الترا تونس – فريق التحرير
توفيت السبت 19 ماي/ أيار 2018 المناضلة والأمينة العامة السابقة للحزب الجمهوري مية الجريبي. ترجّلت فارسة الديمقراطية تاركة وراءها مسيرة طويلة من النضال ووجعًا وألمًا كبيرين في قلوب كلّ من عرفها.
ولدت مية الجريبي في مدينة بوعرادة بولاية سليانة يوم 29 جانفي/ كانون الثاني 1960 وبدأت تنهل من عالم السياسة منذ نعومة أظافرها خاصة أن والدها كان يوسفيًا. تلقت الجريبي تعليمها في رادس، جنوب العاصمة تونس، حيث كانت تقيم مع عائلتها وانتقلت بعد حصولها على شهادة البكالوريا لمواصلة تعليمها في كلية العلوم بولاية صفاقس عام 1979.
في صفاقس انطلق مشوار مية في النضال الحقوقي
في صفاقس انطلق مشوار مية في النضال الحقوقي إذ انخرطت أوائل الثمانينيات في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالجهة وعملت من أجل رفع وعي المرأة والدفاع عن حقوقها. شاركت في تأسيس حزب التجمع الاشتراكي التقدمي بمعية أحمد نجيب الشابي قبل أن يتغيّر اسمه إلى الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي نالت عضوية مكتبه السياسي عام 1986.
كانت مية الجريبي من أشرس المعارضين لنظام زين العابدين بن علي وسياساته الاستبدادية وخاضت عديد المعارك في سبيل الديمقراطية. وفي عام 2007 دخلت في إضراب جوع مع أحمد نجيب الشابي احتجاجًا على قرار المحكمة طرد الحزب من المكاتب التي كان يشغلها في العاصمة تونس. وسنة 2006 وقع انتخابها على رأس الحزب الديمقراطي التقدمي لتصبح بذلك أول امرأة تقود حزبًا سياسيًا في تونس.
وعلى الرغم من بنيتها الجسدية الضئيلة، كانت مية تمتلك قوة داخلية لا تضاهى. لم تخش المواجهات وما يمكن أن تتعرّض إليه وكانت من أول الوافدين على مقرّ وزارة الداخلية في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس يوم 14 جانفي/ كانون الثاني 2011 لتحمل لاحقًا على الأكتاف وهي تصرخ بكلّ جوارحها وقوتها، مطالبة بسقوط نظام بن علي.
تميّزت الجريبي بمواقفها الجريئة والتي تعتمد فيها على العقل والمنطق قبل العاطفة رغم الرفض الذي قد تجابه به. ولعلّ أبرز مثال على ذلك مواقفها الرافضة لإقصاء التجمعيين من الترشح للانتخابات التشريعية بعد ثورة تونس ورأت حينها أن الطريق السليم هو العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين في ملفات الفساد. وهو موقف كلّفها الكثير على الصعيد السياسي نظرًا للأجواء المشحونة التي كانت تعيشها البلاد.
اقرأي أيضًا: نجيبة الحمروني.. أيقونة الصحافة التي احترمها خصومها قبل رفاقها
لم تنصف الحياة السياسية والحسابات الحزبية الضيقة مية الجريبي بعد الثورة رغم كلّ ما قدمته من أجل الديمقراطية
كما كانت لمية الجريبي ابتسامة هادئة تعكس جمالها الداخلي وصلابتها وتمنح المحيطين بها شعورًا بالطمأنينة والثقة. كانت صادقة ولم تغلّب يومًا مصالحها الشخصية أو الحزبية على وطنها. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2011، قادت الجريبي حزبها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي وانتخبت عضوًا في المجلس. ولكنها عند ترشحها لرئاسته لم تحصل على ما يكفي من الأصوات وحصلت على 68 صوتًا مقابل 145 صوتًا لصالح مصطفى بن جعفر.
لم تنصف الحياة السياسية والحسابات الحزبية الضيقة مية الجريبي بعد الثورة رغم كلّ ما قدمته من أجل الديمقراطية في سنوات. ولكن مية كسبت حب الجميع من مواطنين وسياسيين سواء كانوا حلفاء أو خصومًا سياسيين. اليوم اعتزلت مية السياسة ولكنها لم تفعل ذلك بخيارها. بل أوفت بوعدها الذي تعهدت به حين صرّحت أنها لن تعتزل السياسة إلا إذا اعتزلت الحياة. اليوم غادرت مية الجريبي إلى عالم آخر وتركت بلادًا تتخبط بحثًا عن ديمقراطية ضحت من أجلها مية بحياتها.
مية، المرأة الحديدية التي لن تتكرر، لم تعد معنا على هذه الأرض. ولكن ذكراها ستبقى في قلوب كلّ من أحبها وصادف ابتسامتها الجميلة، ونضالاتها سيخلدها التاريخ الذي سيذكرها كرمز للنضال والتضحية والمرأة القوية التي لم تتخلّ يومًا عن مبادئها.
وداعًا مية تونس.
اقرأ/ي أيضًا: