09-نوفمبر-2018

اقترح الشاهد تعيين روني الطرابلسي وزيرًا للسياحة ضمن التحوير الوزاري الذي أعلن عنه مؤخرًا

أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد مساء الاثنين 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، عن تحوير وزاري شمل عددًا من الحقائب الوزارية وكتاب الدولة وأثار جدلًا على أكثر من صعيد سواء تعلّق الأمر بتوقيت التحوير أو خلفياته وأبعاده أو تداعياته المستقبلية، خصوصًا فيما يهم العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية أو الشخصيات المقترحة ضمنه.

ولئن أسال اقتراح رجل الأعمال اليهودي التونسي روني الطرابلسي لتولي حقيبة السياحة والصناعات التقليدية الكثير من الحبر خاصة للاشتباه في علاقته مع الكيان الصهيوني، فضلًا على امتلاكه وكالة أسفار الأمر الذي يخلق من تعيينه في هذا المنصب تضاربًا للمصالح، إلا أن وجود وزير يهودي في حكومة يوسف الشاهد طرح مجددًا مسألة مشاركة الأقليات، وتحديدًا الأقلية اليهودية، في الحياة السياسية التونسية.

المؤرخ عبد اللطيف الحناشي لـ"الترا تونس": رغم مساهمة اليهود المهمة على الصعيد الثقافي وخاصة الغنائي في تونس قديمًا فإن حضورهم سياسيًا في المناصب العليا يكاد يكون منعدمًا

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. الأزمة أعمق من مجرد تحوير وزاري

الوجود اليهودي قديم وممتد في التاريخ التونسي، حتى أنه يسبق وصول العرب إلى تونس، وكان لليهود تأثير خاص في تونس في المشهدين الاقتصادي والفني، ولكن تبقى مشاركتهم في الحياة السياسية محدودة نوعًا ما. يقول، في هذا السياق، المؤرخ الجامعي عبد اللطيف الحناشي، لـ"الترا تونس"، إن اليهود في تونس ينقسمون تاريخيًا إلى قسمين، الأول اليهود من أصول تونسية والذين سكنوا في البلاد قبل وصول العنصر العربي وهم عادة يحملون أسماء وألقابًا عربية، والقسم الثاني هم اليهود الذين جاؤوا من إيطاليا وإسبانيا ويحملون ألقابًا أجنبية أو إفرنجية وقد تدعّم وجودهم خلال الاستعمار الفرنسي عندما قام أوروبيون بالاستيطان في تونس.

وقد كان لليهود مساهمة مهمة في الثقافة التونسية خاصة في الغناء، إذ برز العديد من الفنانين اليهود الذين اكتسبوا شهرة واسعة على غرار الشيخ عفريت وحبيبة مسيكة وراؤول جورنو. كما قام التونسي اليهودي ألبير شمامة بإخراج أول فيلم تونسي بعنوان "زهرة" وذلك سنة 1922.

أما على الصعيد السياسي، فيمكن القول إن الحضور اليهودي يكاد يكون غائبًا. ويوضح عبد اللطيف الحناشي أن يهود تونس لم يشاركوا في الحركة الوطنية التي بدأت منذ 1881 ولكن نشاطها الحقيقي كان في 1907 مع بروز حركة الشباب التونسي والتي كانت حركة ثقافية ومطلبية.

ويضيف الحناشي في حديثه مع "الترا تونس" أنه في 1920 تأسس أول حزب تونسي وهو الحزب الحر الدستوري الذي أنشأه عبد العزيز الثعالبي، مبينًا أن الحزب خصّص في لجنته التنفيذية 3 مقاعد لليهود كأمانة المال ونائب أمين المال لكنهم (أي اليهود) لم ينخرطوا في هذه القيادة. ويبيّن أنه عندما قام الحزب الحر الدستوري بإرسال وفود تفسّر مواقفه، ضد الاستعمار الفرنسي حينها ورغبة تونس في الحصول على استقلالها، شارك أحد اليهود في الوفد الثاني أو الثالث، موضحًا أن هذه المحاولات كانت تهدف إلى محاولة إدماجهم في الحركة الوطنية لكن اليهود إلى حدود ذلك الوقت أبوا أن ينخرطوا فيها.

المؤرخ عبد اللطيف الحناشي لـ"الترا تونس": لم يكن ليهود تونس مشاركة حقيقية في الحركة الوطنية ضد الاستعمار لكنهم ناضلوا في الحزب الشيوعي ضمن الإطار الأممي لا الوطني

ويبرز محدثنا أنه "موضوعيًا وضمنيًا كان يهود تونس مع الاستعمار ومن دعاة التجنيس ومن المطالبين بقانون "الكريمر" الذي كان الوطنيون يحاربونه"، مشيرًا إلى أنه في عشرينيات القرن الماضي والثلاثينيات أبوا إلا أن ينادوا أو يلحوا على حمل الجنسية الفرنسية". ويلفت في المقابل إلى أن بعض اليهود انخرطوا في الحزب الشيوعي التونسي الذي لم يتتونس إلا لاحقًا وبقي لمدة طويلة فرعًا من فروع الحزب الشيوعي الفرنسي أو الجامعة الاشتراكية، مبينًا أنه وقع في 1934 إبعاد العديد منهم إلى الجنوب التونسي مع القيادات الدستورية.

ويشير المؤرخ الجامعي إلى أن الكثير من اليهود ناضلوا نضالًا كبيرًا ضمن الحزب الشيوعي باعتبار شعاراته الأممية، مؤكدًا أنه تمّ إبعاد العديد منهم وسجن آخرين ومن ضمنهم صحفيون ومناضلون سياسيون استمروا في نضالهم في الإطار الأممي لا الوطني إلى حدود 1939. ويوضح أنه عندما وقعت الحرب العالمية وتمّ احتلال تونس من قبل الألمان والإيطاليين تمّ التشنيع باليهود التونسيين على أساس أنهم شيوعيون في ذلك الوقت الذي كانت فيه الشيوعية خصمًا للفاشية.

ويذكر أنه في 1920 تأسست في تونس الجامعة الصهيونية التي كان لها دور كبير في جمع الأموال لليهود وكانت تخدع العرب فتدعي أنها تجمع المال لمساعدة الفقراء اليهود والمسلمين ولكنها كانت ترسله لمن كان يرغب في الاستيطان، مضيفًا أن العلاقة بدأت حينها تتوتر بين عامة اليهود والتونسيين خاصة في الثلاثينيات خاصة لأن عدد اليهود كان كبيرًا وحاولت الحركة الصهيونية النشاط في تونس ونشر الفكر الصهيوني في صفوف اليهود التونسيين، الأمر الذي عكّر العلاقة بين اليهود والمسلمين في تونس سواء كان ذلك على صعيد العامة أو السياسيين.

المؤرخ عبد اللطيف الحناشي لـ"الترا تونس": العلاقة بدأت تتوتر بين عامة اليهود والتونسيين خاصة في الثلاثينيات لأن عدد اليهود كان كبيرًا وحاولت الحركة الصهيونية استغلال ذلك ونشر الفكر الصهيوني في صفوف اليهود التونسيين

ويردف عبد اللطيف الحناشي بالقول إن النشاط الصهيوني في فلسطين ومساعدة التونسيين للفلسطينيين منذ 1921 كلّها عوامل أدت إلى وجود احتدام بين الطرفين (اليهود التونسيون والمسلمون التونسيون)، موضحًا أن العلاقة بينهما توترت بشكل كبير بعد قيام الكيان الصهيوني، ليزداد حينها نشاط الحركة الصهيونية وتحاول المخابرات الفرنسية خلق فجوة جديدة بين المسلمين واليهود التونسيين حتى تبيّن أن الحركة الوطنية حركة دينية، تخص المسلمين أساسًا، لا حركة وطنية.

ويبيّن الحناشي أن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة حاول حينها جذب اليهود للحزب فانتمى بعض اليهود للديوان السياسي على غرار عميد المحامين في ذلك الوقت ألبيرت بسيّس وأندريه باروش، مبرزًا أن بورقيبة بدأ يفكر في استقطابهم منذ 1952، كما دعاهم الباي لتقديم رأيهم في الإصلاحات التي اقترحتها فرنسا ورغم رفض بعض اليهود إلا أن وفدًا من اليهود التونسيين شارك في ما يعرف بـ"المجلس الأربعي" وقد ثمّن بورقيبة هذه البادرة واعتبرهم مواطنين تونسيين وأكد أن تونس دولة غير دينية.

ويقول محدثنا إن مشاركة اليهود في الحركة الوطنية كانت إجمالًا محدودة جدًا ولم يشاركوا إلا في 1930 و1950 وكانت مشاركتهم منذ بداية الثورة 1952 مشاركة محتشمة ولكنها هامة. ويبرز أن قيادة الحركة الوطنية تحاول أن تكسب نخبة اليهود وتستقطبهم إلى صفوفها. ويشير في هذا الإطار إلى أن الباهي الأدغم ممثل الحزب الدستوري في الأمم المتحدة طلب من "إسرائيل" دعم استقلال تونس، في حين صرّح الهادي نويرة لصحيفة هارتز الإسرئيلية عام 1953 وعبّر عن استعداد تونس التأثير لصالح السلم في المنطقة.

المؤرخ عبد اللطيف الحناشي لـ"الترا تونس": طالما سعى بورقيبة ومن قبله الباي في تونس لاستقطاب نخبة اليهود لصفوف الحركة الوطنية مؤكدًا أن تونس دولة غير دينية

ويضيف الحناشي أنه في بعد الاستقلال وفي المؤتمر الخامس للحزب سنة 1955، دعا بورقيبة إلى انتخاب أحد اليهود في اللجنة المركزية ووقع حينها فعلًا انتخاب أندريه باروش ضمن اللجنة، والذي جاء في المرتبة الرابعة في هذه الانتخابات، مبينًا أن هذه الخطوة كانت تعدّ مجازفة خصوصًا أن بورقيبة كان في صراع مع الحزب الحر الدستوري القديم وكان يُتّهم بمساندة الصهيونية.

اقرأ/ي أيضًا: المرشح لوزارة السياحة روني الطرابلسي.. شبهات عديدة حول علاقته بالكيان الصهيوني

ويفيد أن حكومة الطاهر بن عمار التفاوضية التي دام عمرها 5 أشهر تضمنت أول وزير يهودي في تونس وفيما بعد تقلّد أندريه باروش وزارة الأشغال العمومية والإسكان عام 1957 في أول حكومة بعد الاستقلال. ويبيّن أنه إلى حدّ ذلك الوقت كان دور اليهود السياسي محدودًا جدًا في حين كان لهم دور اقتصادي كبير جدًا لافتًا إلى أن عددًا كبيرًا منهم كان يُتّهم بالتحالف مع الطرف الفرنسي والتعامل مع الحركة الصهيونية.

أما في عهد الرئيس الأسبق بن علي، فيوضح الحناشي أنه لم يكن هناك حضور رسمي على الأقل علني لليهود سياسيًا، مشيرًا إلى أن "بن علي كانت له علاقة متينة مع إسرائيل بشكل سري". ويُبرز أن اغتيال أبو جهاد عام 1988 لم يكن بريئًا وفقه، مضيفًا أن الكثير من التحليلات تشير إلى وجود تواطؤ ما في عملية الاغتيال، وموضحًا أن هذه العملية كانت معقدة جدًا علاوة على وجود منزل أبوجهاد قرب قصر قرطاج.

ويتابع قائلًا إن تونس كانت منذ 1991 منطقة الحوار بين فلسطين وإسرائيل تحضيرًا لمؤتمر مدريد ثمّ إنه في عهد بن علي كانت هناك علاقات متطورة على المستوى الاقتصادي والفني إذ توجه كثير من الفنانين التونسيين إلى إسرائيل لإحياء حفلات وكذلك أكاديميون. كما كان هناك ممثل لتونس في إسرائيل وممثل لإسرائيل في تونس. فضلًا على أن وزير الخارجية الصهيوني زار تونس عام 2005 وتوجه للعاصمة تونس ولمنطقة قابس بالجنوب.

عبد اللطيف الحناشي لـ"الترا تونس": بعد الثورة هناك توظيف سياسي لليهود أكثر منه قناعة بتمكين أقلية من المشاركة الفعلية في الحياة السياسية

وعن حضور اليهود في المشهد السياسي التونسي بعد الثورة، يذكر عبد اللطيف الحناشي ترشح يهودي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011، كما وقع أيضًا ترشيح سيمون سلامة في الانتخابات البلدية عام 2018 من قبل حركة النهضة، وتمّ مؤخرًا اقتراح روني الطرابلسي لتولي منصب وزارة السياحة في حكومة يوسف الشاهد. ويعتبر الحناشي أن هذه الخطوات تندرج ضمن "التوظيف السياسي لليهود التونسيين أكثر من أن تكون قناعة بتمكين أقلية من المشاركة الفعلية في الحياة السياسية".

ويلفت إلى أن الأقلية اليهودية عددها حاليًا قليل جدًا في تزنس ويبلغ حوالي 1500 يهوديًا موزعين بشكل خاص في جزيرة جربة بالجنوب التونسي والعاصمة تونس ومدن صفاقس وسوسة، قائلًا إنه لو كان هناك "رغبة لتشريك أقلية ما لماذا لم يتمّ تعيين وزير من أصحاب البشرة السوداء مثلًا" خاصة أن عددهم في تونس أكبر من عدد اليهود. ويشدد محدثنا في الآن ذاته على أن اليهود التونسيين مواطنون كالبقية لكن سياسيًا نسبتهم ضعيفة وغير مؤثرة.

ويوضح أنه بعد أندريه باروش وألبيرت بسيّس، لم يكن هناك حضور يهودي فاعل في الحياة السياسية باستثناء جورج عدة الذي كان مناضلًا شيوعيًا وكان يعارض قيام الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى جيلبير نقاش الذي كان مناضلًا في "بيرسبكتيف" اليسارية إلى جانب يهودي آخر، وسيرج عدة (ابن جورج عدة) والذي كان عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وهكذا فإن الوجود اليهودي في الحياة السياسية التونسية لم يكن هامًا إذ تميزوا بشكل أوضح في الحياة الفنية والاقتصادية، وبعضهم لا يزال ينشط في هذا الإطار إلى اليوم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قراءة في بيان مجلسها الأخير: النهضة "تنقل التوافق" نحو القصبة.. بحذر وشروط!

الطاهر بن عمار: موقّع وثيقة الاستقلال الذي غُيبت بصماته