28-أبريل-2018

تنتشر لعبة الليدو في المقاهي الشعبية (ألكسندر باير/ Getty)

وسط كل هذا الزحام الالكتروني والعوالم الافتراضية، أسست لعبة "الليدو" أو "اللودو" في تونس لنفسها مكانًا خاصًّا في حياة الشباب اليوم. ففي طريقك إلى العمل أو خلال تواجدك في الجامعة أو المعهد ستلاحظ دون شكّ تجمعات صغيرة من الفتيان والفتيات الذين يلعبون لعبة الليدو بشغف ويرحلون بها إلى عالم المرح و المتعة.

الملاحظ في الشارع التونسي هو تركز لعبة الليدو بمفهومها الجديد بصورة مكثفة في المقاهي الشعبية وتحولها بديلًا أحيانًا للعبة الورق

ولعبة الليدو/ اللودو هي في الأصل لعبة لوحية مخصصة لشخصين او أربعة أشخاص يكون لدى اللاعب فيها أربع قطع خاصة به يحركها عن طريق النرد وبإمكان قطع اللاعب الاستحواذ على قطع خصمه والعودة به إلى نقطة الصفر. وهي تمثل بالتالي لعبة تكتيكية احتمالية، تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى لعبة إلكترونية بنفس مواصفاتها التقليدية. ويعود أصل اللعبة إلى الحضارة الهندية، حيث ظهرت منذ قرون اللعبة الأم وهي لعبة الباتشيسي. وتلعب هذه الأخيرة على لوح على شكل صليب متماثل الأضلاع تتنقل عليه قطع اللاعبين بناء على رمي ست أو سبع أصداف تتخذ مكان النرد.

اقرأ/ي أيضًا: لعبة "البلانات".. الإدمان الخفيّ من أجل الربح السريع

وتعتبر لعبة الباتشيسي لعبة ضاربة في القدم حيث اشتهر الملك جلال الدين أكبر بشغفه بهذه اللعبة حتى أنه كان يخصص في قصره الملكي قسمًا خاصًا بها. فكان يوجد في غرفة خاصة بلاط مقسم إلى خانات حمراء وأخرى بيضاء ممثلًا بالتالي لوح اللعبة. كما نجد حجرًا هائلًا يمثل المركز. وكان هذا المكان هو الذي يلعب فيه الملك لعبته المفضلة صحبة ستة عشر فتاة من حريم القصر يمثّلن القطع التي تتحرك على البلاط. وقد قيل إن الامبراطور جلال الدين قد سيطرت عليه لعبة الباتشيسي لدرجة إنشائه ساحات لعب في كلّ قصوره الملكية والدليل على ذلك ما بقي من آثارها في مدينة الله أباد وأجرا.

ولعلّ هذه اللعبة اليوم أمست ظاهرة انغمس فيها البعض دون تقييم لنتائجها حيث استطاعت لعبة الليدو السيطرة على حياتهم بشكل كلّي عندما حوّلوها إلى لعبة قمار يكسبون بها مالًا يغنيهم عن ممارسة حياتهم اليومية بشكل عاديّ. فلماذا تحولت لعبة الليدو من لعبة مرحة إلى إدمان على القمار؟

إن الملاحظ في الشارع التونسي هو تركز لعبة الليدو بمفهومها الجديد بصورة مكثفة في المقاهي الشعبية حيث وجدها الشباب بديلًا للعبة الورق ونرد اللوح والدومينو. وكما تعوّد الشاب التونسي على المراهنة في الألعاب التي سبق ذكرها تواصل هذا الشغف بالربح المالي (أو ما يعادله من مشروبات ومأكولات) إلى التكنولوجيا الحديثة. فلم يتغير وعي الشاب بقدر ما تغيرت الظروف المحيطة به.

فوسط مجتمع لا يزال يخطو أولى خطواته في محاولة تغيير جذري نحو التفكير الواعي وخلق طرق جديدة للتعلم وتطوير الذات، بقي أغلب الشباب حائرًا بين سرعة تقدم التكنولوجيا التي تتلخّص في موضوعنا عن الألعاب الالكترونية وبين بطء اندماجهم في هذا الواقع الذي يفرض فكرًا مستنيرًا للإفادة والاستفادة. وعليه يقع هذا الصدام العنيف الذي يحيل لعبة الليدو على منبر العادات التي تجذرت في مخيال الشاب التونسي ألا وهي جلب الربح ولو بطريقة غير شرعيّة أو مشروعة.

التعامل الخاطئ مع التكنولوجيا الحديثة يحيلنا إلى إعادة النظر في حالة الشباب التونسي الذي لا يجد في لعبة الليدو سوى وسيلة لجلب المال

وقد نادى بعض الفقهاء بتحريم لعبة الليدو نظرًا لتوافقها مع مضمون أي لعبة قمار أخرى يتخذ فيها الحظ المكانة العليا لجلب الربح. وقد قيل في هذا الشأن إن "كل لعبة يدخل فيها الحظ فهي حرام لأنها من المنهي عنه". ولسنا بتطرقنا إلى هذه الفتوى نقيم حجة دينيّة على هذه اللعبة المرحة ولكنّ إدمان بعض الشباب عليها بطريقة تدعو إلى الاستغراب يبرّر سؤالنا عن ماهيّتها وأصلها وأسباب تحوّلها إلى عثرة في حياة الشاب التونسي تمنعه من السير في طريق فكري واع يطوّر فيه ذاته و يصقل مواهبه و ينمي قدراته.

وعليه فإن التعامل الخاطئ مع التكنولوجيا الحديثة والذي يفقد سبل التواصل بين الفرد والجماعة وبين الفرد وذاته يحيلنا إلى إعادة النظر في حالة الشباب التونسي الذي لا يجد في هذه اللعبة سوى وسيلة لجلب المال لا لغايات إنسانية أو كونية أخرى.

فلماذا إذًا لا نلعب الليدو.. لنتقاسم ضحكًا ألفناه في عهد سابق؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أنا أسكر.. إذًا أنا موجود": من الدوام إلى الحانة

البيار".. تسلية شباب تونس لمواجهة بطالتهم"