مقال رأي
انتهت قمة جنوب إفريقيا لمجموعة "البريكس/BRICS" إلى إعلان توسيع المجموعة لأول مرة منذ سنة 2010 إثر توسيعها في اتجاه جنوب إفريقيا تلك السنة بعد أن تأسس بالرباعي (البريك/BRIC) أي البرازيل وروسيا والهند والصين (بترتيب أحرف الاختصار وليس القوة بطبيعة الحال).
قرار قبول العضوية كان إيجابيًا في حالة دول تنتمي أساسًا إلى "الشرق الأوسط" (المنطقة العربية الإسلامية) أي (من الشرق إلى الغرب) إيران والإمارات والسعودية ومصر. إثيوبيا كثاني دولة إفريقية تنضم وأيضًا الأرجنتين من أمريكا اللاتينية. في المقابل تم رفض أو تأجيل (سنعود إلى هذه النقطة) قبول عضوية الدول التالية من المنطقة العربية الإسلامية والإفريقية: الجزائر والبحرين والكويت وإندونيسيا والسنغال ونيجيريا. سنحاول هنا بشكل مختصر تلمس دواعي التوسيع نحو تلك الدول ورفضها/تأجيلها نحو الأخرى، وأثر ذلك على التوازنات في المنطقة العربية.
انتهت قمة جنوب إفريقيا لمجموعة "البريكس" إلى إعلان توسيع المجموعة لأول مرة منذ سنة 2010 بقبول دول تنتمي أساسًا إلى "الشرق الأوسط" إضافة إلى إثيوبيا والأرجنتين في المقابل تم رفض أو تأجيل قبول عضوية دول أخرى كالجزائر
أعلن الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا في الندوة الصحفية الختامية: "لقد توصلنا إلى اتفاق بشأن المبادئ التوجيهية والمعايير والإجراءات لعملية توسيع البريكس، والتي كانت قيد المناقشة لفترة طويلة. لدينا توافق في الآراء بشأن المرحلة الأولى من عملية التوسع هذه، وسوف تتبعها مراحل أخرى". إذًا قواعد الضم والرفض لا تبدو شفافة وبقيت غير معلنة لكن هناك مؤشرات عليها مع الإشارة بوضوح إلى أنّ هذه مرحلة توسعة أولى ستليها أخرى.
قيمة الناتج الداخلي الخام تبدو أحدها بلا شك، فهي العنصر الرئيسي المؤسس لفكرة "الدول الصاعدة" التي وردت في المقال الشهير سنة 2001 لجيم أونيل رئيس البنك الاستثماري الأمريكي غولدمان ساكس. الرئيس الجزائري لمّح إلى "العتبة" الواجبة للعضوية عندما تحدث في تصريح الصيف الماضي عن حاجة الجزائر لأن تصل إلى قيمة "200 مليار دولار في الناتج الداخلي الخام". وينطبق ذلك على الدول التي تم قبولها من منطقة "الشرق الأوسط" أي حسب توقعات أرقام سنة 2023: إيران (360 مليار دولار) والإمارات (490 مليار دولار)، والسعودية (1130 مليار دولار)، مصر (380 مليار دولار). من خارج المنطقة الأرجنتين (616 مليار دولار). الدولة الوحيدة الأقل من عتبة 200 مليار دولار هي إثيوبيا والتي يبلغ ناتجها الخام 150 مليار دولار.
قواعد الضم والرفض ضمن "البريكس" لا تبدو شفافة وبقيت غير معلنة لكن هناك مؤشرات عليها وقيمة الناتج الداخلي الخام للدول تبدو إحداها بلا شك فهي العنصر الرئيسي المؤسس لفكرة "الدول الصاعدة"
تطرح حالة إثيوبيا تساؤلًا حول رفض أو تأجيل الطلب الجزائري للعضوية حيث يبلغ قيمة الناتج الداخلي الخام الجزائري حوالي 190 مليار دولار سنة 2022، ومن المتوقع أن يتجاوز عتبة الـ 200 مليار دولار هذا العام مع آفاق أكبر بالنظر إلى قيمة توسع الصادرات الجزائرية خاصة في الغاز. من الواضح أنه إضافة إلى العوامل الاقتصادية هناك عوامل جيوسياسية لقرار التوسيع. فهل هناك رؤية جيوسياسية متطابقة في الأرضية المؤسسة للبريكس؟
لننطلق من نقطة أساسية أتت في الندوة الصحفية للرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا والتي تلخص الهوية السياسية للبريكس: "إنها شراكة متساوية بين البلدان التي لديها وجهات نظر مختلفة ولكن لديها رؤية مشتركة لعالم أفضل" المعنى هنا هو الإقرار بأن الدول المؤسسة لا تحمل رؤى متطابقة ولا مصالح متطابقة بل يمكن أن تكون مختلفة أو حتى متنازعة جيوسياسيًا (وضعية الهند والصين مثلًا، أو في خصوص الاقتراب والبعد من الغرب الهند والبرازيل ترتبطان بالغرب بشكل أكبر من البقية) لكن تشترك في نقطة جوهرية وهي أنّ التوازن العالمي الحالي الذي يمنح تميزًا للغرب ليس مقبولًا منهم جميعًا. طبعًا هنا تختلف مشاكل كل طرف مع هذا المشهد الدولي.
مثلًا طرح كل من الصين وروسيا موضوع التوسعة من زاوية المواجهة مع الغرب والأرجح تمسكًا بشكل قوي بضم إيران. الرئيس البرازيلي لمّح إلى مقومات التوسيع كالتالي عندما طُرح عليه سؤال حول مغزى إمكانية التوسيع نحو إيران: "لا يمكننا أن ننكر الأهمية الجيوسياسية لإيران والدول الأخرى التي ستنضم إلى البريكس، ما يهم ليس الشخص الذي يحكم بل أهمية البلاد".
أقر الرئيس الجنوب إفريقي بأن الدول المؤسسة للبريكس لا تحمل رؤى متطابقة ولا مصالح متطابقة بل يمكن أن تكون مختلفة أو حتى متنازعة جيوسياسيًا لكنها تشترك في نقطة جوهرية وهي أنّ التوازن العالمي الحالي الذي يمنح تميزًا للغرب ليس مقبولًا منهم جميعًا
الحقيقة البرازيل والهند لا تشتركان ضرورة مع الصين وروسيا في الحاجة لمواجهة شاملة مع الغرب، هما أقرب لإصلاح النظام الدولي القائم عوض تأسيس بديل. الموقف البرازيلي يتطابق مع الموقف الهندي في أولوية "إصلاح المؤسسة الأممية" تحديدًا وخاصة ضم البرازيل والهند كأعضاء دائمين لمجلس الأمن. يبدو أن هذه النقطة أساسًا التي ساهمت في تليين موقفهما من التوسعة. جنوب إفريقيا في المقابل تتزعم المطالبة بالتوسيع في اتجاه الجنوب خاصة إفريقيًا وأرادت من قمة جنوب إفريقيا أن تكون قمة تاريخية من هذه الزاوية.
نعود إذًا إلى وضع الجزائر. من الصعب أن نفهم رفض القبول في هذه المرحلة الأولى رغم الجهود الجزائرية الكبيرة والتي توجت خاصة بزيارات مطولة إلى روسيا والصين وبمساهمة كبيرة نسبيًا وصلت إلى مليار ونصف المليار دولار في رأسمال بنك "البريكس" (بنك التنمية الجديد). الناطقة باسم الرئاسة الروسية فالنتينا ماتفيينكو دافعت بقوة في مارس/آذار الماضي عن العضوية الجزائرية في تصريح لوكالة "التاس" الرسمية حيث أشارت إلى أنه "من بين الدول التي ترغب أيضًا في الانضمام، أود أن أسميه [طلب الجزائر - تاس] قويًا ورائدًا إلى حد ما"، مضيفة أن "الجزائر لديها كل الفرص لتصبح واحدة من الدول الأولى التي تنضم إلى عمل المجموعة".
من الصعب أن نفهم رفض قبول ضم الجزائر ضمن البريكس رغم الجهود الجزائرية الكبيرة والتي توجت خاصة بزيارات مطولة إلى روسيا والصين وبمساهمة كبيرة نسبيًا وصلت إلى مليار ونصف المليار دولار في رأسمال بنك "البريكس"
الطرفان الروسي والصيني خيّرا ربما إيجاد توافق حول إيران في هذه المرحلة على حساب الجزائر، التي يمكن أن تكون واجهت اعتراضًا من الهند القريبة تقليديًا من المغرب والتي لا ترغب في أن تؤثر التوسعة على علاقاتها في منطقة شمال إفريقيا. في كل الحالات ما حصل إخفاق جزائري ديبلوماسي.
في المحصلة، وضعية مجموعة "البريكس" تعكس ديناميكية جيوسياسية لصالحها، باتساع رغبة الانضمام إليها. ولا يعني ذلك أننا إزاء مجموعة متماسكة فإن حققت مثلًا كل من الهند والبرازيل رغبتهما في إصلاح جزئي بضمهما لمجلس الأمن الدولي ربما يتغير الوضع. لكن من الواضح في المقابل أنّ دولًا تقليديًا قريبة من الغرب في المنطقة العربية هي أيضًا غير مرتاحة للوضع الدولي الحالي. سواء عبر البريكس أو غيرها، نحن نواجه مرحلة دولية جديدة ستعرف تغييرات في التوازنات الدولية.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"