منذ شهر تقريباً، وتحديدًا في 11 مارس/آذار 2019، صرح رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، بمناسبة انعقاد مجلس الأمن القومي، أنه لن يمدّد في حالة الطوارئ الجاري العمل بها بمقتضى أمر 1978 كما اعتاد ذلك لسنوات، مؤكدًا ما ذهب إليه قبله عديد المختصين من أن الأمر "غير دستوري".
وأضاف السبسي حينها أنه أعلم بمكتوب رسمي قراره إلى رئيسي الحكومة ومجلس نواب الشعب بعدم التمديد في حالة الطوارئ التي تنتهي بتاريخ 4 أفريل/نيسان 2019 الحالي. وأشار إلى أن "مشروع قانون تنظيم حالة الطوارئ الجديد متوفر عند البرلمان لكن لم يُصادق عليه بعد، وبالتالي المسألة تخرج عن نطاقه وهي تهمّ حاليًا الحكومة والبرلمان"، قائلًا "مادام هناك خرق للدستور، قوموا أنتم بخرقه لما أنا؟".
لا يخفي السياسيون والمتابعون للشأن السياسي ارتفاع المخاوف في علاقة بالوضع على الحدود التونسية الليبية، والتخوف خاصة من إمكانية استغلال إرهابيين لتوتر الأمور
لا يرغب السبسي إذاً في مزيد خرق القانون وإقرار حالة الطوارئ وفق أمر لا دستوري، أم أنها كانت محاولة للضغط على نواب الشعب، لتمرير القانون الجديد، الذي يواجه بدوره انتقادات واسعة من المعارضة في البرلمان ومن منظمات حقوقية تونسية وأجنبية، تعتبره لا يقل تسلطًا عن أمر 1978؟ أما على أرض الواقع، فتعيش تونس على وقع حالة الطوارئ منذ نهاية 2015، حين استهدف تفجير انتحاري حافلة للأمن الرئاسي في العاصمة، ونتجت عنه وفاة 12 شخصًا وجرح آخرين.
لم تطل حالة الانتظار كثيرًا، إذ أعلن قائد السبسي في 5 أفريل/ نيسان الجاري، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، أنه قرر الإعلان عن حالة الطوارئ في كامل تراب الجمهورية لمدّة شهر آخر ابتداء من يوم السبت 6 أفريل/ نيسان 2019، وفق بلاغ مقتضب لرئاسة الجمهورية. لم تتم المصادقة على قانون حالة الطوارئ الجديد، والإعلان تم وفق ذات الأمر القديم اللا دستوري، وفق تأكيد السبسي نفسه، فما الذي تغيّر ليقر التمديد رغم تأكيداته سابقًا عكس ذلك؟
تطورات أمنية في ليبيا وتأهب تونسي على الحدود
يبدو أن لتطورات الأوضاع في الجارتين ليبيا والجزائر دور في تمديد حالة الطوارئ تونسيًا، إذ ذكر بيان رئاسة الجمهورية التونسية أن اجتماع مجلس الأمن القومي، الذي أقر التمديد الاخير، استعرض تطوّرات الأوضاع الأمنيّة المحليّة والإقليميّة والدوليّة، وخاصة مستجدّات الوضع في ليبيا، وأكد، ذات البلاغ، "خطورة ما آلت إليه الأحداث في هذا البلد الشقيق وضرورة تفادي التصعيد والتسريع بإيجاد حل سياسي مبني على الحوار بين كافة الأطراف".
ساهم تسارع الأحداث مؤخرًا في الجارة الليبية في إقرار حالة الطوارئ في كامل التراب التونسي من جديد. لا يخفي السياسيون والمتابعون للشأن السياسي ارتفاع المخاوف في علاقة بالوضع على الحدود، والتخوف خاصة من إمكانية استغلال إرهابيين لتوتر الأمور من الجانب الليبي. يُشار أيضًا إلى اشتداد المعارك في طرابلس الليبية الأيام الأخيرة وما قد ينتج عن ذلك، في حال تواصلت، من تواتر نازحين إلى المعابر الحدودية التونسية في الجنوب.
في سياق متصل، صدر عن وزارة الخارجية التونسية أن "تونس تتابع بانشغال بالغ التطورات الخطيرة للأوضاع في ليبيا، وتعرب عن قلقها العميق لما آلت إليه الأحداث". ودعت "جميع الأطراف إلى التحلي بأعلى درجات ضبط النفس، وتفادي التصعيد الذي من شأنه أن يزيد في تعميق معاناة الشعب الليبي، ويهدد انسجامه ووحدة أراضيه"، وفق بلاغ صدر يوم الجمعة 5 أفريل/ نيسان الجاري.
وورد، في ذات البلاغ، أن تونس "تؤكد أهمية الحفاظ على المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، وتوفير كل ظروف النجاح للمؤتمر الوطني الجامع المنتظر عقده خلال الفترة القادمة، والتسريع بإيجاد حلّ سياسي دائم يمكن من إعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا".
عززت وزارة الدفاع التشكيلات العسكرية بالمعبرين الحدوديين الذهيبة ورأس جدير وشددت المراقبة باستغلال الوسائل الجوية ومنظومات المراقبة الإلكترونية
لم تكتف السلطات التونسية ببيانات تأكيد خطورة المستجدات في ليبيا والدعوة إلى تجنب التصعيد والعودة إلى المباحثات والحل السياسي. اتجهت إلى قرارات تُدعم حدودها، إذ دعت وزارة الدفاع مختلف العسكريين "إلى مزيد ملازمة اليقظة والحذر وتعزيز التشكيلات العسكرية بالمعبرين الحدوديين بكل من الذهيبة ورأس جدير، مع تشديد المراقبة باستغلال الوسائل الجوية ومنظومات المراقبة الإلكترونية للتفطن المبكر لكل التحركات المشبوهة".
وأضافت الوزارة في بلاغ لها أنها "اتخذت كل الاحتياطات والاستعدادات الميدانية لتأمين الحدود الجنوبية الشرقية ومواجهة التداعيات المحتملة".
أحزاب تونسية تندد بـ"هجمة حفتر" وتحذر من استهداف الأمن القومي
لم يقتصر التفاعل مع التطورات الميدانية في ليبيا على المؤسسات الرسمية التونسية، إذ بادرت بعض الأحزاب إلى التفاعل سريعًا مع هذه المستجدات وربطها بالسياق التونسي وحتى بالتطورات السياسية في الجارة الجزائر.
اعتبر محمد المنصف المرزوقي، رئيس حزب حراك تونس الإرادة ورئيس الجمهورية السابق، أن "هجمة حفتر على طرابلس لا تستهدف فقط السلطة الشرعية المعترف بها دوليًا وعبرها ثورة 17 فبراير المجيدة بل هي تستهدف الحراك في الجزائر بغية إرباكه بحالة حرب على الحدود يمكن استغلالها لصالح قوى الثورة المضادة المحشورة اليوم في الزاوية، كما هي تستهدف الأمن القومي في تونس ومحاولة زعزعته تحسبًا لانتخابات في غير صالح المنظومة التي جاءت بها الثورة المضادة للسلطة".
المرزوقي: هجمة حفتر على طرابلس تستهدف الأمن القومي في تونس ومحاولة زعزعته تحسبًا لانتخابات في غير صالح المنظومة التي جاءت بها الثورة المضادة
ويضيف المرزوقي، في ذات السياق، "هجمة حفتر على طرابلس تستهدف روح الربيع العربي الذي عاد عبر الحراك في الجزائر وفي السودان ليقض مضجع الطغاة العرب، هم الذين تصوروا أنهم تخلصوا من الكابوس. ولأنهم أعجز من مقاومة هبّة شعوب المواطنين وإيقاف مجرى التاريخ فإن الهزيمة النكراء ستكون نصيب صنيع هذا العسكري الفاشل على امتداد تاريخه".
في ذات السياق، جاء في بيان لحركة النهضة أن "نزوع بعض أطراف الصراع في ليبيا إلى التصعيد العسكري مدخل لاستباحة دماء الليبيين وتهجيرهم ومقوض للمسار السياسي السلمي ومهدد للسلم الاجتماعي والأهلي في ليبيا، إلى جانب كونه يمثل خطرًا على أمن المنطقة واستقرارها".
ودعت الحركة في ذات البيان إلى "رفض الحلول العسكرية وتغليب لغة الحوار والتوافق في إطار حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا" وأكدت دعمها "لكل القوى التي تعمل على النأي بالأزمة الليبية عن التدخلات الخارجية والسعي إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية والقطع مع أشكال التسلط على إرادة الشعب الليبي مهما كانت عناوينها".
لكن لا يمكن ربط تمديد حالة الطوارئ بالتطورات الخارجية فقط، إذ تتصاعد موجة الاحتجاجات في تونس مؤخرًا رفضًا لترفيع أسعار المحروقات مع بداية شهر أفريل/ نيسان الجاري ومن المنتظر تحركات وإضرابات مختلفة مع بداية الأسبوع القادم، كما يعيش البلد بين الفينة والأخرى توترات أمنية بسبب تحركات بعض الإرهابيين على مستوى الجبال أساسًا.
اقرأ/ي أيضًا:
في علاقة الشيخين بالشاهد.. توافقات هشة في كل الاتجاهات
حوارـ غازي الشواشي: الشاهد وظّف "أساليب غير ديمقراطية" لتكوين كتلته البرلمانية