27-مارس-2019

غلق مركز الإيواء بمدنين يأتي بسبب ظروف الإقامة غير الإنسانية (فتحي الناصري/أ.ف.ب)

 

اتخذ الوزير المكلّف بالعلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان الفاضل محفوظ، خلال شهر مارس/آذار 2019، قرارًا بغلق مركز إيواء المهاجرين بمدنين بعد طلبات متكررة من المنظمات الوطنية والدولية. وجاء هذا القرار وفق الوزارة وأطراف ذات علاقة بالملف بما في ذلك الهلال الأحمر بمدنين، نتيجة الأوضاع غير الإنسانية بالمركز ولانزعاج السكان القريبين منه بسبب الضجيج لا سيما وأن المركز قريب من المدارس والمساكن.

ويأوي مركز إيواء المهاجرين بمدنين أكثر من 200 فردًا بين مهاجرين وطالبي لجوء رغم أنّ طاقة استيعابه لا تتجاوز الـ100 فرد. وكان قد توافد نزلاؤه إلى تونس منذ 2011 خاصة بعد اندلاع النزاع في ليبيا.

المنجي سليم (رئيس الهيئة الجهوية للهلال الأحمر التونسي بولاية مدنين): سنوزّع المهاجرين وطالبي اللجوء على شقق إلى أن يتم غلق مركز الإيواء بمدنين بشكل نهائي

المنجي سليم، رئيس الهيئة الجهوية للهلال الأحمر التونسي بولاية مدنين، أكد لـ"ألترا تونس" أنه سيقع توزيع هؤلاء المهاجرين على شقق تمّ تسويغها من أجل إيوائهم بعد أن تكفّلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بدفع معاليم الكراء إلى أن يتمّ غلق المركز بشكل نهائي بتاريخ 8 أفريل/ نيسان القادم. وأضاف أنّه يوجد أربعة مراكز إيواء موزعة بين مدنين وجرجيس يتمّ فيها إيواء عديد الوافدين من ليبيا من جنسيات مختلفة بحثًا عن اللجوء بسبب الأوضاع الأمنية في البلد المجاور أو تردي الأوضاع في بلدانهم.

اقرأ/ي أيضًا: مخيم "الشوشة".. قصص منسيين في سجن مفتوح

قرار نقل هؤلاء المهاجرين إلى شقق يطرح عدّة أسئلة حول ما إذا كان ذلك حلًا نهائيًا لمشكل المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس، وحول مدى اندماجهم في الحياة الاجتماعية. وكانت قد طالبت عديد الجهات بما في ذلك الهلال الأحمر بتوزيع المهاجرين وطالبي اللجوء على باقي المناطق على اعتبار أنّ منطقة مدنين لم تعد تستوعب عددهم الكبير الذي يرتفع باستمرار نتيجة توافد قرابة 10 أشخاص من طالبي اللجوء شهريًا وفق الهلال الأحمر بمدنين، عدا أنه لا توجد مراكز كافية للإيواء.

ويوجد في تونس أكثر من ألف لاجئ معظمهم من السوريين وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس.

مشروع قانون لتنظيم اللجوء إلى تونس

وضعية اللاجئين وطالبي اللجوء وحرّية تنقلهم دفعت الحكومة التونسية منذ سنوات إلى صياغة مشروع قانون يتعلّق بحماية اللاجئين بإشراف كلّ من وزارة العدل وحقوق الإنسان والمعهد العربي لحقوق الإنسان والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

ويهدف القانون الذي انتهت صياغة النسخة الأولية منه إلى تحديد جملة من المفاهيم بما في ذلك صفة اللاجئ وحقوقه في الاندماج في المجتمع ويحدد الشروط للحصول على صفة لاجئ، ليكون هذا القانون أوّل مشروع قانون وطني خاص باللّجوء في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. كما سيحلّ المشروع مشكل التعامل الأمني مع اللاجئين خاصة فيما يتعلّق بمنحهم حرّية التنقل وحق العمل والتعليم والصحة.

أعدت الحكومة التونسية مشروع قانون لتنظيم مسألة اللجوء ليكون أوّل مشروع قانون وطني خاص باللّجوء في شمال أفريقيا والشرق الأوسط

على صعيد آخر ووفق نص المشروع الذي تضمّن 48 فصلًا فإنّه "لن تمنح صفة لاجئ لمن شارك في أعمال إرهابية أو إجرامية. كما يمكن أن يتقدّم بطلب لجوء كل شخص أجنبي يدخل التراب التونسي ولا يستطيع أو لا يريد العودة إلى الدولة أو الدول التي يحمل جنسيتها، بسبب خوف جدي وحقيقي له ما يبرره من التعرض للاضطهاد، بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لفئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية. أو كل شخص عديم الجنسية يدخل التراب التونسي ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف العودة إلى الدولة التي كان يقيم فيها".

ويتساوى اللاجئ وفق نص المشروع مع المواطن التونسي في ممارسة حرية المعتقد والقيام بالشعائر الدينية، ما لم تخل بالأمن العام، والحق في التعليم الأساسي والصحة. كما يتساوى اللاجئ مع الأجنبي وفقاً للتشريع الجاري العمل به في التمتع بالملكية، وحرية التنقل، والإقامة داخل البلاد، والعمل، والضمان الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: أن تموت وأنت تحاول.. عن حلم شاب تونسي بجنّة أوروبا

هيئة وطنية لمتابعة اللاجئين

مشروع القانون لا يزال لم يعرض على مجلس وزاري ليتحوّل إلى البرلمان للمصادقة عليه، رغم أنّه مقدّم إلى رئاسة الحكومة منذ أكثر من عام والحال وقد مرّت سنوات عديدة على قبول عدد كبير من طالبي اللجوء في تونس واندماج بعضهم في المجتمع التونسي والعمل في بعض المهن اليومية.

لكنّ عملية متابعة أوضاع اللاجئين لا تزال تفتقر إلى هيكل خاص يتولى هذه المتابعة. ولذلك تضمّن مشروع القانون بعث هيئة وطنية للجوء "تقوم بمتابعة أوضاع اللاجئين وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية وتعدّ دراسات حول كلّ ما يتعلّق بهم" وتتولّى "النظر في طلبات اللجوء وإسنادها أو منعها."

وتتألّف هذه الهيئة من ممثلين عن الوزارات المعنية والمنظمات الوطنية والدولية المعنية باللاجئين على غرار الهلال الأحمر ومفوضية اللاجئين.

 تضمّن مشروع القانون بعث هيئة وطنية للجوء تقوم بمتابعة أوضاع اللاجئين وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية وتعدّ دراسات حول كلّ ما يتعلّق بهم

كما نصّ المشروع على أنّ للهيئة الوطنية لحماية اللاجئين الحق في الامتناع عن منح صفة لاجئ إذا ما توفرت لديها أسباب جدية تدفع للاعتقاد بأنّ طالب اللجوء قد ارتكب جريمة ضد السلام، أو جريمة حرب، أو جريمة ضد الإنسانية، استنادًا إلى الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية التونسية أو ارتكب جناية خارج التراب التونسي لا تحمل طابعًا سياسيًا.

كما لا يمكن أن تسند صفة لاجئ إلى كل شخص صدر ضده حكم من المحاكم التونسية بسبب جريمة إرهابية، أو حكم يقضي بسجنه مدّة عشر سنوات على الأقل، وكان وجوده على التراب التونسي يشكل بصفة مباشرة أو غير مباشرة تهديداً خطيراً للنظام العام أو الأمن العام.

وللهيئة أيضًا وفق المشروع "إبطال صفة لاجئ عن كل شخص سبق أن منح هذه الصفة، في حال تبيّن أن منح صفة لاجئ بُني على معطيات غير حقيقية، ولم تكن هذه المعطيات متوفرة لدى النظر في طلب اللجوء." ويحقّ لطالب اللجوء، بحسب مشروع القانون، البقاء داخل التراب التونسي إلى أن تبت الهيئة المختصة في طلبه ويستوفي حقه في ممارسة الطعون التي يكفلها هذا القانون.

استقبلت تونس منذ اندلاع النزاع المسلح في ليبيا عام 2011 آلاف اللاجئين من ليبيا من جنسيات إفريقية وعربية وقد تمّ إيوائهم في مخيّم "الشوشة"

يذكر أنّ تونس استقبلت منذ اندلاع النزاع المسلح في ليبيا عام 2011 آلاف اللاجئين من ليبيا من جنسيات إفريقية وعربية وقد تمّ إيوائهم في مخيّم "الشوشة" قبل غلقه في جوان/يونيو 2017 بعد عودة عدد كبير من اللاجئين إلى بلدانهم ليُوزّع العدد المتبقي منهم على بعض مراكز الإيواء الموجودة خاصة في مدنين.

وقد أشار منجي سليم، رئيس الهيئة الجهوية للهلال الأحمر التونسي بولاية مدنين، إلى ضرورة إيجاد حلّ لمشكل اللاجئين يضمن حرّية تنقلهم أو توزيعهم على باقي الجهات، وإيجاد صيغة تمكنهم من الاندماج في الحياة الاجتماعية والعمل، مع تنظيم عملية اللجوء حتى لا تبقى عبئا على منطقة بعينها أو تخلق مشاكل لدى بعض سكان المناطق الحدودية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوادث شغل المهن غير المهيكلة.. ضحايا دون تعويض!

أطباء تونسيون في المهجر.. ضرورة لا اختيار؟