تعدّ تونس الدولة العربية الوحيدة التي يسمح فيها القانون للمرأة بالإجهاض بغضّ النظر عن حالتها الاجتماعية. وفيما تؤكّد الأرقام تسجيل 17 ألف حالة إجهاض سنويًا، 13 ألف منها في مراكز الصحّة العمومية، تبقى الأرقام المتعلّقة بحالات الإجهاض غير الآمن غير معلنة وصعبة الوصول إليها.
في حواره مع جنان الإمام، رئيسة الجمعية التونسية للحريات الفردية، تزامنًا مع اليوم العالمي للإجهاض الآمن، يتوقّف "الترا تونس" عند مفهوم الإجهاض الآمن وأوجه اعتباره حقًا جنسيًا وحرية فردية. كما يسائل الأستاذة الجامعية عن رأيها في واقع الإجهاض في تونس في علاقة بالعقلية المجتمعية.
- بداية، لو توضّحين لنا التشريعات المتعلقة بالإجهاض في تونس؟
يسمح القانون التونسي لأي امرأة راشدة بإجراء الإجهاض للحمل غير المرغوب مهما كانت حالتها الاجتماعية (متزوجة أو عزباء) ودون الحاجة لموافقة أي شخص وذلك منذ عام 1973، ولكن مع الحرص على توفير الضمانات الكافية لحماية صحة المرأة عبر منع الإجهاض بطرق غير قانونية وغير علمية. وتعتبر إتاحة الإجهاض مكسبًا بالنسبة لحقوق النساء وحلقة مهمة في مسار تحررهن وتطوير الأسرة والمجتمع في تونس.
جنان الإمام: إتاحة الإجهاض هي مكسب بالنسبة لحقوق النساء وحلقة مهمة في مسار تحررهن وتطوير الأسرة والمجتمع في تونس
وبالرجوع إلى الفصل 214 من المجلة الجزائية نتبين أن قطع الحمل عمدًا أمر مسموح به في حالتين: الأولى إذا لم تتجاوز مدة الحمل الثلاثة أشهر الأولى، الثانية يرخص فيه بعد الثلاثة أشهر إذا يخشى من أن يتسبب تواصل الحمل في انهيار صحة الأم. وفي كلا الحالتين اشترط القانون أن يتم الإجهاض في مؤسسات عمومية صحية أو مصحات خاصة مرخصة وبواسطة طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية تجنبا لأي خطر على صحة الأم.
فيما عدا هاتين الحالتين يمنع القانون التونسي تولي الإجهاض أو محاولة إسقاط الحمل ولو برضاء الحامل نفسها. ويعاقب القانون استعمال جميع الوسائل من أطعمة ومشروبات وأدوية أو وسائل أخرى لإسقاط الحمل ويعاقب بالسجن وبالخطية أو بإحدى العقوبتين الأم المعنية بالأمر ومن ساعدها أو أشار إليها بذلك.
اقرأ/ي أيضًا: مونولوج الإجهاض: "لن أحمل مجددًا لأني لم أكبر بعد"
من جهة أخرى، من المهم الإشارة إلى أن الحق في الإجهاض مكفول في الدستور التونسي على أساس الفصل 22 الذي يقر بقدسية الحق في الحياة مع إمكانية المساس به في حالات قصوى يضبطها القانون، والفصل 46 الذي يتضمن التزام الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة والعمل على دعمها وتطويرها.
كما يتأسس هذا الحق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صادقت عليها تونس سنة 1985 ورفعت جميع التحفظات عليها في 2014، إذ تقر المادّة 12 من الاتفاقية على ضرورة أن تضمن الدول لمواطنيها ومواطناتها دون تمييز الحصول على خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتخطيط الأسرة. كما تقر المادة 16 حق المرأة في أن تقرر بحرية عدد أطفالها والفترة بين إنجاب طفل وآخر، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق.
- وما هو مفهوم الإجهاض الآمن؟
الإجهاض الآمن هو الإجهاض الذي يتوفر على جميع ضمانات السلامة أي يتم ضمن فترة لا تزيد عن 3 أشهر ويكون تحت إشراف طبي وتستخدم فيه الوسائل والأدوات الصحية المناسبة إضافة إلى توفر جميع شروط النظافة والتعقيم. ويعزز وجود إطار تشريعي يسمح بالإجهاض توفير هده الظروف الملائمة لإجهاض آمن.
جنان الإمام: الإجهاض الآمن هو الإجهاض الذي يتوفر على جميع ضمانات السلامة أي يتم ضمن فترة لا تزيد عن 3 أشهر ويكون تحت إشراف طبي
في المقابل، كلما فرضت القيود على الإجهاض، مثلما عليه الحال في بعض الدول العربية والإفريقي، كلما وقع اللجوء إلى طرق بدائية غير آمنة للإجهاض وهو ما يؤدي إلى وفاة النساء أحياناً.
- لو تبيّنين لنا معنى أن يكون الإجهاض حقّا إيجابيًا وجنسيًا وأحد أنواع الحرية الفردية؟
يندرج الحق في الإجهاض ضمن الحريات الفردية المتعلقة بالجسد وهو جزء لا يتجزأ من الحقوق الجنسية والإنجابية، إذ ينبغي أن نكون قادرين كأفراد على اتخاذ قراراتنا المتعلقة بأجسادنا دون تدخل من جانب الآخرين في حياتنا الخاصة وأبعادها الجنسية والحميمية.
اقرأ/ي أيضًا: أجهضت طفلي.. أنقذته من الحياة!
وتشمل الحقوق الإنجابية حق الحصول على الخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجاب، ومن بينها الإجهاض ووسائل منع الحمل مع إتاحة المعلومات حول هذه المسائل، هذا بالإضافة إلى تمكين كلا الجنسين دون تمييز من حرية اختيار القرين والإنجاب من عدمه وعدد الأطفال.
جنان الإمام: لا يزال قرار التحكم بحياة المرأة الجنسية والإنجابية بين أيادي الآخرين من قبيل الزوج ووالديه وأفراد أسرتها أو فاعلين دينيين مثل الأئمة والوعاظ
كما تعني هذه الحقوق أن حياتنا ينبغي أن تكون خالية من العنف بجميع أنواعه بما في ذلك العنف الجنسي كالحمل بالإكراه أو غير المرغوب فيه والإجهاض القسري والتعقيم القسري.
ومن المؤسف أن نلاحظ أنه رغم التطور الملحوظ في حقوق النساء في المجال المدني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، لا يزال قرار التحكم بحياة المرأة الجنسية والإنجابية بين أيادي الآخرين من قبيل الزوج، ووالديه وأفراد أسرتها أو فاعلين دينيين مثل الأئمة والوعاظ. لا شك أن لذلك تبعات كارثية على حياة النساء وتمتعهن بحقوقهن دون تمييز.
- هل توجد، برأيك، تهديدات للحق في الإجهاض في تونس؟ وماهي؟
من الواضح أن المجتمع التونسي تجاوز منذ زمن نقاش فكرة منع الحمل أو الإجهاض، كما أن نسبة الإجهاض في تونس تبقى عالية نسبيًا.
ولكن ثمة تحديات جدية لا تزال تعترض سبيل حق النساء في اتخاذ القرارات بشأن أجسادهن، فقد شهدت السنوات الأخيرة في تونس تراجعًا حقيقيًا لسياسة الدولة في مجال الصحة الإنجابية والتنظيم العائلي كانت بعض مظاهرها مشكلة توفير حبوب منع الحمل.
كما نشهد تناميًا للخطاب الديني المعادي للحريات الفردية وللحقوق الجنسية حيث تمارس الكثير من المجموعات ضغوطًا كي تحد من هذه الحقوق، وهي لا تتوانى عن استغلال المنابر الدينية مثل المساجد وخطب الجمعة والبرامج الدينية في القنوات التلفزية والإذاعية للحشد ضد الحق في الإجهاض والحقوق الجنسية والمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان ككل.
شهدت السنوات الأخيرة في تونس تراجعًا حقيقيًا لسياسة الدولة في مجال الصحة الإنجابية والتنظيم العائلي كانت بعض مظاهرها مشكلة توفير حبوب منع الحمل
ويجد هذا الخطاب للأسف صدى لدى بعض الشرائح الاجتماعية، وكذلك ضمن بعض المنتمين للإطار الطبي وشبه الطبي، وهو ما يقف عائقًا حقيقيًا دون التمتع بالحقوق الإنجابية والوصول إلى الخدمات الصحية خصوصًا بالنسبة للفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة وتهميشًا.
ومن المهم التصدي لمحاولات تقييد الوصول إلى الخدمات الصحية بناء على تنميط جنساني يعتبر القدرة الإنجابية للمرأة واجبًا وليس حقًا واعتبار ذلك من بين حالات التمييز ضد النساء. ولا تنفصل هذه المعركة عن معركة الحريات الفردية في تونس من أجل أن يكون الاختيار الحر بالنسبة للفرد مضمونًا في القانون وعلى أرض الواقع.
اقرأ/ي أيضًا:
التونسيّات يهجرن وسائل منع الحمل.. الرجوع إلى الطبيعة؟
المواليد خارج إطار الزواج.."إذا وصفونا بأبناء الحرام.. سنقول نحن آدميون"