لماذا قبرت القائمة النهائية لشهداء وجرحى ثورة 27 ديسمبر/ كانون الأول- 14 جانفي/ كانون الثاني 2011؟ ذلك هو السؤال الذي لا تنفك عائلات الشهداء والمصابين عن طرحه منذ بداية شهر أفريل/ نيسان الماضي. وانتقلت من التساؤل فيما بينها إلى الاحتجاج علنًا أمام مقر الحكومة خلال ذات الشهر مطالبة بنشر القائمة للعلن كما يقره القانون، غير أنها جوبهت بالصمت.
علي المكي (منسق حملة سيب القائمة الرسمية) لـ"الترا تونس": هناك قرار سياسي بعدم نشر القائمة النهائية لشهداء الثورة وجرحاها
اقرأ/ي أيضًا: هيئة النفاذ إلى المعلومة تلزم رئيس هيئة حقوق الإنسان بنشر قائمة شهداء الثورة
يؤكد متابعون لملف العدالة الانتقالية، أن الهدف من بعث لجنة تشرف على التقصي والتحقيق بغاية حصر قائمة شهداء الثورة وإعداد قائمة نهائية تخلد أسماءهم لم يكن إيداعها في مكتبات للرئاسات الثلاثة أو في أدراج مكاتبهم وتدخل بذلك طي النسيان، معولين على المماطلة والتسويف في نشرها حتى تنسى كأنها لم تكن، بل إن الهدف الأول منها كان تخليد ذكرى هؤلاء الذين قضوا مضجع الدكتاتورية وقلبوا عرشها.
غير أن الجو العام في البلاد الذي أعاد معارك الجمهورية الأولى إلى أولى اهتماماته، عملت أطراف فيه بكل جهدها على محو صفحة الجمهورية الثانية وخاصة صفحة الثورة منها. ولم ينطلق التعاطي بهذه الطريقة مع الملف مع القائمة النهائية، فلم يكد دم الشهداء يجف بعد، حتى تمّ نفي وجود قناصة تسببوا بمقتلهم، ونفيت المسؤولية المباشرة للقصر الرئاسي آنذاك في توجيه أوامر بالقتل رغم التسجيلات المسربة التي تعد دليلًا قاطعًا على ذلك، ومن ثمة صدرت أحكام تبرئ المسؤولين الميدانيين، وإلقاء "الدولة" الملزمة بالتعويض والاعتذار، بالفتات لعائلات الشهداء والجرحى وتصويرهم كمشاغبين قتلوا عرضًا وتتسول عائلاتهم بدمائهم، وصولًا إلى خروج بعضهم منددًا بمسار العدالة الانتقالية ومشككًا فيه، وختامًا بالمصالحة المبطنة معهم وإعادة بعضهم إلى واجهات الأحزاب.
عملت الدولة العميقة التي خلفها نظام الدكتاتور على وأد ذكرى الثورة، وتحويلها إلى فلكلور جهوي بإقامة مهرجان لها في سيدي بوزيد ينتهي بانتهائه اللغط المثار سنويًا حولها
مما لا شك فيه، عملت الدولة العميقة التي خلفها نظام الدكتاتور على وأد تلك الذكرى، وتحويلها إلى فلكلور جهوي بإقامة مهرجان للثورة في سيدي بوزيد ينتهي بانتهائه اللغط المثار سنويًا حول هذه الذكرى، ولا مصلحة لها أبدًا في إعادة الروح الثورية من جديد، سيما في شباب وشابات لم يطلقوا التظاهر والاحتجاج بعد، عبر نشر القائمة لتفتح الصفحة من جديد وتطبع أكثر صلب التاريخ لا على هامشه كما أريد لها.
ويتفق علي المكي منسق حملة "سيب القائمة الرسمية" (شقيق الشهيد عبد القادر المكي ذي الخمسة والعشرين ربيعًا والذي قتل برصاصة أثناء مشاركته بمسيرة سلمية بمدينة دقاش)، مع الرأي القائل إن هناك قرارًا سياسيًا بعدم نشر القائمة.
وأوضح المكي لـ"الترا تونس" أن تعلات واهية تتمسك بها السلط الرسمية من أجل قبر القائمة معتبرًا أن السبب الرئيسي لعدم نشرها يعود لرغبة أطراف بعينها طي صفحة الثورة، ومبينًا أن عائلات الشهداء والجرحى ضغطت منذ سنة 2011 من أجل تحديد القائمة النهائية، وكان وازعها الأول أن تخلد الدولة عبر وثيقة رسمية صادرة عنها أسماء الشهداء والجرحى ومن ثمة المرور عبر مراحل العدالة الانتقالية، غير أنها لم تواجه إلا بالتسويف والمماطلة.
ووصف محدثنا تعاطي الدولة مع "القائمة الرسمية للشهداء والجرحى" بالعار والمخزي إذ من غير المعقول أن تطلب العائلات ذلك في حين أنه واجب على الدولة التونسية بمؤسساتها أن تقوم بتحديد هذه القائمة وإيلائها قيمتها التاريخية التي تستحق، وفق تقديره.
اقرأ/ي أيضًا: شهداء ثورة تونس وجرحاها.. تهميش وتوظيف
وفي حين يتحجج بعض المتداخلين في عملية تحديد القائمة، بانخفاض عدد الشهداء من 400 شهيد في القائمة السابقة، إلى 148 فقط إثر أعمال البحث والتمحيص التي قامت بها لجنة إعداد القائمة الرسمية النهائية، وتخوف السلط الرسمية من ردة الفعل الشعبية إزاء ذلك، اعتبرها المكي حجة غير منطقية، حيث أن العائلات طالبت بالقائمة الرسمية للاطلاع عليها، والتوجه إلى القضاء الإداري للاعتراض عليها في حال وجود خلل.
واتجه المكي إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة، بعد استيفاء وسائل الاحتجاج السلمي والمراسلات للأطراف المتداخلة، من أجل الحصول على نسخة من القائمة الرسمية.
رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة لـ"ألترا تونس": قرارنا ملزم للجهات الرسمية كي تنشر القائمة النهائية لشهداء الثورة وجرحاها
بيد أن الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، دفعت على لسان رئيسها توفيق بودربالة، بأن النص القانوني يشوبه عدم الدقة ولا يبيّن بوضوح الجهة المحمول عليها نشر القائمة النهائية، وهو ما أكده عضو الهيئة الناصر الكافي لـ"الترا تونس"، موضحًا أن القرار الذي بعثت على أساسه لجنة تتولى إعداد القائمة، غير دقيق، ولم يبيّن ما إذا كانت رئاسة الحكومة هي التي تقوم بنشر القائمة الرسمية أو اللجنة، ويخشى أن تمتنع المطبعة الرسمية عن تلقي القائمة وإدراجها بالرائد الرسمي نظرًا لأنها قدمت من طرف من ليس له الصفة.
وتلقت هيئة النفاذ إلى المعلومة الشكاية المرفوعة من المكي ضد رئيس الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية والمتداخلين في الموضوع وهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وتولت النظر فيها لتصدر حكمًا مطولًا ومفصلًا بداية هذا الأسبوع، قضت فيه أن يتم تسليم العارض (علي المكي) لنسخة من القائمة الرسمية بغض النظر عن تعطل نشرها، مشيرة إلى أن القرار عدد 1515 المتعلق بضبط تركيبة لجنة الشهداء والجرحى التي يرأسها رئيس الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية بصفته ملزمة بنشر القائمة في الرائد الرسمي.
وأكد رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة عماد الحزقي في تصريحه لـ"الترا تونس" أن القرار الذي أصدرته الهيئة ملزم للجهات الرسمية، رئيس هيئة حقوق الإنسان والمتدخلين، لكي تتحمل مسؤوليتها القانونية بنشر القائمة النهائية في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، أما إذا لم يكن لها الشجاعة السياسية الكافية لنشر القائمة فإنه على رئيس الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية بصفته رئيسًا للجنة أن يمتثل لقرار الهيئة ويتولى نشر القائمة وتسليم نسخة منها للشاكي علي المكي، شقيق الشهيد عبد القادر المكي المستفيد من الحكم أو التوجه إلى المحكمة الإدارية لاستئناف قرار الهيئة.
اقرأ/ي أيضًا:
بسبب عدم صدور القائمة الرسمية: عائلات شهداء الثورة وجرحاها يحتجون
جمعيات تدعو إلى الإسراع بنشر قائمة شهداء الثورة وجرحاها في الرائد الرسمي