09-أبريل-2018

تزايد العنف في الملاعب التونسية (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

"تعلم عوم" هي صرخة ألم تحاول أن تنال اهتمام السلط، وعموم المواطنين وحتى المجتمع الدولي، فهي حملة تسعى إلى تسليط الضوء على عدم اكتراث القيادات الأمنية وكذلك القيادات السياسية بحياة المواطن البسيط، وهو ما يزيد في تأجيج الأوضاع، ويضع حاجزًا في العلاقة بين السلط الأمنية والمواطنين وخاصة الشباب، وقد يؤدي هذا الاحتقان إلى نتائج كارثية بأتمّ معنى الكلمة.

انتشر هاشتاع "تعلم عوم" في مواقع التواصل الاجتماعي في تونس بعد حادثة غرق الشاب عمر العبيدي، 19 سنة، وهو أحد مشجعي النادي الإفريقي بعد حضوره مباراة فريقه بالملعب الأولمبي برادس، وقد تضاربت الروايات بشأن ملابسات غرقه بوادي مليان. إذ تحولت القضية لقضية رأي عام في ظل اتهام قوات الأمن بمحاصرته ودفعه إلى القفز في مياه الوادي وذلك إثر مطاردتها لمشجعي النادي الإفريقي، وقد تحدث شهود عن تعمد رجال الأمن دفع عمر إلى المياه الضحلة وإطلاق عبارة استهزائية "أيا تعلم عوم" بل ومنع أصدقائه من نجدته.

"تعلم عوم" هي صرخة ألم تحاول أن تنال اهتمام السلط، وعموم المواطنين وحتى المجتمع الدولي وتكشف عن مدى عدم الاكتراث بحياة المواطن البسيط

اقرأ/ي أيضًا: رئيس الحكومة يأذن بفتح تحقيق إداري وتعهد قضائي في وفاة "شهيد الإفريقي"

أسرعت بالطبع وزارة الداخلية لنفي الاتهامات الموجهة إليها مشيرة أن قفز عمر في الوادي كان نتيجة مشاجرات بين أنصار الفريقين وهو ما كذبه عديد الشهود. وإن مازلنا في انتظار انتهاء التحقيق بالحادثة، يكشف إجمالًا هذا المشهد عن عدم إنسانية الأمن التونسي.

فإذا افترضنا أن عمر كان مخربًا، وأنه قفز بإرادته نحو حتفه، فالأجدر توجيه تهمة "عدم مساعدة أشخاص معرضين للخطر" لأعوان الأمن وذلك طبقًا للقانون عدد 48 لسنة 1966 المؤرخ في جوان 1966 المتعلق بالامتناع المحظور، والذي ينصّ في فصله الثاني بأنه "يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها بالفصل الأول كل من كان قادرًا على أن يغيث بفعله الشخصي بالاستنجاد شخصًا في حالة خطر وامتنع عمدًا عن ذلك دون خشية خطر على نفسه أو على الغير أن ترتب عن عدم الإغاثة هلاك الشخص أو إصابته بضرر بدني أو تعكير حالته، ويعاقب بالعقوبات المذكورة كل من تفرض عليه قواعد مهنته مساعدة الغير وإغاثته ويمتنع عن ذلك في الظروف المقررة بالفقرة المتقدمة."

ونظرًا أن من صميم وظيفة الأمنيين المحافظة على الأرواح والاستعانة بالحماية المدنية لضمان إسعافات للمصابين أثناء أحداث شغب مع قوات الشرطة، فإن وجودهم بذلك المكان في وقت الحادثة يحيل على عدم محاولة إنقاذ الضحية ابن الـ19 ربيعًا، وذلك طبعًا إن افترضنا أنه ليس للأمن أي علاقة بدفع عمر لرمي نفسه في الوادي.

أما إذا كان الأمر غير ذلك، فهو لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخرج عن تكييف جريمة القتل عمد حسب الفصل 201 و202 من المجلة الجزائية، أو القتل غير العمد على معنى الفصل 217 من المجلة الجزائية والذي "يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها سبعمائة وعشرون دينارًا مرتكب القتل عن غير قصد الواقع أو المتسبب عن قصور أو عدم احتياط أو إهمال أو عدم تنبه أو عدم مراعاة القوانين".

بذلك نعتبر أن الواقعة في كل الحالات ومهما كان الافتراض الذي يمكن تبنيه، تكشف عن مسؤولية مباشرة يتحملها الأمنيون المتواجدون وقياداتهم الميدانية.

حادثة عمر العبيدي وبكل الفرضيات الممكنة تكشف بما لا مجال للشك عن مسؤولية مباشرة يتحملها الأمنيون المتواجدون وقياداتهم الميدانية

في الأثناء، تستدعي هذه الحادثة أن نغوص في الشرخ الفاصل بين القانون والواقع المعاش فيما يتعلق بفض التجمعات والمواكب والمظاهرات. إذ إنّ الدور المعهود لوحدات الأمن في العالم خاصة وحدات مكافحة الشغب هو تهدئة الأوضاع والتقليل من الاحتقان في صفوف المحتجين بشكل أولي، ولذلك يكون محمولًا عليهم واجب ضبط النفس، والاحترام الكامل للقانون، وللمعاهدات الدولية التي تتناول فض التجمعات ومكافحة الشغب، إلا أنه نشهد في تونس وخاصة في الفترة الأخيرة تعاملاً عنيفًا من قبل وحدات التدخل دون ضبط للنفس.

[[{"fid":"99303","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":399,"width":600,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

استعمال قوات الأمن للعنف المفرط ضد المتظاهرين (صورة أرشيفية/أ.ف.ب)

 وقد شاهدنا في عدة مناسبات مواطنين يفقدون حياتهم خلال مظاهرة أو احتجاج، وربّما أبسط مثال على ذلك وفاة متظاهر في مدينة طبربة دهسًا بسيارة شرطة إثر الاحتجاجات الأخيرة المطالبة بإسقاط قانون الميزانية. وكان قد أفاد شهود عيان لممثلي منظمة العفو الدولية أن المتوفي دهسته سيارة الأمن مرتين، وهو ما كذبته وزارة الداخلية في بيان توضيحي اعتبرت فيه أن المتوفي كان من المخربين، وأنه كان يعاني من أمراض تنفسية مزمنة وهذا ما سبب الوفاة، وهو ما كذبته بدورها عائلة الفقيد. وقد ورد تقرير منظمة العفو الدولية أنه "إذا استخدمت الشرطة القوة لتفريق أي تجمع، بما في ذلك عن طريق استخدام الغاز المسيل للدموع فيجب عليها أن تضمن تقديم المساعدات الطبية الى أي شخص تعرض للإصابة أو تضرر بأسرع وقت ممكن".

 نشهد في تونس وخاصة في الفترة الأخيرة تعاملاً عنيفًا من قبل وحدات التدخل دون ضبط للنفس في التعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات

اقرأ/ي أيضًا: الصحافة التونسية في "يوم غضب" احتجاجًا على تضييقات الداخلية

ونشير في الأثناء أن القانون عدد 4 لسنة 1969 مؤرخ في 24 جانفي 1969 المتعلق بالاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر هو النص القانوني الذي يتولى التأطير القانوني لعملية فض المظاهرات من قبل أعوان الأمن. إذ يحدد هذا القانون إجراءات الإعلام عن حضور عناصر الأمن وعن قرارهم بتفريق التجمهر حتى أن الفصول 16 و17 و18 تحدد العبارات التي على ممثل السلطة المختصة استخدامها من قبيل عبارة "امتثلوا للقانون، تفرقوا"، أو إعلان عن تواجد ممثل السلطة المختصة على عين المكان، أو توجيه عبارة "إنذار أول، تفرقوا وإلا سيقع استعمال القوة"، ثم توجيه تحذير أخير بعبارة "إنذار أخير، تفرقوا وإلا سيقع استعمال القوة".

ومن المرجح أن أي ناشط سياسي أو متابع للشأن العام يقرأ هذه الفصول إما بسخرية أو تعجب رهيب، إذا أنه لم يشهد منذ بداية خروجه في المظاهرات تطبيق هذه الفصول التي يكسوها الغبار، ذلك أنه غالبًا ما يكون الأمر بالتفرق عبر استخدام العنف.

وحقيقة أن المرحلة التالية لفض التجمعات ليست بالممتعة، إذ ينص الفصل 21 من نفس القانون أنه في صورة عدم امتثال المتجمهرين لأمر التفرق رغم الإنذارات المتتالية، فعلى أعوان الأمن التدرج في استخدام الأسلحة، ويتحدث الفصل عن البدء باستخدام الرش بالماء، ثم المطاردة بالعصي ويجدر الاشارة أنه دائما ما يتم اللجوء للخيار الأكثر عنفًا وهو المطاردة بالهراوات. ويسترسل الفصل في بقية الطرق وهي رمي القنابل المسيلة للدموع، ويجدر القول إنه غالبًا ما يتمّ استخدامها بطريقة تعسفية إلى حد إصابة منازل ومنشآت مجاورة، وبعدها استخدام السلاح الناري وذلك عبر الإطلاق العمودي للرصاص لتخويف المتجمهرين، وثم في مرحلة أخيرة إطلاق النار صوب أرجل المتظاهرين. أما الفصل 22 من القانون المذكور، فينص ب بشكل مباشر أنه إذا عمد المتجمهرون للوصول لمبتغاهم رغم اتباع كل المراحل السابقة فإن أعوان الأمن يطلقون عليهم النار مباشرة.

لا يمكن تجاهل حقيقة أن إجراءات فض الاحتجاجات والتجمعات لا يتم العمل بها سواء في تفريق المظاهرات أو في أعمال الشغب في الملاعب الرياضية وهو ما يؤدي لسقوط ضحايا

لا يمكن تجاهل حقيقة أن هذه الإجراءات لا يتم العمل بها سواء في تفريق المظاهرات أو في أعمال الشغب في الملاعب الرياضية. وعليه، لا يمكن أن نستغرب سقوط ضحايا في كل مرة يلجئ الأمن للعنف دون تدرج أو تنبيه، لكن ما يجب استغرابه هو تجاهل القيادات الامنية للقانون في محاولة للتأقلم مع الوضع الأني، ولذلك دائما ما تكون النتيجة هي عدم الاكتراث لأرواح المواطنين العزل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

انتهاكات تونس.. المقاومة مستمرّة لكشف الحقيقة ومنع الإفلات من العقاب

هرسلة "بوليسية" لمراسل صحفي والنقابة تحتّج