14-أغسطس-2018

تبنت بشرى بلحاج حميدة قضايا المرأة منذ بداية نشاطها الحقوقي

يزخر التاريخ التونسي الحديث بأسماء لسيدات نقشن أسماءهن في الذاكرة الرسمية والشعبية وخلّدن مسيرات من النضال والتضحيات سواء كان ذلك في سبيل الوطن أو دفاعًا عن المرأة وحقوقها على غرار بشيرة بن مراد وشريفة المسعدي – التي كانت أول امرأة نقابية تنضمّ إلى الاتحاد العام التونسي للشغل -، وتوحيدة فرحات التي أسست نادي الفتاة التونسية سنة 1954 وراضية الحداد، التي تولت رئاسة الاتحاد القومي النسائي التونسي منذ أواسط الخمسينيات إلى مطلع السبعينات، وغيرهن الكثيرات.

ولئن مثلت المرأة التونسية رقمًا صعبًا في الحياة العامة بالبلاد التونسية منذ تأسيس قرطاج إلى اليوم، فإن تونس كما يقال "ولادة" ودائمًا ما كان لنسائها دور هام وبارز وفعال خلال المحطات الكبرى التي عاشتها تونس على امتداد سنوات وقرون لعلّ آخرها ما تعيش تونس على وقعه من مسار لانتقال ديمقراطي وما يرافقه من مخاطر وتهديدات تطال أصعدة سياسية واجتماعية واقتصادية وأحيانًا هووية.

اقرأ/ي أيضًا: من بينها إلغاء تجريم المثلية: أهم ما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية

سعيدة راشد لـ"الترا تونس":  بشرى منذ بداياتها تبنت قضايا الحقوق والحريات، العامة والفردية، والمساواة ومناهضة العنف ضدّ المرأة

ويجمع العديد من المتابعين لأحداث الثورة التونسية وما تلاها أن المرأة التونسية كانت عاملًا أساسيًا لتحقيق الاستقرار من خلال اندفاعها للدفاع عن كبرى القضايا في منعرجات خطيرة كانت ستودي بالبلاد ربما إلى المجهول. وتتعدد أسماء النساء المناضلات اللاتي ساهمن في مسار قد يكون الأهم في تاريخ تونس المعاصر ولكن الجدل مؤخرًا التصق باسم ناشطة حقوقية لها صيت واسع في مجال الدفاع عن الحقوق والحريات وبشكل خاص عن المرأة منذ سنوات ولا تعدّ ساحات الدفاع عن النساء المقهورات في مختلف المحافل أمرًا جديدًا.

بشرى بلحاج حميدة، التي باتت لها شهرة واسعة تجاوزت خلال الأشهر الأخيرة حدود الوطن لتغزو مجتمعات عربية كان جلّها إلى غاية فترة غير بعيدة جاهلًا بأبجديات المجال الحقوقي التونسي، بعد أن كلّفت برئاسة لجنة استشارية أحدثها رئيس الجمهورية التونسي الباجي قائد السبسي في 13 أوت/ آب 2017، لتشتغل على تقرير يكون نقطة بداية لتعديلات تشريعية تتعلّق بالمساواة في الإرث والحريات والحقوق الفردية.

هذا التكليف وترؤس لجنة الحريات الفردية والمساواة يمثل بالنسبة إليها تتويجًا لمسار طويل من العمل الدؤوب، والذي دام عدة عقود، دفاعًا عن المرأة وحقوقها في مجتمع مازالت تكبّله البطريركية والعقلية الذكورية. وهي من صرّح أنها لا ترغب في تولي أي وزارة أو منصب، مؤكدة أنها نالت ما تريده بعد أن دخلت مجلس نواب الشعب كنائب منتخب سنة 2014 ومن ثمّ ترأست لجنة الحريات الفردية والمساواة.

فبشرى بلحاج حميدة، أصيلة ولاية زغوان، مارست العمل الحقوقي منذ سن مبكرة. والمحامية التي تحصلت على شهادة تعليم عال في القانون الخاص من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس سنة 1980، كانت متشبعة منذ بداياتها بمبادئ الحقوق والحريات. وتؤكد في هذا السياق عضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات سعيدة راشد لـ"الترا تونس"، أن بشرى منذ بداياتها تبنت قضايا الحقوق والحريات، العامة والفردية، والمساواة ومناهضة العنف ضدّ المرأة، مبينة أنها شاركت في جميع مراحل تأسيس جمعية النساء الديمقراطيات سنة 1989 قبل أن تتولى رئاستها من 1994 إلى 1998.

وتمتاز بلحاج حميدة بكونها إنسانة مرحة تحب الحياة وتحاول تجنّب كلّ ما من شأنه أن يعكر مزاجها، ولكنها في الآن ذاته شجاعة في مواقفها ومبدئية وشرسة في تبنيها الحقوق والحريات الفردية والعامة ومستبسلة في الدفاع عن المرأة والرجل والأقليات، على حدّ قول سعيدة راشد التي أشارت إلى أن بلحاج حميدة قدمت الكثير من وقتها وراحتها للدفاع عن النساء المعنفات وعن المبادئ والقيم التي تؤمن بها.

ولعلّ من أبرز ما يميّز رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة، بحسب محدثتنا، هو أن لديها الجرأة كي تصدح برأيها حتى في المواضيع التي قد يتجنب الكثيرون الخوض فيها والتي قد تزعج المجتمع خصوصًا تلك المتعلقة بالحقوق والحريات الفردية.

ورغم أن نشاط بشرى بلحاج حميدة اكتسى طابعًا سياسيًا في أحيان عديدة وكان لها مواقف عديدة مثيرة للجدل يمكن للمرء أن يختلف أو أن يلتقي معها، إلا أن الطابع الحقوقي كان غالبًا على مسيرتها التي كرّست جزءًا هامًا منها في الدفاع على قضايا المرأة والمساواة والحريات. وتقول سعيدة راشد إن بلحاج حميدة تؤمن بالحوار ومستعدة لتقديم تنازلات دون أن تمس بجوهر القضايا والمبادئ مضيفة أنها تتحاور حتى مع من يحمل مبادئ تناقض مواقفها المبدئية ومن يعتبر غير متقبل للنقاش.

وتشدد راشد على أن اختيار بشرى بلحاج حميدة لترؤس لجنة الحريات الفردية والمساواة لم يأت من عدم وكان لها العديد من الكتابات في هذا المجال.

اقرأ/ي أيضًا: لجنة الحريات: تقريرنا ثوريّ ولا يمس من العقيدة.. والمعارضون يردّون: بل هو فتنة

كريم بوزويتة (عضو لجنة الحريات الفردية والمساواة) لـ"الترا تونس": لبشرى بلحاج حميدة قدرة كبيرة على الحوار والإقناع وهذه نقطة قوتها

علاوة على ذلك، تعرف ساحات المحاكم مدى شراسة بشرى واستبسالها عندما يتعلّق الأمر بالدفاع عن امرأة تعرضت للعنف. ولعلّ الجميع يتذكر قضية الفتاة التي تعرّضت للاغتصاب من قبل أعوان أمن وتبني بلحاج حميدة لقضيتها التي باتت قضية رأي عام شغلت المنابر الإعلامية والمواطنين لشهور.

قدرة بشرى بلحاج حميدة على النقاش أجمع عليها أكثر من رأي وأكدها عضو لجنة الحريات الفردية والمساواة كريم بوزويتة في تصريح لـ"الترا تونس"، مبرزًا قدرتها على محاورة جميع من كان معارضًا لمشروع تقرير اللجنة سواء كانوا من شق "المتأسلمين"، حسب تعبيره، أو من مثقفين وشخصيات يسارية.

ويبيّن بوزويتة أن دور بشرى بلحاج حميدة تطلب منها دبلوماسية شديدة، مشيرًا إلى أنه تمتلك قدرة على الإقناع وهو ما يمثل نقطة قوتها. ويضيف أنها ظلّت ثابتة على مبادئها وواصلت عملها بكل هدوء رغم ضغوطات تعرّضت إليها لكنها لم تتركها تؤثر على طبيعة عملها في اللجنة.

ويفيد محدثنا في هذا الصدد أن بشرى بلحاج حميدة ظلّت صامدة ولم تقل يومًا إنها تشعر بالتعب أو تريد التخلي عن المسألة رغم التهديدات التي وصلتها والتي كانت وفق بوزويتة صادرة عن تنظيم الإخوان العالمي خاصة أن خبراء كشفوا للجنة عن الحسابات التي تولت قيادة الهجوم ضد رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة ومقرًا لهم بتونس.

ولئن كان من الطبيعي جدًا أن يختلف المرء مع مواقف سياسية تبنتها بشرى بلحاج حميدة، إلا أن مسيرتها النضالية في الدفاع عن المرأة التونسية ومساهمتها بشكل فاعل في إقرار قانون القضاء على العنف ضدّ المرأة أمر لا ينكره عاقل ولا يمكن لصراعات وتجاذبات سياسية أن تمحو عقودًا ستترك حتمًا أثرها في الأجيال المقبلة التي ستحمل مشعل الحركة النسوية بتونس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لتنقيح مجلة الأحوال الشخصية.. إليكم مقترحات لجنة الحريات الفردية والمساواة

تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة.. إشكالية الدين والدولة المدنية