10-مارس-2018

رئيس الحكومة وأمين عام اتحاد الشغل (فيسبوك)

ظهرت في الآونة الأخيرة بوادر أزمة بين الحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد والاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يعدّ أبرز منظمة نقابية في تونس. ورغم أن اتحاد الشغل كان من مساندي حكومة الشاهد في بداياتها، منذ توقيع وثيقة قرطاج صائفة 2016، إلا أن مؤشرات عديدة تكشف عن نهاية وشيكة لـ"شهر العسل" بين الحكومة والمنظمة الشغيلة.

أمين عام اتحاد الشغل: "مصير التونسيين لم يعد بين أيديهم بل بعض الأشخاص من وراء البحار يخططون لمن يكون الرئيس"

التأزم في العلاقة بين الطرفين بات جليًا من خلال تصريحات الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، فقد أكد، خلال اشرافه على مؤتمر الجامعة العامة للصناعات الغذائية والسياحة والتجارة والصناعات التقليدية بتونس يوم 10 آذار/مارس، أن البلاد ليست "مخبر تجارب"، مضيفًا أن الساحة السياسية تحتاج إلى قدرات سياسية وحكام لهم حنكة ودراية وقدرة على إيجاد الحلول وتجاوز الصعوبات الاقتصادية. وأشار إلى "الخلافات بين أجهزة الدولة وتفككها"، معتبرًا أن "مصير التونسيين لم يعد بين أيديهم بل هناك أشخاص من وراء البحار يخططون من يكون الرئيس ومن يكون الوزير في البلد". وقال إن هذا الأمر "وصمة عار على كل السياسيين الذين أوصلونا إلى مثل هذه المهانة والوضع المخزي"، حسب تعبيره.

وأضاف الطبوبي: "لا نعرف من يحكم تونس ويسيّرها.. المركب إذا كثرت رياسها تغرق" مؤكدًا أن البلاد بحاجة إلى "ربان سفينة قادر على رسم مستقبلها وآفاقها وزرع الأمل في هذا الشعب".

اقرأ/ي أيضًا: اتحاد الشغل في تونس.. خلفيات النفوذ ورهان البقاء "فوق الجميع"

كلمة نورالدين الطبوبي في مؤتمر الجامعة العامة للصناعات الغذائية والسياحة والتجارة والصناعات التقليدية - 10 آذار/مارس 2017

وتأتي تصريحات الأمين العام لاتحاد الشغل بعد أخذ وردّ وسجال بينه وبين رئيس الحكومة في الفترة الأخيرة. بداية هذا التوتر في العلاقة انطلقت مع تصريح سابق لنور الدين الطبوبي قال فيه إنه آن الأوان للتفكير في تحوير وزاري والإقرار أنه "لا يمكن للأيادي المرتعشة أن تصنع ربيع تونس"، حسب تعبيره.

رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد لم يتأخر في الرد وأكد في حوار تلفزي يوم 25 شباط/ فبراير الماضي أنه لن يجري أي تحوير وزاري خلال هذه الفترة، مشيرًا إلى أن التعديل في تشكيلة الحكومة هو من صلاحيات رئيسها فقط وأنه من حق اتحاد الشغل إبداء رأيه في تقييم أداء عملها لا أكثر.

حوار رئيس الحكومة يوسف الشاهد على القناة الوطنية - 25 شباط/فبراير 2018

الحرب الكلامية بين الطرفين تواصلت، حيث توجه أمين عام اتحاد الشغل بكلمة موجهة ليوسف الشاهد خلال افتتاح المؤتمر العادي الـ25 للاتحاد الجهوي للشغل بتونس يوم 3 آذار/ مارس الجاري، قال فيها إنه لا ينازع صلاحيات رئيس الحكومة وإنه كما لهذا الأخير حقوق عليه واجبات ومن واجباته أن يؤتمن على تونس بصفته يرأس السلطة التنفيذية. وأضاف أن السياسي الناجح والمحنّك مطالب بأرقام إيجابية في حين أن التمعن في الواقع يظهر أرقامًا سلبية.

وعلى الرغم من انعقاد لقاء بين رئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل لترتيب الوضع، لم ينطفئ فتيل الأزمة ومن المنتظر أن يُعقد لقاء مصيري يجمع الموقعين على وثيقة قرطاج يوم الثلاثاء 13 آذار/ مارس بدعوة من رئيس الجمهورية في محاولة منه لإنهاء هذا الخلاف.

تغيّر موقف اتحاد الشغل من الحكومة ورئيسها جاء استباقًا لما يُروج عن توجهها نحو خوصصة عدد من المؤسسات العمومية حسب البعض

ورغم التصريحات المتواترة لقياديي اتحاد الشغل المنتقدة لحكومة يوسف الشاهد، لم تعلن المركزية النقابية نيتها الانسحاب من وثيقة قرطاج بل وأكد الناطق الرسمي باسمها سامي الطاهري أن اتحاد الشغل متمسك بهذه الوثيقة حتى لو غادرتها كلّ الأحزاب السياسية. ولكن يُروج أن تغيّر موقف اتحاد الشغل من الحكومة جاء بعد تقييم سلبي لعمل عدد من الوزراء صلبها واستباقًا لتفكيرها بالتفويت في عدد من المؤسسات العمومية وبيعها للقطاع الخاص، وهو أمر يصنّفه الاتحاد في خانة الخطوط الحمراء التي لا يمكن التفاوض فيها.

وهو أمر جددت المنظمة النقابية تأكيده في اجتماع هيئتها الإدارية الأخير يوم الأحد 11 آذار/ مارس، حيث شدّدت على موقفها الرافض لدعوات الخوصصة ودعت "كافة العاملين في القطاع العام إلى التصدي الميداني والقوي للخوصصة"، حسب نص البيان الذي أصدرته. كما انتقدت ضعف التنسيق بين دوائر القرار و"تناقضها أحيانًا". كما طالب البيان بـ"ضخّ دماء جديدة في جميع مفاصل أجهزة الدولة" في دعوة غير مباشرة مجدّدًا لإجراء تعديل وزاري.

في الأثناء، يسعى كذلك الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل إلى إرضاء القواعد النقابية، وعلى رأسها المنضوية تحت الجامعة العامة للتعليم الثانوي والنقابة العامة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان بالصحة العمومية، والتي تشهد تململًا كبيرًا في صفوفها وتعتبر أن الطبوبي أصبح متماهيًا مع السلطة التنفيذية.

في المقابل، يبدو أنّ رئيس الحكومة التونسي التقط رسائل اتحاد الشغل وفهم أنه لا يمكن أن يعتمد على مساندة الاتحاد المطلقة له، وقرّر "الارتماء في أحضان الحزب الذي ينتمي إليه"، وهو حركة نداء تونس، وصرح في هذا السياق أنه لم يغادر نداء تونس حتى يعود إليه وإن هذا الأخير رغم الشقوق والتجاذبات الداخلية أثبت أنه أقوى من كل المشاكل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صراع مُبكر داخل "نداء تونس" على انتخابات 2019.. الشاهد في مواجهة السبسي

ما هي ملامح الأزمة بين حكومة تونس و"اتحاد الشغل"؟