عرفت تونس، منذ 14 جانفي/كانون الثاني 2018، أكثر من 10 حكومات و5 رؤساء حكومات، ولكل مرحلة خصوصياتها السياسية والاقتصادية، ولكل مرحلة أيضًا معايير تقييمية خاصة لتغير موازين القوى في كل مرة ولاختلاف الوضع من مرحلة إلى أخرى.
رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد هو أكثر رؤساء حكومات بعد الثورة، بقاءً في منصبه، إذ نالت حكومته الثقة بتاريخ 26 أوت/أغسطس 2016، وأحدث عليها ثلاث تحويرات وزارية آخرها التحوير الوزاري الذي نال ثقة البرلمان بتاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ليأتي الحديث عما بات يسميها الكثيرون "حكومة الشاهد 3".
يرأس بذلك يوسف الشاهد الحكومة منذ ما يزيد عن سنتين، لكن استمر تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالنظر إلى تقارير البنك المركزي ومعهد الاحصاء رغم تأكيد الشاهد على تحقيق حكومته لخطوات إيجابية على عديد المستويات على غرار التشغيل والاستثمار الأجنبي والسياحة. ليأتي السؤال، إلى أي مدى نجح رئيس الحكومة في تحقيق وعوده؟
عرفت تونس منذ 14 جانفي/كانون الثاني 2018 أكثر من 10 حكومات و5 رؤساء حكومات ولكل مرحلة خصوصياتها السياسية والاقتصادية
تقلد يوسف الشاهد منصبه بحزام سياسي واسع يندرج في إطار وثيقة قرطاج، وهو حزام يُعتبر الأوسع الذي تحظى به حكومة منذ سنة 2011 إذ شمل إضافة إلى الأحزاب المشاركة في الحكم عددًا لا بأس به من الأحزاب الأخرى سواء الممثلة أو غير الممثلة في البرلمان، وذلك إلى جانب اتحاد الشغل واتحاد الأعراف. ولكن فقدت الحكومة بعد سنتين هذا الحزام بصفة تدريجية، إذ انسحبت أغلب الأحزاب من وثيقة قرطاج ليصل الشاهد في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 في جلسة منح الثقة بترويكا جديدة تتكون من حركة النهضة وحزب مشروع تونس وحزب المبادرة، مع معارضة حزب نداء تونس وحزب المسار إضافة إلى اتحاد الشغل عدا عن كتل المعارضة التقليدية.
اقرأ/ي أيضًا: تونس.. الأزمة أعمق من مجرد تحوير وزاري
هو مناخ سياسي مرتبك وغامض بلغ إلى درجة أن الحزب الذي فاز في انتخابات 2014، حزب نداء تونس، أصبح في صف المعارضة، بالتوازي مع تكوين كتلة جديدة في البرلمان باسم الائتلاف الوطني لدعم حكومة الشاهد.
يقول الباحث والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لـ"الترا تونس"، إن أولى النجاحات التي حققها رئيس الحكومة يوسف الشاهد هي القدرة على البقاء في السلطة رغم الخلاف بينه وبين حزبه نداء تونس من جهة، وبينه وبين رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي من جهة أخرى، إذ يؤكد أن الشاهد استطاع المحافظة على منصبه كرئيس للحكومة رغم هذا الصراع.
في جلسة منح الثقة لحكومته الثالثة، قال يوسف الشاهد إنه تمكن، صحبة فريقه الحكومي، من تحقيق عدة إنجازات على المستوى الاقتصادي، مشيرًا إلى تحسن أرقام الاستثمار والتصدير في العامين الماضيين، إضافة إلى تحسن القطاع السياحي بصفة استثنائية سنة 2018. ويعتبر الشاهد أن أكبر إنجازات هذه الفترة هو تقليص عجز الميزانية من 7.4 في المائة سنة 2016 إلى ما يقارب 4.9 في المائة سنة 2018.
لكن تقارير البنك المركزي ومعهد الإحصاء تعتبر أن فترة الشاهد هي فترة الأرقام القياسية: أرقام قياسية في العجز التجاري وصلت إلى أكثر من 15 مليار دينار سنة 2017، ونسبة تضخم قياسية وصلت إلى 7.4 في المائة، مع تسجيل تراجع مخزون العملة الصعبة لأرقام قياسية وصلت إلى 69 يوم توريد وكذلك تسجيل المديونية لنسبة بلغت 74 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
صلاح الدين الجورشي: أولى النجاحات التي حققها رئيس الحكومة يوسف الشاهد هي القدرة على البقاء في السلطة رغم الخلاف مع رئيس الجمهورية وحزب نداء تونس
في هذا الجانب، اعتبر النائب ياسين العياري أن الشاهد فشل في تحقيق أي إنجاز، وقال إنه وعد بـ 122 وعدًا حقق منها 22 فقط. واتهمه خلال جلسة منح الثقة لأعضاء الحكومة الجدد بتدمير قطاع الفلاحة على خلفية الاتفاق المزمع إمضاؤه مع الاتحاد الأوروبي "الاليكا". وتوجه العياري نحو الشاهد بالقول: "في مخطط 2016-2020 كان توقع مؤشر الأسعار في 2018 ما يقارب 3.5 في المائة لكن نجده اليوم وصل إلى 8 في المائة. وبالنسبة لتطور الناتج الداخلي الخام، كان المتوقع تحقيق نسبة 4 في المائة والحال نجد اليوم نسبة 2 في المائة. أما بخصوص الحديث عن معالجة عجز الميزانية، لا يمكن اعتباره إنجاز لتلاعبك بالأرقام لأن ميزانية 2016 ليست ميزانية 2018".
اقرأ/ي أيضًا: قانون المالية 2019.. خنق جديد للمواطن أم الانفراج الموعود؟
لكن الباحث والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي يرى أن يوسف الشاهد ليس بالشخص القادر على تحقيق تغييرات عميقة، ويفيد أنه بدأ بالقيام ببعض الإصلاحات قائلًا: "رغم أن صندوق النقد الدولي هو من طالب بهذه الإصلاحات لكنها تبقى ضرورة ملحة في الأزمة الراهنة رغم كلفتها الاجتماعية، وما يحسب ليوسف الشاهد أنه بدأ يتجه نحو الاصلاحات المكلفة على أكثر من صعيد ".
هل حقق الشاهد ما وعد به؟ أجابت منظمة "أنا يقظ" على هذا السؤال بطريقة حسابية فيما أسمته تقرير "الشاهد ميتر". وانتهى هذا التقرير أن رئيس الحكومة أطلق 113 وعدًا حقق 19 في المائة منها فقط، فيما لازال 49 في المائة من الوعود في طور الإنجاز، أما البقية فهي وعود لم تتحقق أو وعود فضفاضة.
تقول أنا يقظ في تقريرها: "اللافت في الأرقام التي توصلت إليها المنظمة بعد اشتغالها على تقييم عمل الحكومة طيلة أكثر من 700 يوم، عدم توفّقها في تحقيق أي وعد في بعض المجالات الحساسة على غرار الإجراءات العاجلة وقطاعات الثقافة والمياه والشباب. أما على مستوى مكافحة الفساد التي اتخذ منها يوسف الشاهد أولوية قصوى في مختلف خطاباته، فلم تكن النتيجة في مستوى الوعود التي طالما جاهر بها، بما أنه تم تحقيق ربع ما تم الإعلان عنه".
صلاح الدين الجورشي: يوسف الشاهد أبدى حدا أدنى من الحزم وهذا مهم بالنسبة لرئيس حكومة لكنه لا يزال يتعلم الكثير
ختامًا، أكثر من سنتين على تولي يوسف الشاهد منصب رئيس الحكومة، هي فترة استطاع خلالها أن يحدث تغييرًا في موازين القوى مع بعض الاستقرار السياسي والأمني لكن لا يزال التحدي الاقتصادي هو الأهم في الفترة المقبلة.
يظل السؤال، هل الشاهد هو الشخص المناسب لتحديات بمثل هذا الحجم؟ يجيب صلاح الدين الجورشي في ختام حديثه معنا قائلًا: "يوسف الشاهد جديد على الحياة السياسية فهو صغير السن وقادر على استيعاب الدروس، لقد أبدى حدًا أدنى من الحزم وهذا مهم بالنسبة لرئيس حكومة لكنه مازال يتعلم الكثير". في المقابل، يشكك آخرون في قدرة الشاهد على مواجهة التحديات الحالية.
اقرأ/ي أيضًا:
أزمة المؤسسات العمومية في تونس: التفويت أم الإصلاح؟
بين السياسي والاجتماعي.. أي دور اليوم للاتحاد العام التونسي للشغل في تونس؟