19-أكتوبر-2018

تجاذبات في مجالس بلدية بين الصراع الحزبي وضرورة العمل الجماعي

مرّ على تنصيب المجالس البلدية أكثر من ثلاثة أشهر ومنذ الإعلان عن تكوينها، انطلق الحديث عن التحالفات الحزبية التي ستشكل السلطات المحلية الجديدة، وما يفرضه الوضع الاقتصادي الصعب من ضرورة حسن إدارة الاختلاف الحزبي لضمان استقرار البلديات وسير عملها، وتحقيق المأمول من هذه المجالس المنتخبة، التي طالت فترة ترقبها لخدمة الصالح العام وتحسين جودة الحياة.

تشهد بعض المجالس البلدية خلافات حادة على ضوء تنوع التمثيليات الحزبية في ظل خشية من نقل الصراعات السياسية بين الأحزاب إلى السلطة المحلية وتعطيلها

وقد راج أيضًا النقاش خلال الإعلان عن نتائج الانتخابات حول ما إذا كانت المجالس البلدية ستترك لها حرية عقد التحالفات وبناء فرق العمل، أم أنّ الأمر يتطلب العودة إلى الهياكل الحزبية المركزية.

وأشار العديد من المحللين إلى أنّ التحالفات ستكون وقتية، فيما يرى البعض أنّ الاختلافات الحزبية داخل المجالس البلدية من الممكن أن تعرقل عملها، فيما استبعد البعض الآخر أن يسود الاختلاف داخل هذه المجالس على اختلاف التمثيليات الحزبية، نظرًا لأنّ علاقات القرابة والصداقة تتقدم على العلاقة الحزبية. فقد يتوافق النهضاوي مع الجبهاوي، أو الندائي مع المستقل تجاوزًا للمحدّد الحزبي، لتُغلّب الكفاءة والانتماء للبلدية على حساب الانتماء للحزب.

اقرأ/ي أيضًا: تعرّف على قيمة المنح والامتيازات العينية لرؤساء البلديات في تونس

استقالات عديدة لأسباب مختلفة

يطرح، في الأثناء، تواتر الاستقالات من المجالس البلدية في الآونة الأخيرة، عدّة أسئلة من أهمها تأثير الاختلافات الحزبية أو السياسية على المجالس البلدية وتنفيذ مهامها، أو تأثير مواقف الهياكل الحزبية العليا على ممثلي الحزب في هذه المجالس والتوافقات داخلها.

إذ أعلن، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، محمد الفناني رئيس القائمة المستقلة "جربة تجمعنا" استقالة كافة أعضاء القائمة من المجلس البلدي لحومة السوق في جربة، وهما كريمة بطيخ التي تشغل خطة رئيس اللجنة المالية والاقتصادية ومتابعة التصرف وسامي بن يونس الذي يشغل خطة رئيس لجنة الثقافة والتربية وعضو اللجنة المالية. وأشار الفناني إلى أنّه سبق لإحدى الأعضاء أن قدّمت استقالتها بسبب صعوبة التنقل والحضور في الاجتماعات وهي من ذوي الاحتياجات الخصوصية، والحال أنّ الاجتماعات الدورية تتم في الطابق العلوي بما لا يتماشى مع وضعيتها الصحية.

يطرح تواتر الاستقالات من المجالس البلدية في الآونة الأخيرة عدّة أسئلة من أهمها تأثير الاختلافات الحزبية أو السياسية على المجالس البلدية وتنفيذ مهامها

وقد أكد محمد الفناني أنّ رفض رئيس البلدية ومساعدته التعامل مع أعضاء لجنة المالية ومدهم بجملة من الوثائق والمعلومات المتعلقة بإعداد ميزانية 2019، كان وراء سبب الاستقالة، مشيرًا إلى إصرار رئيس البلدية ومساعدته على عدم مد أعضاء اللجنة بالوثائق المطلوبة والطلب منهم انجاز الميزانية بطريقة عشوائية، وفق تعبيره.

وفي نفس الإطار، استقال عمر عبد القادر عضو المجلس البلدي الجديد بتطاوين والمنتخب عن قائمة حراك تونس الإرادة، مشيرًا إلى أنّه استقال من كتلة المستشارين لقائمة حزبه وسيكون مستشارًا مستقلًا بالمجلس البلدي. وأرجع أسباب هذه الاستقالة إلى أنه "حين تسند اللجان البلدية إلى غير ذوي الاختصاص ولو في حده الأدنى تكون الاستقالة هي منطق العقل، لا نرضى بدور المتفرج بل سنكون صوت المواطن الحر وسندافع عن حقوق الجميع كما عهدنا" وذلك حسب ما دوّنه على صفحته على فيسبوك.

اقرأ/ي أيضًا: قراءة في نتائج الانتخابات البلدية: تصويت عقابي.. وجدل حول المستقلين

أما في شهر أوت/أغسطس الماضي، فقد قدّمت خضراء الشويخي، رئيسة قائمة حركة النهضة، استقالتها من منصب رئاسة بلدية بوغرارة آخر البلديات المحدثة في ولاية مدنين، بدعوى عدم قدرتها التفرغ لهذه المهمة. وهي ثاني استقالة لنفس السبب في ولاية مدنين، إذ تخلى رضا بن يونس، من حركة النهضة أيضًا، عن رئاسة بلدية جربة ميدون، وقدم بدوره عبد الله السعداوي استقالته من رئاسة بلدية بني خداش، لكنّ المجلس البلدي رفضها ليواصل مهامه.

كما أعلن نوفل الميلادي رئيس المجلس البلدي بالهوارية في شهر أوت/أغسطس الماضي أيضًا عن استقالته من منصبه، لأسباب صحية إثر تعرّضه لأزمة قلبية. ويشار الى أن المجلس البلدي بالهوارية كان قد هدد بالاستقالة الجماعية مؤخرًا احتجاجًا على حادثة تصريف مياه ملوثة لمصانع المصبرات بجهة دار علوش بقرار من الوالية دون علمهم.

أول استقالة من المجالس البلدية حصلت في جوان الماضي وهي استقالة منال الصيد المستشارة البلدية ببلدية العوابد الخزانات التابعة لولاية صفاقس عن حركة مشروع تونس

وكانت قد حصلت أول استقالة من المجالس البلدية في جوان/يونيو الماضي بعيد إعلان النتائج النهائية للانتخابات، وهي استقالة منال الصيد المستشارة البلدية ببلدية العوابد الخزانات التابعة لولاية صفاقس عن حركة مشروع تونس، بسبب ما وصفته بزيف الادعاء بالعمل البلدي المشترك من طرف ممثلي حركة النهضة والمتحالفين معها، وأشارت في أسباب الاستقالة إلى أنّ الأغلبية الفائزة في الانتخابات أقصت بقية المستشارين، بعيدًا عن الالتزام بالعمل وفق مبدئي التوافق والانسجام وفق تعبيرها.

البلديات بين سطوة الأحزاب والسلطة المحلية

في الحديث عن تأثير الخلافات الحزبية على تسيير البلديات، أفاد عضو بإحدى المجالس البلدية (فضل عدم الكشف عن اسمه) "الترا تونس" بأنّ المجلس البلدي المتواجد فيه واجه بعض المشاكل على مستوى العمل الداخلي بسبب اختلاف الانتماءات الحزبية لأعضائه، وهو السبب الذي عطّل سير الأمور ودفعهم إلى عرض المسألة على رئيس المجلس لإيجاد حلّ، وفق تعبيره.

من جهته، أشار المحامي وعضو المجلس الوطني التأسيسي رابح الخرايفي لـ"الترا تونس" إلى أنّه من المفروض ألا يكون اللّون الحزبي داخل البلديات موجودًا، قائلًا: "هذا الأمر ناتج عن عدم فهم المستشار البلدي لدوره أساسًا، وليس لديه ثقافة تسيير الدولة حينما يكون وفيًا للحزب أكثر من أن يكون وفيًا للبرنامج البلدي الذي انتخب من أجله. وهذا منتظر وليس غريبًا، لأنّ الثقافة السياسية والديمقراطية المباشرة والمحلّية نعيشها لأولّ مرة في تونس، كما أنّ المستشارين البلديين غير مكونين لا من ناحية قانون ولا من حيث التجربة السياسية وممارسته".

رابح الخرايفي (عضو المجلس التأسيسي):  من المفروض أنّ لا يكون اللّون الحزبي داخل البلديات موجودًا وهذا الأمر ناتج عن عدم فهم المستشار البلدي لدوره 

على صعيد آخر، أضاف محدّثنا أنّ نضج التجربة وحسن سير البلديات لن يتمّ، وفق تعبيره، قبل دورة حضارية كاملة تتطلب على الأقل 15 سنة، ومع الوقت لابد من تطوير عملية التثقيف السياسي التي يجب أن تقوم بها الأحزاب لمستشاريهم داخل البلديات، والمجتمع المدني الذي يصنع رجل الدولة. وأكد بالقول: "العمل البلدي ليس عملًا سهلًا بل يحتاج كفاءة سياسية ودرجة عليا من الوعي لكن هذا في بلدنا غير متوفر، لأنّهم أناس بسطاء من حيث التفكير وليس لها أي رؤية"، وأشار أنّه كان حاضرًا في جلسة في بلدية جندوبة بصفته محامي وأستاذ قانون مهتم بالشأن البلدي، ولاحظ حماس الناس للعمل لكن ليس لديهم أي رؤية أو فهم لسير الدولة حسب قوله.

من جهة أخرى، أوضح رابح الخرايفي أنّ الدولة نقلت عديد الصلاحيات من المركزي إلى الجهوي، وهذا لن يعيقه الاختلاف الحزبي فقط وإنّما يجب فهم طرق إدارة الشؤون المالية لتنفيذ المشاريع وفق تعبيره، قائلًا إنه لاحظ أنّ أعضاء المجلس البلدي ينتظرون الأموال والحال أنّهم مطالبون بجمعها.

وختم محدّثنا بأنّ تقديم مصلحة الحزب على مصلحة البلدية سيؤدي إلى عدّة مشاكل، "فهو يعني أنّ المستشار البلدي ليس مستشارًا مستقلًا، وإنّما يأتمر بأوامر الحزب وما يقرره المركزي، وليس حتى قرارات الحزب على مستوى جهوي، وهو نوع من أنواع معيقات العمل البلدي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

المجالس البلدية الجديدة.. تدبير حرّ وقطع مع الرقابة القبلية

الانتخابات الجهوية.. انتخابات منسية