20-يونيو-2024
الموت غرقًا ضريبة الترفيه في مناطق التهميش

لا يتوانى الأطفال عن المجازفة خلسة عن عائلاتهم بالسباحة في مجاري الأدوية والسدود (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

العثور على جثة طفل غريق في سد أو بحيرة أو قنال أثناء السباحة حادثة باتت متكررة، لا سيما أنّ عوامل مثل اشتداد الحرارة ودخول فصل الصيف، وارتفاع أسعار التنقل إلى المدن الساحلية لقضاء عطلة الصيف، تدفع بعض الشباب والأطفال إلى المخاطرة والسباحة في مياه السدود والأودية أو المواجل خصوصًا في المناطق الداخلية والريفية.

اشتداد الحرارة، وارتفاع أسعار التنقل إلى المدن الساحلية، عوامل تدفع بعض الشباب والأطفال إلى المخاطرة والسباحة في مياه السدود والأودية خصوصًا في المناطق الداخلية والريفية

ويمارس الأطفال والشباب هواية السباحة في الأودية والسدود دون العلم بمخاطرها والأضرار التي يمكن أن تسببها لهم على الرغم من تسجيل عشرات حالات الغرق سنويًا وفق ما تعلن عنه مصالح الحماية المدنية، خاصة وأنّ السباحة في مياه السدود والأودية والبحيرات وحتى البرك، أصعب وأخطر من السباحة في الشواطئ نظرًا لعذوبة المياه والوحل والطين الذي يتسبب في غرق أغلبهم.

ورغم ذلك، ومع انطلاق فصل الصيف، تبدأ أجهزة الحماية المدنية بتسجيل حوادث غرق عدة أشخاص وخصوصًا منهم الأطفال والشباب. وقد لا يمرّ يوم دون الإعلام عن حادثة.

يمارس الأطفال والشباب مخاطرة السباحة في الأودية والسدود دون العلم بالأضرار التي يمكن أن تسببها لهم على الرغم من تسجيل عشرات حالات الغرق سنويًا

فمنذ يومين، أعلنت فرقة الحماية المدنية بالكاف عن انتشال جثة طفل من داخل خزان مائي (جابية) بمنطقة الصلايعية من معتمدية السرس بولاية الكاف، بعد أن كان عالقًا في قاع خزان مائي بعمق حوالي 4 أمتار ومساحته حوالي 240 متر مربع.

وتمكن رجال الإنقاذ من الدخول سباحة إلى الخزان والوصول إلى الطفل الذي يبلغ من العمر 9 سنوات، ليتبين أنّه قد فارق الحياة.

فيما شهد شهر ماي/ أيار الماضي عدّة حوادث من هذا النوع، إذ انتشلت فرقة مختصة في الغوص، جثة طفل يبلغ من العمر 16 سنة غرق بسدّ بوهرتمة على مستوى الجهة المطلة على منطقة بغورة بمعتمدية بلطة بوعوان. فيما لقي طفل لم يتجاوز عمره 14 عامًا حتفه غرقًا بوادي مجردة بجهة مجاز الباب من ولاية باجة. 

 

الموت غرقًا ضريبة الترفيه في مناطق التهميش
لا يكاد يمرّ يوم دون الإعلام عن حادثة غرق أحد الأطفال أو الشباب (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

كما انتشلت الحماية المدنية جثث ثلاثة أطفال لقوا حتفهم داخل خزان مائي عمقه 8 أمتار بمنطقة عين البيضاء من معتمدية حفوز بولاية القيروان. وتفيد المعطيات الأولية بأنّ الأطفال الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و14 سنة تعودوا على استغلال الخزان للسباحة.

وعلى الرغم من كون مدينة بنزرت مدينة ساحلية، فإنها سجلت هي الأخرى حادثة غرق طفل يبلغ من العمر 15 سنة في بركة تكوّنت مؤخرًا بعد تجمّع مياه الأمطار في الحفر العميقة المخصصة لأسس الجسر الجديد ببنزرت.

مع انطلاق فصل الصيف، تبدأ أجهزة الحماية المدنية بتسجيل حوادث غرق عدة أشخاص وخصوصًا منهم الأطفال والشباب

فيما شهدت العاصمة حادثة غرق طفلين يبلغان من العمر 14 و16 سنة بالقنال المتّجه للبحيرة بتونس العاصمة. حيث يبلغ عمقها ثلاثة أمتار، حسب أجهزة الحماية المدنية.

هي حوادث من بين عشرات حوادث الغرق التي تعلن عنها وحدات الحماية المدنية خلال فصل الصيف. إذ تحوّل لهو البعض في تلك السدود والأودية وغيرها إلى موت محتم، لا سيما وأنّ أغلبهم من الأطفال ممّن لا يجيدون السباحة جيدًا، فيما تغيب وحدات الإنقاذ القريبة من مناطقهم النائية. 

وتكرار عدّة حوادث في نقاط بعينها سنويًا، لم يثنِ البعض عن المجازفة وتجربة الأمر على الرّغم من خطورة المغامرة، وعلى الرّغم من وجود بعض لافتات إرشادية تحذر من خطر السباحة في عدّة مناطق بما في ذلك حتى بعض الأودية.

تكرر حوادث الغرق سنويًا في بعض المناطق النائية ليست إلا وجهًا آخر من وجوه التهميش الذي تعاني منه المناطق الداخلية لا سيما الريفية

إنّ تكرر حوادث الغرق تلك سنويًا في بعض المناطق النائية ليست إلا وجهًا آخر من وجوه التهميش الذي تعاني منه المناطق الداخلية لا سيما الريفية. فغياب منتزهات ومسابح للترفيه مع قلة ذات اليد للتنقل للاصطياف في المدن الساحلية، يدفع بهؤلاء الأطفال إلى المجازفة والسباحة في السدود والبحيرات وحتى الأودية رغم تسجيل وفيات فيها.

وتدعم السلطة أشكالًا محددة للترفيه والثقافة المقدمة للأطفال والشباب أهمها دور الشباب والثقافة، ولكنها متمركزة في مركز الولايات والمدن، لتغيب كل أشكال الترفيه في جميع الأرياف والمناطق الجبلية.

يقول شكري خير الدين، أحد السكان القاطنين في إحدى المناطق الريفية في ولاية جندوبة قرب وادي ملاق، إنّ الوادي يشهد على ضفافه يوميًا قدوم سكان الأرياف سواء لتعبئة المياه أو لغسل الصوف، فيما يستقطب يوميًا خلال ارتفاع درجات الحرارة هواة السباحة، خصوصًا عند ارتفاع منسوب مياه الوادي، على الرغم من تسجيل حالات غرق في هذا الوادي بالذات الذي يمر من الجزائر إلى عدّة ولايات تونسية، ويكون محمّلًا أحيانًا بالحجارة والطين. 

أحد سكان المناطق الريفية في ولاية جندوبة قرب وادي ملاق: الأودية تكون هادئة وأحيانًا تصبح فجأة جارية، بسبب تسجيل تساقطات في ولايات أخرى

ويضيف محدّثنا لـ"الترا تونس": "الأودية تكون هادئة وأحيانًا تصبح فجأة جارية، بسبب تسجيل تساقطات في ولايات أخرى، إذ يتسبب جريان الأودية في ارتفاع منسوب المياه في جهات أخرى لم تشهد أي تساقطات، وهذا ما يؤدي إلى غرق البعض ممن يباغتهم ارتفاع منسوب المياه فجأة. ولكن رغم تحذير أجهزة الحماية المدنية سنويًا، فإنّ الأطفال لا يتوانون عن المجازفة خلسة عن عائلاتهم التي تلتاع بحوادث مأساوية خلال كل فصل صيف".

ويضيف شكري خير الدين: "هنا، يتحسّس سكان الأرياف نور الفجر ليبدأ يومهم في رعي الغنم وملأ الماء، وهي مهام يقوم بها الأطفال وبعض الشباب، فلا يتوانون عن سرقة لحظات من اللهو تتحول للأسف إلى مأساة".

ومع ذلك، تستمر حالات الغرق، في ظل إصرار سكان المناطق الداخلية على المجازفة من أجل لحظات من اللهو في المياه الباردة للأودية والسدود والبحيرات، لا يعرف متعتها سوى من غابت عنه وسائل الترفيه الآمنة الأخرى.