"

تقع مدينة رفراف فوق تلّة ملتصقة بجبل الناظور، وعلى الساحل البحري هناك قسم آخر من المدينة يمتد على طول الساحل جزء منه يسمى "ظهر عياد" والآخر يسمى "الحماري". وتطل رفراف على خليج صغير تتوسطه جزيرة صغيرة تسمى قمنارية "Pilau". يتحدّث رئيس بلديّة رفراف إبراهيم بوترعة لـ"ألترا تونس" عن هذه المدينة قائلًا " تسمية المدينة تعود إلى اسم طائر الرفرف الذي كان يعشّش بها وهناك من يرجع هذه التسمية إلى التنافس في العلو بين المدن الأندلسية في التسميات على غرار العالية أو رأس الجبل".

رئيس بلدية رفراف لـ"ألترا تونس": الأصول الأندلسيّة ساهمت في حرفيّة أبناء الجهة في البناء والهندسة المعماريّة لمدينة رفراف

أما عن أصولها السكانيّة، يقول بوترعة إن المدينة تتضمّن ثلاثة أصول سكانية، أصل أندلسي، وأصل من عمق البلاد التونسية وأصل مالطي يتبع جزر البحر المتوسط. وقد أثّرت الجالية الأندلسية التي استقرت في بنزرت في المجتمع، وبقي هذا التأثير قائمًا إلى يومنا هذا في الفن المعماري والزراعة والصناعة والعادات، بالإضافة إلى عديد التسميات الأندلسيّة. ورغم اختلاف الأصول السكانية لهذه المدينة، إلاّ أنها حافظت على تفرّدها الأندلسي.

وفي هذا الإطار، يبيّن بوترعة أن الأصول الأندلسيّة ساهمت في حرفيّة أبناء الجهة في البناء والهندسة المعماريّة. كما تمتاز الجهة بالصناعات واللباس التقليدي الذي تعمل الحرفيّات بدقة وإتقان حرصًا على تفاصيله، حسب تعبيره. وتمتاز كذلك المدينة بسهر لياليها على مدار السنة كأغلب المناطق الأندلسيّة فهي مدينة لا تنام وتنبض حركة على امتداد اليوم.

ويضيف محدثنا أن رفراف مدينة آمنة وتمتاز بدفء اجتماعي لم يندثر على مرّ الأيام والمحن التي مرّت بالبلاد فحتّى أيام الثورة بقيت المدينة محافظة على نسق حياة طبيعية وتضامن استثنائي بين متساكنيها، وفق تصريحاتها.وتتميّز المدينة بالعراقة في النضال الوطني إذ كانت تضم ثاني شعبة دستورية بعد تأسيس الحزب الدستوري وعددًا كبيرًا من المناضلين.

أطلق مجموعة من شباب رفراف مبادرة تزيين محطّات المدينة من خلال تنظيفها وإعادة ترميمها ورسم صور على جدرانها

 

"محطتي مزيانة"

شباب رفراف اختار الفنّ والرسم للتعبير عن حبّهم لمدينتهم، فنقشوا بأناملهم ملامح مستقبل مشرق جسّدته صور ومشاهد أدخلت نبضًا جديدًا للمدينة وبعثت موجات سعادة لكلّ المارّين عبر شوارعها. كما أسدلت الستار عن القدرات الإبداعية والحرفية التي يمتلكها هؤلاء الشباب.

"محطتي مزيانة" هي بالأساس فكرة مشروع تخرج طالبتان بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، وهما صباح إبراهيم ووفاء بن بركة، أرادتا من خلالها جعل أوقات الانتظار في المحطّات أوقات متعة. فكرة حظيت بترحاب من قبل جمعية َمهرجان مسكي الثقافات برفراف ونالت إعجاب متساكني المنطقة حيث حاول الجميع  تجسيد هذه الفكرة على أرض الواقع بهدف تجميل صورة البلاد من جهة وتوفير محطات حافلات تليق بالمنتظرين من جهة ثانية.

ولا يمكننا الحديث عن رفراف دون الحديث عن "المسكي" ذو المذاق الرائع والنكهة المميزة والرائحة العطرة التي جعلت منه ذا شهرة وطنية وعالمية منذ عقود، ومنه استلهم القائمون على جمعيّة مهرجان مسكي الثقافات اسمهم. أسسّت هذه الجمعيّة في أواخر 2018 مع جملة من المهتمين بالشأن الثقافي كالمخرج حمادي عرافة الذي يترأس الجمعيّة والفنّان والسيناريست علي اللواتي والفنّان عمر ولد باب الله.

المكلف بالإعلام لجمعية المسكي: مدينة رفراف حباها الله بجمال الطبيعة إلّا أنها منسية وتعاني عديد النقائص وخاصّة غياب الأنشطة للترويح عن النفس

اقرأ/ي أيضًا: "الرسم على الماء" أو "الإيبرو".. الإقصاء القسري لفنّ عظيم

ويقول المكلّف بالإعلام بالجمعية رياض بالرايس لـ"ألترا تونس" إنّ الجمعيّة تهدف إلى تأطير الشباب والأطفال عبر برامج تنشيطية تدعم ثقافة التطوع والمبادرة والمشاركة الفعالة بين الشباب، مضيفًا أن الجمعيّة بالرغم من قلّة مواردها إلّا انها ساهمت في تنشيط المدينة والتعريف بموروثها الثقافي من خلال عديد الفعاليّات.

ويؤكّد رياض بالرايس أن "مدينة رفراف حباها الله بجمال الطبيعة وهي من أجمل المناطق في ولاية بنزرت إلّا أنها منسية وتعاني عديد النقائص وخاصّة غياب الأنشطة للترويح عن النفس ولكنّ الوضعية الرياضية والثقافية تحسنت مع بداية العام"، معربًا عن أمله في أن يكون القادم أفضل.

من جهتها، تتحدّث رنيم قشار، الشابّة ذات التسع عشرة ربيعًا وعضو الجمعية، لـ"ألترا تونس" عن هذه التظاهرة قائلة "نحن مجموعة من الشباب انطلقنا بفكرة تزيين محطّات المدينة من خلال تنظيفها وإعادة ترميمها ورسم صور على جدرانها تعرّف بموروثنا الثقافي نظرًا لأنّه بدأ يُنسى فأردنا أن تعيد إحياءه من خلال هذه البادرة".

أدخلت أنشطة جمعية مسكي روحًا جديدة على مدينة رفراف 

 

وعن موهبتها، تقول قشار إنها بدأت بالرسم منذ صغرها مبرزة أنه منذ أصبح عمرها تسع سنوات أصبح لها لوحاتها الخاصّة التي مكّنتها من تأثيث أولى معارضها في سنّ صغيرة. وأكدت أنها طوّرت موهبتها لوحدها وأصبح لديها منتوجات مختلفة من ملابس تقليدية وتحف.

ويشاركها هذه الموهبة الشاب منير هلال الذي يبلغ من العمر 30 سنة والذي عبّر عن أحاسيسه وأفكاره بوساطة الأشكال والخطوط والألون. ألوان غلّفت المدينة بأعمال فنيّة رائعة جعلته يشعر بالفخر والسعادة عندما يلاقيه سكّان المدينة بعبارات الشكر والثناء.

ومنير هلال هو عامل بناء بالأساس ولكنّه يعاني نوعًا من الحساسيّة جعلته لا يستطيع العمل بحضائر البناء فجعل من رسوماته مورد رزق له خاصّة يستفيد من مدخوله ويستمتع بإنجازه.

وعن الرسم عن الجدار وصعوباته، يقول منير إنه طوّر تقنياته من خلال مقاطع الفيديو التي يجدها عبر الانترنت ويستلهم من فنّانين آخرين الطرق والأساليب لتحويل الرسومات من الورق إلى الجدار، مضيفًا أنّ أول جداريّة له كانت على حائط "حومته" وتقاسمها هو وصديق له ومحورها الأساسي القضيّة الفلسطينيّة.

"لا يوجد حياة ثقافية في رفراف.. هناك موت ثقافي"

"لا يوجد حياة ثقافية في رفراف هناك موت ثقافي"، هكذا عبّر رئيس بلديّة رفراف إبراهيم بوترعة عن وضعيّة المدينة التي قال إنها لا تحتوي لا على دار شباب أو دار ثقافة أو أي نوع من المؤسسات التي تستطيع تأطير الشباب ثقافيًا، مبينًا أن المدينة تضم نادي أطفال وحيدًا وجمعيّة كرة طائرة عريقة صنعت عديد الأبطال على المستوى الوطني على غرار شعيب الآغا وكانت لها عديد المشاركات الدوليّة. كما تحصّلت هذه الجمعية على كأس تونس للأكابر والفرديّ والزوجي.

وتشاطره في هذا الرأي عضو جمعية مسكي الثقافات ألفة عثمان التي أكدت لـ"ألترا تونس" غياب مرافق الترفيه للصغار الذين يضطرّون للابتعاد عن المدينة من أجل الترفيه، موضحة أن الأنشطة التي تقوم بها جمعيّة مسكي الثقافات أدخلت روحًا جديدة للمدينة التي كانت مهمّشة وأنها فخورة بما يفعله كل شباب المنطقة.

سناء زمزم (أستاذة تربية تشكيلية) لـ"ألترا تونس": الفراغ يولّد الانحراف وإنّ الشباب يبحث عن أماكن تحتويه وتصقل مواهبه

تأثر سكان مدينة رفراف بالمبادرات الشبابية وأظهروا تفاعلهم الإيجابي معها

من جهته، يؤكد عضو الجمعية عادل عرافة، البالغ من العمر 49 سنة، أن الثقافة هي الأساس مشيرًا إلى ضرورة إحداث مركّب شبابي يحتضن الشباب الموهوب والمليء بالطاقة. وأبرز أن أغلب الشباب يتوجّه للكرة لأنّ الحل الوحيد الموجود والمتمثّل في جمعيّة رياضيّة بتمويل بسيط، حسب تعبيره.

وفي هذا الإطار، تقول أستاذة التربية التشكيلية سناء زمزم لـ"ألترا تونس" إنّ الفراغ يولّد الانحراف وإنّ الشباب يبحث عن أماكن تحتويه وتصقل مواهبه وتمكّنه من التعبير عن مشاغله بطرقه الخاصّة، موضحة أن سكّان مدينة رفراف بالرغم من طبعهم المنزوي تأثّروا بالمبادرات الشبابيّة وأظهروا تفاعلهم الإيجابي معها من خلال عبارات الشكر وتقديم المأكولات للكل المتطوّعين لتزيين جدران المدينة. وختمت أستاذة التربية التشكيليّة "أريد من المدينة أن تضيء وأن نقدّم صورة نموذجيّة عنها من خلال التطوّع دون أي مصالح شخصيّة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

بالفيديو: نجاة بامري.. فنانة عصامية تحدّت الإعاقة لترسم بفمها

النسيج اليدوي.. يوفى مال اليد وتبقى صنعة الجد