هل فكرت يومًا في أن تزور روما في يوم واحد ومن ثم تعود إلى منزلك حاملًا/ة معك مجموعة من الصور والذكريات؟ أو هل خطر ببالك أن تعود/ي بالزمن عصورًا إلى الوراء وتتجول/ي في إحدى المدن الرومانية في القرن الثاني أو الثالث بعد الميلاد وتتجول بين معالمها الجميلة لتعود أدراجك من حيث جئت؟
هذا الأمر قد لا يكون مستحيلًا، بل هو في الواقع أقرب إلينا مما نظن. ربما لن تصعد في طائرة ولن تستحق جواز سفرك، كما أن جهازًا للسفر عبر الزمن – وإن كانت فكرته مغرية – لم يتمّ اختراعه بعد. ولكن ما ستحتاج إليه في هذه الرحلة هو سيارة تقلّك لمسافة تبتعد عن العاصمة تونس بمسافة تقارب الـ60 كلم، وبعض الزاد من الخيال.
تصميم مدينة توبربو ماجوس الذي لا يزال شبه متكامل يمتلك هذا السحر الغريب الذي يحمل الزائر/ة إلى روما وأعمدتها الشهيرة
على بعد كيلومترين من مدينة الفحص التابعة لولاية زغوان، ستعثر (بعد بعض البحث) على مدينة أثرية ستأسرك بجمال معالمها ويدفعك سحر غامض لسبر أغوارها التي لازالت صامدة أمام قسوة عقود من الزمن. إنها مدينة توبربو ماجوس (مايوس باللاتينية) التي يسبق وجودها العهد الروماني بمئات من السنوات.
اقرأ/ي أيضًا: آثار تونس.. معالم تختزل التاريخ وتعاني التهميش
[[{"fid":"101199","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":375,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]
تصميم المدينة الذي لا يزال شبه متكامل يمتلك هذا السحر الغريب الذي يحمل الزائر/ة إلى روما بأعمدتها الشهيرة ولوحاتها الفسيفسائية (رحمة الباهي/ الترا تونس)
فور الولوج إلى المدينة الأثرية عبر المدخل الرئيسي، تنتصب معالم أثرية متنوعة تروي حكايا شهدتها المدينة في عصور غابرة ولوحات فسيفساء حافظت على رونقها وشكلها الأصلي إلى درجة كبيرة رغم مرور آلاف الفصول وتعاقب الحضارات.
تصميم المدينة الذي لا يزال شبه متكامل يمتلك هذا السحر الغريب الذي يحمل الزائر/ة إلى روما بأعمدتها الشهيرة ولوحاتها الفسيفسائية التي تعود به إلى أزمنة غابرة تلتقي فيها أساطير وروايات الرومان وقصص الحب والحروب. مدينة توبربو ماجوس الصامدة في وجه الزمن نجحت على عكس نظيراتها في أماكن أخرى في تونس من الحفاظ على وحدتها المعمارية إلى درجة كبيرة الأمر الذي يجعلها تبدو شاسعة في مساحتها وحجمها مقارنة ببقية المواقع الأثرية المعروفة.
حمدان بن رمضان (باحث في المعهد الوطني للتراث) لـ"الترا تونس": تسمية توبربو تسبق التواجد الروماني وهو اسم لوبي
وتعود تسمية المدينة (توبربو) في الأصل إلى ما قبل فترة الرومان وهو اسم لوبي حملته المدينة قبل أن تطأها أقدام الرومان. أما لقب "ماجوس" (أو مايوس) (Thuburbo Maius) فقد استعمله الرومان للتمييز بين توبربو التي كانت موجودة أثناء إنشاء الرومان للمستوطنة العسكرية توبربو مينوس (Thuburbo Minus) طبربة اليوم والتي حملت لقب "مينوس" أي الأصغر آنذاك والأحدث من توبربو الموجودة في مدينة الفحص، وفق ما أفاد به الباحث في المعهد الوطني للتراث حمدان بن رمضان لـ"الترا تونس".
ويؤكد بن رمضان أنه رغم عدم وجود شواهد كثيرة إلا أن المدينة كانت موجودة قبل العهد الروماني انطلاقًا من القرن الرابع أو الثالث قبل الميلاد، مبينًا أن أهمية المدينة برزت مع تواجد الرومان وتدلّ المعالم على تواصل الحياة الحضرية بها بين القرن الأول والسادس بعد الميلاد.
ويشير محدثنا إلى أهم مرحلة مرّت بها المدينة كانت بين القرن الثاني والرابع بعد الميلاد، موضحًا أن مساحة مدينة توبربو ماجوس تبلغ 40 هكتارًا كوسط حضاري و120 هكتارًا إذا تمّ احتساب المعالم الموجودة خارج أبواب المدينة الثلاث والتي تتواجد في كلّ مدينة رومانية.
اقرأ/ي أيضًا: قصور منوبة البديعة: عزلتها الجمهورية الأولى.. فهل تنصفها الجمهورية الثانية؟
[[{"fid":"101200","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":666,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
نجحت مدينة توبربو ماجوس في الحفاظ على معالمها (رحمة الباهي/ الترا تونس)
ويبيّن الباحث بالمعهد الوطني للتراث أن مدينة توبربو ماجوس تصنّف ضمن المدن متوسطة الحجم، مبرزًا أن هناك مدنًا أثرية بتونس مساحتها أكبر مثل مدينة قرطاج الأثرية، مشيرًا إلى أن أسباب تواجد عديد المدن الرومانية بتونس ناتج عن ثقافة العمران التي تعيشها تونس منذ الوجود البونيقي.
وبخصوص محافظة المدينة على معالمها الأثرية، يقول حمدان بن رمضان إن موقعها وبعدها عن المناطق العمرانية الحديثة هو الذي مكّنها من الحفاظ على شكلها كمدينة وآثارها على عكس المدينة الأثرية بمدينة قرطاج والتي تمّ استغلالها في إطار رسمي كانت الدولة على علم به.
ويلفت إلى أن معالم مدينة توبربو ماجوس مرسّمة كتراث وطني موضحًا أنه لم يقع ترسيمها ضمن المواقع المنضوية تحت لواء اليونسكو وذلك باعتبار أنه لا يمكن إدراج موقع يحمل خصائص مواقع أخرى مرسمة في اليونسكو مذكرًا أن معالم قرطاج الأثرية ودقة مرسمان بالمؤسسة الدولية.
ويفيد في هذا الإطار أن هناك مشروعًا لترسيم المدينة ككلّ كتراث وطني عوض الاكتفاء بترسيم معالمها الأثرية فقط كما هو الحال الآن.
حمدان بن رمضان لـ"الترا تونس": توبربو ماجوس حافظت على معالمها لبعدها عن المناطق العمرانية الحديثة
من جهة أخرى، يوضح محدثنا أن ثلث الموقع الأثري تمّ حفره مبرزًا أنه الحفريات لم تستكمل بسبب الإمكانيات غير المتوفرة إلى جانب ضرورة المحافظة على المعالم التي تمّ العثور عليها والتي تحتاج إلى ميزانية هامة لصيانتها والحفاظ عليها في الشكل الذي تتواجد عليه.
وردًا على سؤال بخصوص عدم استغلال الموقع كعامل جذب للسياح والزوار، يبيّن حمدان بن رمضان أنه وفقًا لإحصائيات 2009 كان هناك عدد هام من الزيارات لمدينة توبربو ماجوس وذلك لتنظيم رحلات تشمل مواقع أوتيك وماجوس ودقة.
ويضيف أنه بعد الثورة تراجع عدد زوار المدينة الأثرية خصوصًا أنه وقع التوقف عن تنظيم تلك الرحلات إلى جانب الوضع العام الذي تعيشه البلاد، فضلًا عن تواجد مواقع أخرى معروفة كثيرًا في حين أن ماجوس لا تتمتع بمثل تلك الشهرة لا بالتغطية الإعلامية التي من شأنها أن تسوّق لها ولم تحظ بحظها في التعريف بها بطريقة عصرية.
[[{"fid":"101201","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":375,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]
لا تزال أعمدة توبربو ماجوس شامخة رغم مرور مئات السنوات (رحمة الباهي/ الترا تونس)
وعلى الرغم من قلّة زوار المدينة، يبدو اهتمام الجهة المسؤولة عن تبربو ماجوس وحرصها على الحفاظ عليها جليًا خاصة وأن لوحات الفسيفساء تكاد تكون سليمة من أي عيب باستثناء بعض الآثار التي يتركها الزمان ولا يمكن لجهود بشرية أن تتغلّب عليها، علاوة على أعمال صيانة مستمرّة كي تحافظ الأعمدة والمعالم على شموخها في وجه تحديات الطبيعة وما قد يقدم عليه بعض الأشخاص من عمليات نهب وتدمير لهذه المعالم الهامة.
ولئن كانت ماجوس قد نجحت في الحفاظ على كينونتها كمدينة متكاملة بمعابدها ومسرحها وحماماتها.. إلا أنها تحتاج إلى تظافر مجهودات السلط والجهات المعنية للتسويق لهذه المدينة كوجهة سياحية ثقافية تستحق أن تكون محطّ اهتمام خصوصًا وأنها تشير إلى وجود حضارة سبقت العهد الروماني.
اقرأ/ي أيضًا:
مائدة يوغرطة.. تاريخ تونس القديم المرشح للائحة التراث العالمي
أوذنة تنتفض من رماد النسيان: "مسرحي أفضل من قرطاج لكنها أحكام السياسة"