13-أبريل-2020

ربما تُعجل أزمة "فيروس كورونا" بلفت نظر السلطات التونسية لتردي أوضاع السجون (Getty)

 

إن سألت تونسياً يعيش في بيته بين أهله وناسه ومحيطه، الذي اختار هو تفاصيله، عن أكبر مخاوفه حالياً فغالبًا سيجيبك أنه انتشار فيروس كورونا وما قد يخلفه من فرضية الإصابة بمرض كوفيد 19 له أو لأحد أحبابه. لكن كيف يمكن أن تكون إجابة سجين في تونس حالياً؟ لم يختر هذا السجين أي شيء في المكان الذي يستقر به ولا من يرافقه ذات الزنزانة ولا لوازمها من نظافة وعناية، وهو العليم بانتشار العدوى بالخارج وبكل ما يعانيه السجن من نقائص؟ 

قد تكون الإجابة التي راودتك الآن محزنة ومقلقة، فلتعلم أن الواقع هو بذاك القدر من الألم أو أكثر. عودة في هذا التقرير لوضع السجون التونسية في زمن الكورونا وكيف حاولت سلطات البلاد التخفيف من حدة التأزم.


تُعرف السجون التونسية، حتى بعد الثورة، بتواصل الاكتظاظ والظروف المزرية وحتى بشبهات تعذيب وسوء معاملة. من بين آخر الأرقام الرسمية بتاريخ ديسمبر/ كانون الأول 2018، ما صرح به الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للسجون والإصلاح سفيان مزغيش حينها حول حجم الاكتظاظ بالسجون التونسية، الذي وصفه بـ"المرتفع"، مشيرًا إلى أن العدد الجملي للمساجين بلغ 22663 سجين في حين أن طاقة الاستيعاب لا تتجاوز 17762 وموضحًا أن نسبة الاكتظاظ ترتفع خاصة بسجون الإيقاف.

في نهاية 2018، قُدر العدد الجملي للمساجين بـ22663 سجين في حين أن طاقة الاستيعاب لا تتجاوز 17762 أما نسبة الاكتظاظ فترتفع خاصة بسجون الإيقاف

وفي ظل هذا الوضع فإن خطر انتشار عدوى فيروس كورونا بسرعة يبقى مرتفعًا وهو ما تؤكده مثلاً اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي أشارت في تقرير مؤخرًا أن "نزلاء السجون معرضون بشكل خاص للأمراض المعدية مثل فيروس كوفيد 19، ويمكن لظروف الإيقاف والسجن أن تؤدي إلى تفاقم المخاطر".

منظمات: تخوّف ومطالب بإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المساجين

في هذا السياق، سارعت العديد من المنظمات التونسية والأجنبية بتوجيه ما أسموها رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وذلك بتاريخ 28 مارس/ آذار الماضي، كشفت فيها خشيتها من تفشي فيروس كورونا في السجون وبين السجناء وأعوان السجون وموظفي وزارة العدل وإطاراتها.

وقدمت ذات المنظمات بعض المقترحات للتوقي من انتشار الوباء، أبرزها الدعوة لإسعاف أكبر عدد ممكن من المسجونين المحكومين بالعفو الخاص طبق القانون مع التوسع في المعايير وذلك بتطبيق شرط تقضية نصف العقوبة والاستغناء عن معايير أخرى أكثر صرامة باتجاه حماية أكبر عدد ممكن من الأشخاص، إضافة إلى التوسع في قائمة الجرائم التي يمكن أن يشملها العفو والتي تستثنى عادة من هذا الإجراء في الظروف العادية.

من بين مقترحات هذه المنظمات أيضًا تفعيل آلية الحط من العقوبة وتوسيعها لتشمل جرائم لا تدخل في قائمة الجرائم التي تتمتع بهذا الإجراء في الظروف العادية. 

أما بخصوص الموقوفين الذين ينتظرون المحاكمة والذين هم على ذمة القضاء واستنادًا إلى أن الأصل هو الحرية والمثول بالتالي في حالة سراح بينما الاستثناء هو سلبها والمثول بحالة إيقاف، بالإمكان تمتيع عدد أكبر من الموقوفين تحفظيًا وذلك بتفعيل الإفراج والتخفيف من شروطه خصوصًا وأن الظرف الحالي والإجراءات التي تم اتخاذها في علاقة بالحجر الصحي العام ستحول دون ارتكابهم لجرائم أخرى وكذلك تكون ضامنًا لتنفيذ العقوبة باعتبار أنه لا يسمح لهم بمغادرة البلاد ولا حتى مقرات سكناهم وإقامتهم، وفق الرسالة المفتوحة الموجهة من عديد الجمعيات.

وجدير بالذكر أن حوالي 50 في المائة من الأشخاص الموجودين في السجون التونسية هم رهن الإيقاف التحفظي، وذلك وفق أرقام حكومية تعود لموفى 2016.

والمنظمات التي وجهت الرسالة المفتوحة لرئيس الجمهورية هي: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الهيئة الوطنية للمحامين، النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، الجمعية التونسية للمحامين الشبان، الاتحاد العام التونسي للشغل، الهيئة الوطنية للمحامين، عمادة الأطباء التونسيين، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، جمعية بوصلة، الأورومتوسطية للحقوق (مكتب تونس)، محامون بلا حدود والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.

ولم تقتصر الدعوات إلى خفض عدد السجناء خلال فترة تفشي الوباء على المنظمات المحلية، إذ وجهت منظمة العفو الدولية مستهل شهر أفريل/ نيسان 2020 دعوة للسلطات التونسية "للنظر على وجه السرعة في خفض عدد الموقوفين لمنع انتشار مرض كوفيد - 19 داخل السجون". 

لكن وعلى عكس ذلك ومنذ أن أعلن إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة في تونس، عن تطبيق الحجر العام في البلاد اعتباراً من 22 مارس/آذار الماضي، اعتقلت الشرطة الكثيرين ممن انتهكوا حظر التجول أو إجراءات الحجر  (ما لا يقل عن 1400 شخصاً حسب أرقام حكومية نهاية شهر مارس). 

منذ تطبيق الحجر العام في البلاد اعتباراً من 22 مارس/آذار الماضي، اعتقلت الشرطة الكثيرين ممن انتهكوا حظر التجول أو إجراءات الحجر مما يعمّق تأزم الوضع داخل السجون

في هذا السياق، جاء في بلاغ منظمة العفو الدولية الموجه للسلطات التونسية أن نائبة المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية آمنة قلالي تقول إن "إيقاف المزيد من الناس سيعرض صحتهم للخطر ولا يمكن إلا أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الصحية الحالية".

وأوصت المنظمة بأن تنظر السلطات التونسية في اعتماد تدابير غير احتجازية للمتهمين بانتهاك الإجراءات الطارئة التي اتخذتها الدولة للسيطرة على تفشي الفيروس. كما أوصت بتجنب الاكتظاظ في مراكز الإيقاف  والشرطة أو في زنازين المحاكم.

العفو الخاص.. حل السلطات التونسية

بمناسبة الذكرى 64 لعيد الاستقلال، في 20 مارس/ آذار الماضي، مكّن رئيس الجمهورية قيس سعيّد 1856 محكومًا عليهم بالعفو الخاص، وهو ما أفضى إلى سراح 670 سجينًا منهم فيما تمتع البقية بالحطّ من مدة العقاب المحكوم به لا غير، ثم قرر في نهاية ذات الشهر تمتيع 1420 محكومًا عليهم بالعفو الخاص، مما أفضى إلى سراحهم جميعًا.

وجاء في بلاغات لرئاسة الجمهورية، أن هذه القرارات تندرج ضمن الرغبة في التخفيف من الضغط على السجون وأن سعيّد أعطى تعليماته بتشديد التعقيم داخل السجون.

اتجهت السلطات التونسية إلى تفعيل العفو الخاص مرتين في فترة زمنية وجيزة مع تشديد التعليمات بالتعقيم داخل السجون

يُذكر أن الفصول من 371 إلى 375 من مجلة الإجراءات الجزائية قد منحت رئيس الجمهورية حق منح العفو الخاص لفائدة المحكوم عليهم. وأن العفو الخاص عادة ما ارتبط في أذهان التونسيين بالأعياد والمناسبات الوطنية والدينية.

وحق العفو الخاص يمارسه رئيس الجمهورية، لكنه لا يتم إلا عبر وزارة العدل وتحديدًا لجنة العفو بها التي تقوم بإعداد قائمة في المحكوم عليهم وتقدم تقريرها لوزير العدل الذي يرفع بدوره قائمة في المقترح تمتيعهم بالعفو على رئيس الجمهورية.

وعادة يقدم المحكوم عليهم طلبًا للجنة العفو، ولكن يمكن أيضًا تقديم مطلب عفو مباشرة لرئيس الجمهورية، لكن يجب عليه العودة لوزارة العدل لأخذ رأيها. ويتضمن مطلب العفو غالبًا مؤيدات مثل وجود صلح مع الخصم أو ملف طبي عند حالة عجز. وتأخذ لجنة العفو بعين الاعتبار سلوك المحكوم عليه في السجن.

وتُحدد مقاييس منح العفو الخاص بالتنسيق بين رئاسة الجمهورية ووزارة العدل والشرط الأساسي لتمتيع محكوم عليه بعفو خاص هو صدور حكم بات بحقه أي حكم غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن، بمعنى ألا تكون القضية منشورة لدى المحاكم.

حق العفو الخاص يمارسه رئيس الجمهورية، لكنه لا يتم إلا عبر وزارة العدل وتحديدًا لجنة العفو بها التي تقوم بإعداد قائمة في المحكوم عليهم وتقدم تقريرها لوزير العدل

وقد يؤدي العفو الخاص إما لإطلاق سراح المعني بالأمر، أو التخفيض من عقوبته، أو إبدال العقوبة بأخرى أخف منها. وعليه، لا يعني العفو بالضرورة إطلاق سراح المحكوم عليه المسجون. ويُذكر أن التمتع بالعفو الخاص لا يعني محو الجريمة من بطاقة السوابق العدلية للمحكوم عليه.

لكن العفو الخاص ليس إلا إحدى الآليات لإطلاق سراح المحكوم عليهم قبل إتمام مدة العقوبة. فبإمكان السلطات التونسية في هذه المرحلة من انتشار الوباء أو مع تطور الأمور منحى سيئًا، التوجه نحو ما يعرف بالسراح الشرطي، ولا يُمنح هذا السراح إلا بشروط تتعلق بحسن السيرة في السجن وبقضائه جزءًا من فترة العقاب ويُمنح السراح الشرطي بقرار من وزير العدل بناء على موافقة لجنة السراح الشرطي. كما يمكن اللجوء للسراح المؤقت الذي يمارسه قاضي التحقيق بناء على طلب من وكيل الجمهورية أو المظنون فيه، وهو بذلك يتعلق بقضية لا تزال جارية.

لا إصابات بفيروس كورونا في السجون التونسية إلى حد الآن

إلى حد الآن، أفادت الهيئة العامة للسجون والإصلاح في تونس، وهي التي تشرف على أمور السجون في البلاد، أنها لم تسجل أي إصابة بفيروس كورونا داخل الوحدات السجنية في كل التراب التونسي. وعزت ذلك إلى إجراءات اتخذتها منذ شهر فيفري/ شباط الماضي.

وصرح سفيان مزغيش، الناطق الرسمي باسم الهيئة العامة للسجون والإصلاح، نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، للوكالة الرسمية للأنباء أن "الهيئة اتخذت إجراءات وقائية وحمائية لتفادي انتشار العدوى في السجون ومن بينها تعليق الزيارات المباشرة للمساجين (الزيارات التي يلتقي فيها المساجين بعائلاتهم دون حاجز) والاقتصار على الزيارات العادية التي تتم عبر الحاجز مرة في الأسبوع وتقليص عدد الزوار للمساجين لزائرين اثنين فقط".

الناطق الرسمي باسم الهيئة العامة للسجون والإصلاح: "الهيئة اتخذت إجراءات وقائية وحمائية لتفادي انتشار العدوى في السجون ومن بينها تعليق الزيارات المباشرة للمساجين والاقتصار على الزيارات العادية"

وذكر مزغيش أنه تم التقليص في تواتر قبول "القفة" من ثلاث مرات في الأسبوع إلى مرتين ثم إلى مرة واحدة في الأسبوع، مؤكدًا أنه يتم تعقيم كل ما يتم إدخاله للسجن وتحسين جودة الإعاشة وإضافة وجبة ساخنة للسجناء (درع أو شربة) وتوفير الأدوية والمعدات الصحية (كمامات وقفازات وآلات قيس الحرارة) للأعوان وللمساجين الذين يعرضون على المحكمة.

الهيئة العامة للسجون والإصلاح أوضحت أيضًا أنه تم تخصيص فضاءات لاستقبال الموقوفين الجدد لمنع الاختلاط مع المساجين الآخرين توقيًا من أية احتمالات ممكنة للعدوى، وذلك خلال فترة الملاحظة التي تدوم 14 يومًا بكل من سجون المرناقية ومرناق وسجن الدير (الكاف) وسوسة وقابس وصفاقس.

لكن رغم ما أُعلن عنه من إجراءات لتخفيف حدة الاكتظاظ داخل السجون إضافة إلى قرارات للتوقي من انتقال الفيروس، فإن مخاوف الكثير من عملة السجون وغيرهم تبقى قائمة، وهو ما يفسر بعض الاحتجاجات التي عرفتها مؤخرًا وحدات سجنية كسجن قفصة أو تصريحات البعض من ممثلي نقابات السجون والإصلاح عن تخوفاتهم بعد إخضاع البعض من زملائهم للحجر الصحي الذاتي. 

والثابت أن السجون، التي تحوّلت هذه الأيام إلى مزوّد رئيسي للسوق التونسية بالكمامات/ الأقنعة الواقية التي تعدها سجينات داخل ورشات الخياطة بوحدات سجنية مختلفة، تحتاج إلى إعادة النظر في ظروف الإقامة داخلها وتهيئتها وربما تُعجل أزمة "فيروس كورونا" بلفت نظر السلطات التونسية لذلك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| أستاذ في علم الفيروسات: هذه ذروة انتشار كورونا ولقاح السل يحفز المناعة

من "القلعة".. مصابة بكورونا تروي لـ"ألترا تونس" تجربتها وخفايا القرية الموبوءة

حوار| جنات بن عبد الله: كورونا سيعمّق المديونية و"الأليكا" تهدد صناعة الأدوية